تابعنا على

جور نار

تعالوا نتخلّص من “دراكولا” الذي يسكننا !

نشرت

في

La haine, une puissante source de haines | L'Humanité

كنت شاهدا على حالتين موجعتين الأولى حين كنت واقفا في صفّ انتظار داخل صيدلية والثانية عند بائع خضروات…أما الأولى فقد لفت انتباهي من كان أمامي في الصفّ بإحدى الصيدليات… المسكين، حين عرف ما عليه دفعه ثمنا لقائمة الأدوية التي جاء بها من الطبيب، اضطرّ إلى حذف وإلغاء أكثر من نصف القائمة بسبب عدم توفر كامل المبلغ المطلوب لديه… والأغرب هو أن الصيدلاني لم يهتمّ لأمر المسكين وكان سيناوله بمقدار ما توفّر لديه من مال، فقط لو لم يتدخّل البعض لدفع بقية المعلوم الذي كان المسكين مطالبا به لشراء أدوية الوصفة…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

الحالة الثانية كانت عند بائع الخضروات فإحدى المواطنات طلبت من البائع حبتين من البطاطا صغيرة الحجم، وحبتين من الطماطم، وحبة بصل متوسطة الحجم، وحبتين من البرتقال من الحجم الصغير وسلمته ما كان عندها من مال مقابل ما طلبته، ورغم ذلك أعادت للبائع حبة برتقال لأن مالها لا يكفي…أسأل هل من حقّنا أن نطالب هؤلاء بحبّ وعشق هذا الوطن وهذه الأرض؟ هل من حقّنا ان نطالبهم بالهتاف باسم هذا الوطن وحكام هذا الوطن؟ لا أظنّ انه من حقّنا ذلك ولا من حقّ أي حاكم ممن حكموا ويحكمون الوطن أن يطالبوا أمثال هؤلاء بالاعتراف بجميل هذا الوطن، فلا جميل لوطن على مواطن يعجز عن توفير ثمن قوته ودوائه حين يصاب بالمرض والوهن والعجز والكبر، فماذا فعلنا وفعل الوطن وحكام الوطن لأمثال هؤلاء وهم اليوم بمئات الآلاف حتى يشعروا بدفء حضن هذا الوطن؟

الوطن الذي لا يحمي أبناءه من الجوع والمرض والخصاصة لا حقّ له في مطالبتهم بالاعتراف بجميله عليهم…والوطن الذي لا يمسح دموع أبنائه ليس وطنا يهتف باسمه ويرفع رايته عاليا…الوطن هو الأم التي ترضع أطفالها في الصغر وتحميهم من الجوع عند الكبر… وهنا وجب أن أسأل ماذا فعلنا حقّا حتى لا يتكرّر هذا المشهد الموجع أمامنا يوميا؟ لا شيء…ولنعترف أن أحقادنا ألهتنا عن رسالتنا الحقيقية…وأن عشقنا للثأر ممن حكموا قبلنا فاق عشقنا لخدمة هذا الشعب المسكين…وأن بعض من هم حولنا حوّلوا وجهتنا إلى ما لا ينفع البلاد والعباد وملؤوا صدورنا حقدا على بعض شعبنا ممن نختلف معهم…وأن رغبتنا في ضرب خصومنا انستنا واجبنا مع هذا الشعب، كل هذا الشعب حتى من لم يخترنا ومن لم يقبل بنا حكاما عليه…فالحاكم هو يد الوطن التي تخفّف من أوجاع مواطنيه، كل مواطنيه حتى من يعارضه ومن لا يقبل به حاكما… فإن لم يكن كذلك فما الفائدة منه…

أضيف لأسأل هل من صالح هذا الوطن أن يتضاعف عدد فقرائه وجياعه؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن يتألم بعض شعبه ولا أحد يهتمّ لحاله ولا أحد يواسيه؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن يقع اذلال بعض الناس وتجويعهم وتركهم لمصيرهم فقط لأنهم يعارضونه ولا يعارضون الوطن؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن يبكي مواطن من قلّة ذات اليد ويتحوّل إلى خارج عن القانون؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن ترتفع أصوات الشعب لتقارن بين حكام الأمس وحكام اليوم؟

