تابعنا على

جور نار

تعالوا نتخلّص من “دراكولا” الذي يسكننا !

نشرت

في

La haine, une puissante source de haines | L'Humanité

كنت شاهدا على حالتين موجعتين الأولى حين كنت واقفا في صفّ انتظار داخل صيدلية والثانية عند بائع خضروات…أما الأولى فقد لفت انتباهي من كان أمامي في الصفّ بإحدى الصيدليات… المسكين، حين عرف ما عليه دفعه ثمنا لقائمة الأدوية التي جاء بها من الطبيب، اضطرّ إلى حذف وإلغاء أكثر من نصف القائمة بسبب عدم توفر كامل المبلغ المطلوب لديه… والأغرب هو أن الصيدلاني لم يهتمّ لأمر المسكين وكان سيناوله بمقدار ما توفّر لديه من مال، فقط لو لم يتدخّل البعض لدفع بقية المعلوم الذي كان المسكين مطالبا به لشراء أدوية الوصفة…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

الحالة الثانية كانت عند بائع الخضروات فإحدى المواطنات طلبت من البائع حبتين من البطاطا صغيرة الحجم، وحبتين من الطماطم، وحبة بصل متوسطة الحجم، وحبتين من البرتقال من الحجم الصغير وسلمته ما كان عندها من مال مقابل ما طلبته، ورغم ذلك أعادت للبائع حبة برتقال لأن مالها لا يكفي…أسأل هل من حقّنا أن نطالب هؤلاء بحبّ وعشق هذا الوطن وهذه الأرض؟ هل من حقّنا ان نطالبهم بالهتاف باسم هذا الوطن وحكام هذا الوطن؟ لا أظنّ انه من حقّنا ذلك ولا من حقّ أي حاكم ممن حكموا ويحكمون الوطن أن يطالبوا أمثال هؤلاء بالاعتراف بجميل هذا الوطن، فلا جميل لوطن على مواطن يعجز عن توفير ثمن قوته ودوائه حين يصاب بالمرض والوهن والعجز والكبر، فماذا فعلنا وفعل الوطن وحكام الوطن لأمثال هؤلاء وهم اليوم بمئات الآلاف حتى يشعروا بدفء حضن هذا الوطن؟

الوطن الذي لا يحمي أبناءه من الجوع والمرض والخصاصة لا حقّ له في مطالبتهم بالاعتراف بجميله عليهم…والوطن الذي لا يمسح دموع أبنائه ليس وطنا يهتف باسمه ويرفع رايته عاليا…الوطن هو الأم التي ترضع أطفالها في الصغر وتحميهم من الجوع عند الكبر… وهنا وجب أن أسأل ماذا فعلنا حقّا حتى لا يتكرّر هذا المشهد الموجع أمامنا يوميا؟ لا شيء…ولنعترف أن أحقادنا ألهتنا عن رسالتنا الحقيقية…وأن عشقنا للثأر ممن حكموا قبلنا فاق عشقنا لخدمة هذا الشعب المسكين…وأن بعض من هم حولنا حوّلوا وجهتنا إلى ما لا ينفع البلاد والعباد وملؤوا صدورنا حقدا على بعض شعبنا ممن نختلف معهم…وأن رغبتنا في ضرب خصومنا انستنا واجبنا مع هذا الشعب، كل هذا الشعب حتى من لم يخترنا ومن لم يقبل بنا حكاما عليه…فالحاكم هو يد الوطن التي تخفّف من أوجاع مواطنيه، كل مواطنيه حتى من يعارضه ومن لا يقبل به حاكما… فإن لم يكن كذلك فما الفائدة منه…

أضيف لأسأل هل من صالح هذا الوطن أن يتضاعف عدد فقرائه وجياعه؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن يتألم بعض شعبه ولا أحد يهتمّ لحاله ولا أحد يواسيه؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن يقع اذلال بعض الناس وتجويعهم وتركهم لمصيرهم فقط لأنهم يعارضونه ولا يعارضون الوطن؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن يبكي مواطن من قلّة ذات اليد ويتحوّل إلى خارج عن القانون؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن ترتفع أصوات الشعب لتقارن بين حكام الأمس وحكام اليوم؟

