منبـ ... نار

تساؤلات حول دور النقابات في تونس ’’ زمن الانتقال الديمقراطي’’

نشرت

في

من أهم المؤتمنين اليوم على مسار الانتقال الديمقراطي: المجتمع المدني بجميع مكوناته وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل وقد علمه حشاد كيف يجمع على الدوام بين المهني والوطني وكيف يتعامل مع الوقائع والقيم ….وهو  مطالب  بتحسين مواقعه الاجتماعية ومناهج ضبط أولوياته وبمزيد ترشيد عمل بعض مناضليه...”(عبد اللطيف الحناشي)

<strong>د مصطفى الشيخ الزوالي<strong>

في سياق ما بعد 2011، تحققت مكاسب كثيرة على مستوى الثقافة السياسية لدى الكثيرين في تونس، فصاروا أكثر اهتماما بالشأن العام، يميزون بين الدولة والنظام، بين الدولة والحزب، يتحدثون عن هيئات دستورية، عن هياكل الرقابة، عن دور الإعلام والمجتمع المدني… لكن مع كل هذه المكاسب الهامة لا يزال ينتشر الكثير من اللبس والبلبلة الفكرية والمفاهيمية حول دور النقابات وعلاقتها بالدولة والنظام والأحزاب السياسية ومفهوم الإضراب ومسألة تضارب الحقوق.

لا جدال في القيمة الثابتة للاتحاد العام التونسي للشغل ودوره في النضال ضد الاستعمار وبناء الدولة الوطنية وبأنه “في الواقع لا يعتبر منظمة حرفية مهنية، بالمفهوم الكلاسيكي وأنه “يتمتع بمصداقية واسعة في المجتمع التونسي وعند مختلف الفئات والشرائح من العاملين في مختلف القطاعات الاقتصادية الخاصة والعمومية … وكذلك باحترام واسع أيضا في الأوساط النقابية الدولية والعربية والإفريقية..” [1]

لا جدال أيضا بأن “… القيادات الوسطى والسفلى للاتحاد ظلت تقوم بدور “ضمير الأمة” المستيقظ دائما أبدا، وتعلن من حين لآخر معارضتها لمساندة القيادة النقابية لبن علي، وهو ما يفسر الدور البارز الذي اضطلعت به هذه القيادات الوسطى والسفلى في تأطير انتفاضة 14 جانفي 2011 ضد بن علي…’’ [2]

لا جدال أخيرا في أن تقاليد الاحتجاج والغضب أمام كل أشكال الظلم الفساد والإفساد، هي آلية تعديل أساسية يحتاجها كل مجتمع لضمان تنوعه وانسجام مكوناته.  بل هي حق من حقوق الانسان ينبثق عن عدة حقوق مختلفة أساسية يتمتع بها الإنسان مثل حرية التعبير وحرية التنظيم وحرية التجمع.

مع الإقرار التام بكل ما سبق، وبعيدا عن الأجواء السائدة من المزايدات وحسابات المصالح الضيقة وخاصة ظاهرة القطاعية “corporatisme” واستفحالها المتنامي بلا حدود، نطرح بعض التساؤلات والملاحظات التي تدعونا إلى التأمل وتعميق الحوار حولها،