علينا أولا أن نعترف أن وجود الفقر والفساد والسرقة واستغلال المنصب والظلم والتهميش والتمييز والتفرقة والحرمان للمواطنين في هذا الوطن، حقيقة واضحة للجميع وضاربة في القدم سواء كان ذلك بالأمس أو اليوم أو حتى غدا، وأن القضاء على كل هذه الأوجاع ليس بالبساطة التي يتصورها حكامنا اليوم…فالقضاء عليها يجب أن يكون مرتبطا بما ننجزه وما نقدّمه لشعبنا…فلا يمكن أن نكتفي بمحاربة بعض خصومنا ومعارضينا بحجة الفساد والتآمر والاحتكار، دون أن نوفّر كل مقوّمات العيش الكريم للشعب. فالفقر هو اشرس المعارضين للحكام وانتشار الفقر وتوسع رقعته أخطر على الحكام من كل معارضيه…والظلم هو أيضا أخطر المعارضين لكل الحكام فالحاكم الظالم لا يعمّر طويلا على كرسي الحكم حتى وإن كثر حوله الاتباع والأنصار…والتهميش هو أيضا أحد أكبر المعارضين لكل سلطة حاكمة…فالشعب لن يسعد طويلا بمقاومة الفساد أو بضرب الخصوم والمعارضين وهو يتضوّر جوعا…ولن يصبر كثيرا وطويلا على الظلم والتهميش…”ضرب الخصوم” ومحاربة الفساد وأوجاع البلاد لن ينسينا العاطلين عن العمل منذ عقود…ولن ينسينا أمراضنا التي لم نجد لها الدواء في الصيدليات…ولن ينسينا نقص مخزون البلاد من المواد الأساسية…ولن ينسينا الظلم الذي انتظرنا طويلا ليرفع عن بعضنا…

تعيش البلاد اليوم أخطر مراحل تاريخها…فمواقع التواصل الاجتماعي استحوذت على  دور الإعلام واستوطنت أراضيه، وأغرقت البلاد في إعلام بديل لا هدف له غير خلق الفتنة وهتك أعراض الناس واتهام البعض الآخر بما ليس فيه وكسب ودّ الحاكم لنيل رضاه وقطعة من كعكة الحكم، وتمريغ هيبة الدولة في التراب من خلال نشر وثائق ما كان لها أن تنشر ابدا للعامة…فنشر الآلاف من وثائق مؤسسات الدولة السرية هو اكبر جريمة تعيشها البلاد اليوم وهو اكبر جريمة ترتكب في حقّ هيبتها…فهذه الدولة تبحث اليوم عن التقاط بقايا أنفاسها للخروج مما هي فيه… ولن يكون ذلك متاحا بهذا الإعلام الهدّام والمتصابي…

الإعلام بهذا الشكل وهذه الطريقة يصبح سلاحا خطيرا جدا، ولهذا على من يريد التعامل مع وسائل الإعلام البديل والمتمثّل في مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون على دراية بخطورة هذا السلاح على نفسه قبل أن يكون خطرا على غيره، سواء كانوا خصومه او من يحاربهم من فاسدين ومحتكرين وغيرهم ممن أفسدوا في الأرض… وعليه أن يتحلى بالوعي الكافي وبفنون التعامل مع مثل هذه الوسائل التي أصبحت في متناول الجميع دون استثناء، وتزداد خطورة ما يُنشر في هذه المواقع حين يكون من لدن أنصار واتباع الحاكم في مثل هذه الفترة والظروف الراهنة وصعوبة الأوضاع في الوطن…

ما يقع اليوم على ساحة وغَى مواقع التواصل الاجتماعي لا يخدم الدولة ولا من يحكمون هذه الدولة…فالدولة وحكامها ليسوا في حاجة لمثل ما ينشر اليوم على هذه المواقع لدعم وتقوية سلطتهم وإقناع ناخبيهم بأنهم جاؤوا لإنجاز ما وعدوا به…وليسوا في حاجة لمن يخبرهم بمن يكون الفاسد والعميل والمتآمر فهم أدرى بذلك من أنصارهم وأتباعهم…فما ينشر اليوم يظهر وكأن حكام اليوم وعدوا فقط في برنامجهم الانتخابي بالتخلّص من الخصوم وضرب كل مؤسسات الدولة التي بنيت قبل جلوسهم على كراسي الحكم، ولم يعِدوا بإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومما وصلت إليه من وهن وضعف وانحدار…