علينا أولا أن نعترف أن وجود الفقر والفساد والسرقة واستغلال المنصب والظلم والتهميش والتمييز والتفرقة والحرمان للمواطنين في هذا الوطن، حقيقة واضحة للجميع وضاربة في القدم سواء كان ذلك بالأمس أو اليوم أو حتى غدا، وأن القضاء على كل هذه الأوجاع ليس بالبساطة التي يتصورها حكامنا اليوم…فالقضاء عليها يجب أن يكون مرتبطا بما ننجزه وما نقدّمه لشعبنا…فلا يمكن أن نكتفي بمحاربة بعض خصومنا ومعارضينا بحجة الفساد والتآمر والاحتكار، دون أن نوفّر كل مقوّمات العيش الكريم للشعب. فالفقر هو اشرس المعارضين للحكام وانتشار الفقر وتوسع رقعته أخطر على الحكام من كل معارضيه…والظلم هو أيضا أخطر المعارضين لكل الحكام فالحاكم الظالم لا يعمّر طويلا على كرسي الحكم حتى وإن كثر حوله الاتباع والأنصار…والتهميش هو أيضا أحد أكبر المعارضين لكل سلطة حاكمة…فالشعب لن يسعد طويلا بمقاومة الفساد أو بضرب الخصوم والمعارضين وهو يتضوّر جوعا…ولن يصبر كثيرا وطويلا على الظلم والتهميش…”ضرب الخصوم” ومحاربة الفساد وأوجاع البلاد لن ينسينا العاطلين عن العمل منذ عقود…ولن ينسينا أمراضنا التي لم نجد لها الدواء في الصيدليات…ولن ينسينا نقص مخزون البلاد من المواد الأساسية…ولن ينسينا الظلم الذي انتظرنا طويلا ليرفع عن بعضنا…

تعيش البلاد اليوم أخطر مراحل تاريخها…فمواقع التواصل الاجتماعي استحوذت على  دور الإعلام واستوطنت أراضيه، وأغرقت البلاد في إعلام بديل لا هدف له غير خلق الفتنة وهتك أعراض الناس واتهام البعض الآخر بما ليس فيه وكسب ودّ الحاكم لنيل رضاه وقطعة من كعكة الحكم، وتمريغ هيبة الدولة في التراب من خلال نشر وثائق ما كان لها أن تنشر ابدا للعامة…فنشر الآلاف من وثائق مؤسسات الدولة السرية هو اكبر جريمة تعيشها البلاد اليوم وهو اكبر جريمة ترتكب في حقّ هيبتها…فهذه الدولة تبحث اليوم عن التقاط بقايا أنفاسها للخروج مما هي فيه… ولن يكون ذلك متاحا بهذا الإعلام الهدّام والمتصابي…

الإعلام بهذا الشكل وهذه الطريقة يصبح سلاحا خطيرا جدا، ولهذا على من يريد التعامل مع وسائل الإعلام البديل والمتمثّل في مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون على دراية بخطورة هذا السلاح على نفسه قبل أن يكون خطرا على غيره، سواء كانوا خصومه او من يحاربهم من فاسدين ومحتكرين وغيرهم ممن أفسدوا في الأرض… وعليه أن يتحلى بالوعي الكافي وبفنون التعامل مع مثل هذه الوسائل التي أصبحت في متناول الجميع دون استثناء، وتزداد خطورة ما يُنشر في هذه المواقع حين يكون من لدن أنصار واتباع الحاكم في مثل هذه الفترة والظروف الراهنة وصعوبة الأوضاع في الوطن…

ما يقع اليوم على ساحة وغَى مواقع التواصل الاجتماعي لا يخدم الدولة ولا من يحكمون هذه الدولة…فالدولة وحكامها ليسوا في حاجة لمثل ما ينشر اليوم على هذه المواقع لدعم وتقوية سلطتهم وإقناع ناخبيهم بأنهم جاؤوا لإنجاز ما وعدوا به…وليسوا في حاجة لمن يخبرهم بمن يكون الفاسد والعميل والمتآمر فهم أدرى بذلك من أنصارهم وأتباعهم…فما ينشر اليوم يظهر وكأن حكام اليوم وعدوا فقط في برنامجهم الانتخابي بالتخلّص من الخصوم وضرب كل مؤسسات الدولة التي بنيت قبل جلوسهم على كراسي الحكم، ولم يعِدوا بإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومما وصلت إليه من وهن وضعف وانحدار…

لا أظن أن السلطة الحالية في حاجة إلى مثل هذا الإعلام لدعم سلطتها … فهذا الإعلام بما ينشره يسيء إليها ويظهرها في صورة الشامت والباحث عن الانتقام والثأر من خصومها لإبعادهم وقطع الطريق أمامهم… الإساءة والتجريح للأشخاص بسبب اختلاف الرأي مرفوض ولا يخدم السلطة الحالية في ما تريد تحقيقه لهذا الشعب، فما ينشر اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي لا يستثني أحدا من الاتهام بالفساد والتآمر والعمالة، وكأن كل سكان هذه البلاد قطاع طرق وفاسدون ومتآمرون وعملاء لغيرهم…

