مرّت العشر عجاف على هذا الوطن الحزين، وأكلت العشر عجاف العشر سمان التي سبقتها…ودخلنا سنة أخرى بعد العاشرة تلوح أفظع من كل سابقاتها…فأغلب من بالمشهد أعلنوا الحرب على بعضهم الآخر…فهذا شريط صوتي عن شبه مؤامرة مسرّب…والآخر فيه سبّ وشتم وكلام لا ينطقه حتى من امتلأت بطنه خمرا معتّقا…
جميعهم أعلنوا الحرب على جميعهم ونسوا الجائع والفقير والمحتاج…نسوا أن بعضنا لا يقدر على توفير علبة حليب ورغيف لأطفاله…ونسوا أن برنامج الأغذية العالمي أعاد أخيرا فتح مكتب له بالقيروان بعد غياب عن بلادنا لأكثر من عشر سنوات… نسوا أن بعضنا يأمل إلى يومنا هذا أن تعود العشر سمان لتعوّض العشر عجاف حتى يسعد قليلا، في زمن لم يعرف فيه غير الحزن والكآبة والإحباط…كل هذا يقع ورئيسنا يذهب إلى فرنسا ليقول لكل الراغبين في الاستثمار في بلادنا أن تونس هي اليوم بلد اللّصوص والمناخ السياسي في تونس لا يشجّع على الاستثمار وكأني بلسان حاله يقول “لا تأتوا إلينا فنحن لسنا في حاجة إليكم ولا لأموالكم…”…
ألا يكفي هذا الشعب ما يعانيه حتى يعلن بعضنا الحرب على بعضنا الآخر….ألا يكفي السقوط الأخلاقي والانفلات الذي تعيشه البلاد منذ دخول الليالي السود سنة 2011 …أبن حكماء هذه الأمة، أم انتصر الحمق والغباء على الحكمة؟؟ أيدري هؤلاء الذين أعلنوا الحرب على بعضهم البعض أن من دفع أغلى ما عنده خلال أكثر من عشر سنوات، ما عاد يهمّه من يشرب الخمر في ملهى ليلي أو من يرشق مالا على راقصة…أو من “يفاحش” من… في هذا الزمن الذي “فاحش” فيه الجميع الجميع…ولا شريط مسرّب يحكي تخاريف من خيال بعضهم ضدّ بعضهم…
هذا الشعب ما عاد يهمّه من باعوا ضمائرهم…ولا من باعوا حتى أوطانهم…هذا الشعب ما عاد يهمّه ما يجري في الغرف المظلمة التي يحلم بها ساكن قرطاج ليلا نهارا…هذا الشعب ما عاد يهمّه نائبا يصرخ كاذبا يوهمه بالدفاع عنه وعن مصالحه….هذا الشعب يبحث عمن يطمئنه عن مستقبل فلذات أكباده…عن قرب فكّ الارتباط مع الجوع والخصاصة والبطالة…هذا الشعب ما عاد يهمّه صراخ من يتجمّعون أمام السفارات يدافعون عن قضايا إقليمية وبطون الشعب خاوية وفلذات أكبادهم تنتحر يوميا في المتوسّط…هذا الشعب ما عاد يهمّه إن كان رونالدو سيبقى في “اليوفي” أو سيغادرها فما عاد طعم هذه الأخبار يطربه و مأساته أكبر من أن ينساها بسهولة…
هذا الشعب لا عادت تهمّه نتائج عمليات سبر الآراء…فسبر الآراء الوحيد الذي ينتظره هو متى يجد مورد رزق للعاطلين من أبنائه؟…متى يسعد بزفاف بناته؟…متى يحضن ابنه الهارب من وضع استوطن البلاد وأحبط العباد؟…هذا الشعب لا عاد يهمّه نائب كذب عليه لسنوات، يستعطفه اليوم بكاء ليبقى غدا بعد نهاية هذه العهدة تحت قبّة باردو…هذا الشعب سادتي يبحث عمن يفي بوعوده كاملة…يبحث عمن واكب معاناته وعاشها وعرف جزءا منها حتى يدرك جيدا حجمها وكيف الخروج منها….هذا الشعب يقول لكم جميعا أن خطبكم وصراخكم وكلامكم المنمّق في منابر بعض قنوات بيع الضمائر لن يعوّض أبدا رغيفا يملأ بطون أطفاله…وأن وعودكم الانتخابية التي صرختم بها طويلا منذ سنتين لم ولن تحققوا وعدا واحدا منها، لن تعوّض أبدا سنوات البطالة التي أحبطت جيلا كاملا، فمات غرقا في رحلة البحث عن وطن آخر يحميه من الموت غرقا…
هذا الشعب يقول لكم إن خطبكم ووعودكم وحتى دموع بعضكم لن تدفع عوضا عنه فواتير الكهرباء والماء…ولن تدفع عنه ثمن حذاء وعد ابنه به منذ عشر سنوات ولم يف بوعده…هذا الشعب ينتظر من بعضكم وليس من جميعكم فهو على بينة من أن أغلبكم مصاب بمرض الزهايمر …أقول هذا الشعب ينتظر من بعضكم أن تتحول خطبه ووعوده إلى واقع أو بعض من الواقع يطمئنهم ويريحهم…هذا الشعب ينتظر ممن هم الأقرب إليه ويشعرون فعلا بمعاناته أن يستلموا فعلا زمام المبادرة ويقتربوا منه ليدركوا حقيقة معاناته…هذا الشعب ينتظر أن تفي كل الشعارات والخطب التي امتلأت بمشاعر الشعب وأحاسيسه ومعاناته بوعودها وعهودها…
هذا الشعب ملّ الانتظار…هذا الشعب ينتظر أن تكونوا أنتم صوته…أن تكونوا أنتم لسان دفاعه…وأن تكونوا أنتم أوجاعه…وآلامه…وأن تشعروا فعلا بمأساته…هذا الشعب لا يبحث عن الكراسي كتلك التي أعلن بعضكم الحرب على بعضكم من أجلها….هذا الشعب لا يسعد بالجلوس على كراسي يجلس عليها بعضكم منذ أكثر من عشر سنوات ولم يقدّم شيئا مما وعد به…هذا الشعب يلعن ديمقراطيتكم …ويلعن دستوركم …ويلعن توافقاتكم…ويلعن تحالفاتكم….ويلعن كتلكم…فليس بها سيطعم أطفاله….هذا الشعب يلعن حريتكم فليس بها سيدفع تكاليف دراسة ابنته…هذا الشعب يلعن مساواتكم فليس بها سيدفع معلوم كراء منزله…هذا الشعب يلعن حرية تعبيركم فليس بها سيدفع معلوم معالجة زوجته التي تقتلها الأوجاع يوميا…
فهلاّ استمعتم لأوجاع الوطن والشعب…حتى يقبل بكم الشعب والوطن…تبّا لكم فهذا الشعب يكرهكم…