لا أظن أن السلطة الحالية في حاجة إلى مثل هذا الإعلام لدعم سلطتها … فهذا الإعلام بما ينشره يسيء إليها ويظهرها في صورة الشامت والباحث عن الانتقام والثأر من خصومها لإبعادهم وقطع الطريق أمامهم… الإساءة والتجريح للأشخاص بسبب اختلاف الرأي مرفوض ولا يخدم السلطة الحالية في ما تريد تحقيقه لهذا الشعب، فما ينشر اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي لا يستثني أحدا من الاتهام بالفساد والتآمر والعمالة، وكأن كل سكان هذه البلاد قطاع طرق وفاسدون ومتآمرون وعملاء لغيرهم…

الشعب اليوم يريد وطنا لكافة المواطنين …وطنا يحمي كافة المواطنين ويتعامل معهم من خلال المواطنة، ويطبق العدالة والحرية والمساواة بين الجميع، وطنا لا يخاف المواطن فيه من التعبير عن رأيه وإن اختلف عن رأي حاكمه، وطنا لا يشتم المواطن فيه ويقذف بالحجر فقط لأنه أنتقد السلطة، وطنا لا يشيطن فيه المئات من النشطاء والحقوقيين وتشوه سمعتهم في وسائل الاعلام، ذنبهم فقط المطالبة بالعدالة والإصلاح وحرية التعبير…وطنا يعاقب ويجرّم كل من يسيء للآخرين ويهتك عرضهم ويتهمهم بما ليس فيهم فقط لأنه يختلف معهم وعنهم…فكم من مواطن اتهم ظلما…ولا أحد رفع عنه المظلمة…وكم من مواطن هتك عرضه ظلما ولم يعتذر منه أحد…

الشعب اليوم لا حاجة له بمعرفة من تمّ إيقافه…أو من كشف فساده…أو من وقع تحجير السفر عنه…فكل هذه من شؤون الأمن والقضاء ولا موجب أن يعلم بها المواطن …الشعب اليوم في حاجة لمن يخفّف عنه وجع الجوع…والفقر…والخصاصة…والعجز والمرض…ويأس الأبناء من العاطلين عن العمل…الشعب اليوم في حاجة الى أن يضحك…أن يفرح…أن يصرخ بأعلى صوته ويغني …فرحا …

كل أخبارنا اليوم سوداء سواد ما في صدورنا من أحقاد…وكل مواقع التواصل الاجتماعي اليوم أصبحت أفلام رعب وقتل ودمار واسالة دماء الأبرياء بهتك أعراضهم…فكل يوم تهتك أعراض أناس لا علم لهم بما يشاع عنهم…وكل ليلة يذبح البعض من الوريد إلى الوريد دون ذنب ارتكبوه فقط لأنهم ليسوا من أتباع الحاكم ويعارضون السلطة…فبالأمس كان بعضنا يكفّر من يخالفهم الرأي …واليوم يهتك عرض كل من يخالفهم الرأي ولا يتبع خطاهم…والأغرب من كل هذا خروج بعضهم وبعضهن ليفاخروا بما أنجزوه وكم من مواطن ذبحوه من الوريد إلى الوريد …فقط لأنه ليس منهم ويخالفهم الرأي…

ختاما أقول…تعالوا معا نتخلّص من “دراكولا” الذي يسكننا …فأيام بعضنا أصبحت رعبا…ولياليهم دماء وهتك أعراض فقط لأن رأيهم غير رأينا وراي البقية…تعالوا فنحن أبناء وطن واحد، وإن اختلفنا… وطن يتسع للجميع، وأسمه يؤنس الجميع، وطن نحبه ونعشقه وندافع عن ترابه…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

التقصي عن أمراض السكري وضغط الدم… وليس عن أعوان التلفزة!

نشرت

في

محمد الزمزاري:

انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.

الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.

طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.

وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.

أكمل القراءة

صن نار