الشعب اليوم يريد وطنا لكافة المواطنين …وطنا يحمي كافة المواطنين ويتعامل معهم من خلال المواطنة، ويطبق العدالة والحرية والمساواة بين الجميع، وطنا لا يخاف المواطن فيه من التعبير عن رأيه وإن اختلف عن رأي حاكمه، وطنا لا يشتم المواطن فيه ويقذف بالحجر فقط لأنه أنتقد السلطة، وطنا لا يشيطن فيه المئات من النشطاء والحقوقيين وتشوه سمعتهم في وسائل الاعلام، ذنبهم فقط المطالبة بالعدالة والإصلاح وحرية التعبير…وطنا يعاقب ويجرّم كل من يسيء للآخرين ويهتك عرضهم ويتهمهم بما ليس فيهم فقط لأنه يختلف معهم وعنهم…فكم من مواطن اتهم ظلما…ولا أحد رفع عنه المظلمة…وكم من مواطن هتك عرضه ظلما ولم يعتذر منه أحد…

الشعب اليوم لا حاجة له بمعرفة من تمّ إيقافه…أو من كشف فساده…أو من وقع تحجير السفر عنه…فكل هذه من شؤون الأمن والقضاء ولا موجب أن يعلم بها المواطن …الشعب اليوم في حاجة لمن يخفّف عنه وجع الجوع…والفقر…والخصاصة…والعجز والمرض…ويأس الأبناء من العاطلين عن العمل…الشعب اليوم في حاجة الى أن يضحك…أن يفرح…أن يصرخ بأعلى صوته ويغني …فرحا …

كل أخبارنا اليوم سوداء سواد ما في صدورنا من أحقاد…وكل مواقع التواصل الاجتماعي اليوم أصبحت أفلام رعب وقتل ودمار واسالة دماء الأبرياء بهتك أعراضهم…فكل يوم تهتك أعراض أناس لا علم لهم بما يشاع عنهم…وكل ليلة يذبح البعض من الوريد إلى الوريد دون ذنب ارتكبوه فقط لأنهم ليسوا من أتباع الحاكم ويعارضون السلطة…فبالأمس كان بعضنا يكفّر من يخالفهم الرأي …واليوم يهتك عرض كل من يخالفهم الرأي ولا يتبع خطاهم…والأغرب من كل هذا خروج بعضهم وبعضهن ليفاخروا بما أنجزوه وكم من مواطن ذبحوه من الوريد إلى الوريد …فقط لأنه ليس منهم ويخالفهم الرأي…

ختاما أقول…تعالوا معا نتخلّص من “دراكولا” الذي يسكننا …فأيام بعضنا أصبحت رعبا…ولياليهم دماء وهتك أعراض فقط لأن رأيهم غير رأينا وراي البقية…تعالوا فنحن أبناء وطن واحد، وإن اختلفنا… وطن يتسع للجميع، وأسمه يؤنس الجميع، وطن نحبه ونعشقه وندافع عن ترابه…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

آفة المخدرات بتونس: التاريخ… التوسع… الحلول

نشرت

في

محمد الزمزاري:

التاريخ:

ترسخ وجود المخدرات منذ القرن السابع عشر وربما قبل ذلك بقليل وسجل مزيدا من التطور أيام الدولة الحسينية بأماكن عديدة من تونس والمغرب العربي في ظل تخلف حكم البايات الذي كان اهتمامه الأكبر بالجباية و محق كل قرية او قبيلة ترفض دفع الضريبة السنوية.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

وقد جند البايات لذلك فرقا وقيادات دموية متوحشة. من ذلك تم تدمير بلدتين كاملتين بالجنوب التونسي رفض أو عجز أهلها عن دفع الضرائب المسلطة (طرة و جمنة من ولاية قبلي التي كانت تابعة إلى عمالة توزر)… في نفس الفترة ازدهر المجون لدى الطبقات الأرستوقراطية بالبلاد كما انتشرت زراعة “التكروري” في عديد الجهات وسط مزارع الطماطم والفلفل والتبغ… ولم يكن ذلك ممنوعا بل انه بداية من احتلال تونس سنة 1881 شجع المستعمر تداول واستهلاك التكروري في جميع الجهات بالبلاد وربما اهمها مناطق الوطن القبلي وبنزرت والجنوب التونسي، لكن الإدمان على”الزطلة” او الحبوب المخدرة او الماريخوانا او غيرها لم تصل إلى تونس وقتها …