  •  هل يوجد ما يكفي من التمييز بين دور النقابة في “زمن الاستبداد” ودورها في “زمن الانتقال الديمقراطي”؟
  • إلى متى سيُواصل الكثير من النقابيين والسياسيين تشغيل إشراطاتهم الموروثة عن فترة ما قبل 2011 ومنطق صراعاتهم الاستقطابية خلال مرحلة السبعينات والثمانينات بالجامعة التونسية؟
  • إلى متى سيظل “بعض النقابيين والسياسيين “يصرفون” من سنوات النضال السابقة؟
  • أي معنى لتواصل الاعتصامات المفتوحة والاحتجاجات العنيفة ومنطق كل شيء أو لا شيء، في سياق ارتفاع منسوب الحرية وتعدد مؤسسات المشاركة المدنية؟
  • في ظل ضعف الدولة ووهن مؤسساتها وعجز مسؤوليها، هل التمرد والعصيان تعبير عن جرأة وشجاعة أم تعبير عن شيء آخر لا يمت بصلة لتلك القيم النبيلة؟
  • ألا يمكن أن نبدع أشكالا جديدة من التعبير والفعل التي لا تتسلط على المرفق العمومي؟ 
  • أمام ممارسة حق الإضراب بلا ضوابط ولا حدود، وابتداع أشكال جديدة منه لا وجود لها في أية دولة أخرى في العالم، ألسنا نعيش وضعيات انتهاك لحقوق أخرى لا تقل أهمية عنه مثل العمل والدراسة والنقل والصحة…؟ أم أن قضية تعارض الحقوق غير مطروحة للنقاش في مثل هذه الحالات؟
  • أليس من المفارقات أن تتكرر الإضرابات المعطلة للسير العادي للمرفق العمومي باسم ’’الدفاع عنه والتصدي للمتربصين به’’؟ من هو المستفيد الأول مما عاشه قطاع التعليم الثانوي، مثلا، من تجاذبات سنوية متكررة وإضرابات مدافعة عن ’’المدرسة العمومية’’ غير التعليم الخاص ومقاولي التعليم؟  وفي القطاع نفسه، لماذا يتواصل عمل المديرين والنظار بالمدارس الإعدادية والمعاهد في صيغة خطط وظيفية ظرفية خاضعة لمزاج المسؤول الإداري أو الطرف النقابي؟ ما المانع من تمتيعهم بحقهم في سلك مستقل؟ ما المانع من تكوينهم لنقابة تمثلهم دون غيرهم وتدافع عن حقوقهم؟
  • هل النقابي شخص فوق القانون أو مسموح له بالتحايل عليه؟ أم أن الأمر مرتبط بوجه آخر لصراعات شخصية وسياسية خفية ولاختلال لموازين القوى بين الدولة وأطراف أخرى وتوظيف للاتحاد وقيمته التاريخية والمؤسساتية والرمزية؟ [3]
  • إلى متى سيتواصل الخلط بين السلطة والتسلط لدى المسؤولين”، حاملي الواجبات؟ وإلى متى سيتواصل الخلط بين حرية التعبير والفوضى لدى الأطراف المقابلة من أصحاب الحقوق ؟
  • ما هو الفرق بين من يستغل الدين ويسعى إلى احتكاره وتوظيفه لخدمة مصالح ضيقة ولأغراض شخصية أو سياسية لا علاقة لها بالدين، ومن يفعل الشيء نفسه باسم النقابة ؟
  • هل المسؤول الاداري، مركزيا وجهويا ومحليا، هو وحده المعني بتقديم الحلول أم أن جميع الموظفين هم أعوان السلطة التنفيذية ومطالبون بالمشاركة، مع بقية الأطراف من داخل القطاع التربوي مثلا ومن خارجه، في إيجاد الحلول لمشاكل متراكمة منذ سنوات طويلة ويستحيل حلها بقرارات إدارية، مركزية كانت أو جهوية أو محلية؟
  • أخيرا متى ستتحول النقابات من قوة رفض واحتجاج وطغيان المطالب المادية التي تستنزف مجهودات الإطارات النقابية إلى قوة بناء واقتراح ومشاركة في بلورة الإصلاحات الحقيقية وترسيخ ثقافة الواجب لدى منخرطيها إلى جانب الحقوق التي يجب صيانتها طبعا؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  عبد اللطيف الحناشي: ’’دور النقابات العمالية في تعزيز حقوق الانسان في مرحلة الانتقال الديمقراطي: الاتحاد العام التونسي للشغل نموذجا’’. ضمن كتاب جماعي تحت عنوان ’’ الأولويات المطروحة في تونس في مرحلة ما بعد الثورة. أوراق سياسية”. المعهد العربي لحقوق الإنسان. تونس 2013. ص235

[2]  الهادي التيمومي:’’خدعة الاستبداد الناعم في تونس: 23 سنة من حكم بن علي’’. الطبعة الثانية دار محمد علي للنشر 2013، ص71.

[3]  بل بدت صراعات معلومة ومكشوفة لكل متابع للشأن العام في تونس كما حدث مع اضراب قطاع التعليم يوم 12 نوفمبر2021 بين ’’فوج الطبوبي’’ و’’فوج اليعقوبي’’ وفق العبارات التي تم تداولها بالفايسبوك.

تعليق واحد

صن نار

Exit mobile version