كلّ نار

“تجربة دانماركية” أخرى

نشرت

في

لا حديث في اليومين الأخيرين إلا عن عملية إنقاذ لاعب بمنتخب الدانمارك سقط على الميدان بلا حراك و كاد ينتقل إلى الآخرة لولا … و “لولا” هذه ضمّت لاعبي فريقه و لاعبي الفريق المنافس و طاقم الإسعاف و مخرج النقل التلفزي و هيئة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم و حتى الجمهور … الجمهور الذي ساعد على الأقل بصمته و هدوئه و تحضّره إلى درجة أنك تقول هذا هو الجمهور الذي يستحق السماح له بارتياد الملاعب لا سواه ...

<strong>عبد القادر المقري<strong>

و أنا بكل بلاهتي و عقدي الصغيرة ـ مثل عامة الشعب ـ لفتت انتباهي جزئية يمكن هي الوحيدة التي يستحيل أن تحصل عندنا … فيمكن أن يسعف في بطولتنا لاعب لاعبا آخر حتى لو كان خصمه، ممكن حتى 1 بالمائة ممكن … و ممكن أن يحوّل المخرج التونسي وجهة الكاميرا عن موقع الحادث إلى حيث السماء الصافية أو الملبّدة، و قد حصل هذا في سوابقنا كثيرا … و ممكن أن يوقف اتحاد الكاف المباراة لهذا السبب أو غيره، و قد جرى ذلك في الأمسين البعيد و القريب … و ممكن أن يسكت الجمهور تماما، و حتى أن يمكث في بيته، و هذا ليس مستبعدا بل صار هو القاعدة منذ مدة …

المستحيل التونسي في نظري هو تلك الآلة التي حملها المسعفون في حقيبتهم و التي تنشط القلب أو تحدث به صدمة كهربائية لو توقف … وضع المسعفون الإسكندينافيون الآلة، دون أن ينسوا تعميرها مسبقا و بانتظام تحسبا لأي طارئ … و هذا الطارئ لا يقع إلا في مباراة على ألف أو ألفين حسب إحصائيات الفيفا … و مع ذلك أعد الفنيون الجهاز، و قاموا بتفقده قبل الأوان بوقت كاف، و تأكدوا أنه صالح للعمل، و ربما امتحنوا تلك الصلوحية، و حملوه معهم إلى الملعب دون نسيان زرّ مفتوح أو بطارية غير مشحونة أو فتات خبز في ثقوبه …

ليس الحديث حصرا عن الكرة، و لو أن تأجيل ذات نهائي في كرة السلة ما زال في البال بسبب سلة مكسورة الطوق الحديدي لم يتفقدها أحد من قبل … دعنا من الكرة و الرياضة، حافلاتنا العمومية تراها تشرشر بالزيت يوما يومين ثلاثة أي ثلاث ليال تقضيها في مستودع الصيانة و لا من صائن و لا مصون … دون الحديث عن حالتها الرثة التي ترافقها من المهد إلى اللحد … شوارع و طرقات تنقطع الكهرباء عن تنويرها العمومي أشهرا و حتى سنوات رغم علمك بوجود وزارة للتجهيز بمهندسيها و مديريها على مختلف رتبهم، و بلدية منتخبة انتخابا خرّا و مباشرا … قسم الأشعة (أو قسم “الإشاعة” بلغة أهالينا) يعيد قاصديه من المرضى إلى ديارهم دون إنجاز لأن السكانر معطوب منذ … منذ 2010 في بعض الحالات !

لن أطيل أكثر بالتطرق إلى الطرقات التي صارت عنصرا فعّالا في حوادثنا المرورية الطاحنة، أو إلى طائراتنا التي صارت تهبط اضطراريا أو تشتعل فيها النار و هي في الهواء أو لا تقلع بتاتا في آخر لحظة، و لا حتى إلى سياراتنا الخاصة التي ينقصها دائما جهاز سلامة ما … فتلك نكت صارت مع الزمن باردة معتادة كأي شيء لا يمشي في هذا البلد الرباعي الشلل … و لكن يعجبني العقل التونسي الذي يتفنن دائما في إيجاد عذر لأي إهمال كبر أم صغر أم أضرّ أم قتل … ترافقه دائما يدان ترتفعان باستسلام مع عبارة “الكمال لله”، و ها أني أكملها: “و النقصان كل النقصان لعباده من أهل تونس و ما جاورها” …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version