موقف بورقيبة من المخدرات:

خلال سنة 1957 اي في بدايات الاستقلال اقترح بورقيبة وضع او تغيير تشريعات بخصوص استهلاك المخدرات وخاصة “التكروري” وهدد بالسجن لمدة خمس سنوات كاملة كل مروّج او مستهلك للتكروري إيمانا منه باضرار المخدرات على الاجيال التي ستصنع تونس. وقام بورقيبة بمبادرة ناجعة للقضاء او على الاقل للتقليص من زراعة التكروري او ترويجه او استهلاكه، عبر تكوين فرق جهوية ومركزية تجمع اطارات ومتفقدين من وزارة المالية و الداخلية (حرس وطني خاصة) وتقوم هذه الفرق بتفقدات وأبحاث فجئية للبساتين وحقول الزراعات الكبرى لاصطياد المخالفين ورغم ان آفة التكروري عندها لم تنقطع، فإن الخوف من العقاب المتعلق باستهلاك او زراعة التكروري قد عم البلاد رغم التجاء البعض الي زراعة المخدرات المذكورة بالابار والسطوح والجبال.

ماذا عن عهد بن علي؟

عرفت فترة حكم بن على عودة قوية لانتشار المخدرات و شهدت البلاد نقلة نوعية متمثلة في ولادة عصابات منظمة داخليا و خارجيا بالتعاون الوثيق مع المافيا الإيطالية. ولعل مقتل منصف شقيق بن علي كان في إطار ما نسب لصراع العصابات العالمية لدى البعض فيما يعتبره آخرون تصفية داخل هذه المافيات. ازدهرت المخدرات وتفاقم انتشارها و برزت عصابات منظمة للتهريب و الترويج و توسعت بؤر البيع عبر أنحاء البلاد الا انها تبقى محدودة مقارنة مع الوضع الذي وصلت فيه بعد ثورة 2011.

بعد بن علي:

خلال أيام الانتفاضة سنة 2011 سادت حالة الفوضى العارمة التي عمت البلاد و فتحت الحدود البرية والبحرية على مصراعيها أمام المهربين من كل الأصناف من استجلاب المخدرات إلى ترويجها بكل المدن و دخول كميات كبيرة من الأسلحة التركية من بندقيات الصيد التي تباع بصور شبه علنية بمئات الدنانير وبعض انواع المسدسات (بيريتا) رغم الجهود اللاحقة من المصالح الأمنية و الديوانية…. وشهدت أشهر ما بعد الانتفاضة عمليات ممنهجة لترويج السموم في كل مكان من البلاد في ظل ضعف السلطة التنفيذية و السياسية خاصة…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 85

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:
حتّى اختتم الحديث عن دورتنا التكوينية في الراي اونو والتي كانت على امتداد شهرين، عليّ ان ادوّن هذه الملاحظات التي بقيت عالقة في خانة الذكريات ..

عبد الكريم قطاطة

كلنا نعرف ان السفر مع فرد او مجموعة عنصر هام لمعرفة ذلك الشخص او تلك المجموعة معرفة عميقة .. وسفرة ايطاليا لم تخرج عن هذا الاطار ..اكتشفنا مثلا (القرناط) الذي يستخسر في نفسه شراء قهوة، في بلد اشتهر بمتعة قهوته… اكتشفنا اناسا غاية في الضمار الجميل، وكنا نحسبهم غاية في المساطة… اكتشفنا ميولاتنا الى السهرات بكلّ الالوان من حيث مشروباتنا، ومن حيث ميولاتنا لمشاهدة نوعية اخرى من البرامج الايطالية في القنوات الخاصة والتي لا يصلنا بثها الى تونس… وانا ما نقلّكم وانتوما ما يخفاكم (كولبو غروسّو ـ الضربة الكبيرة) مثال من تلك البرامج التي هي في شكل مسابقات والعاب حيث يتنافس فيها رجل وامراة للاجابة عن بعض المسابقات وبعد كلّ سؤال يقوم الخاسر بنزع قطعة من ثيابه… ستريبتيز، ما تمشيوش لبعيد .. ينتهي خلع الملابس وقت نوصلو لهاكي الاشياء …

روما ايضا هي عاصمة الاناقة في اللباس .. تقف امام واجهة متجر لبيع الملابس للرجال وللنساء ..تقف ساعات مشدوها بجمالها وفيانتها ومصدوما باسعارها … وتكتفي بالعشق ..نعم وقفت مرة امام متجر واعجبت بكوستيم (بدلة) ايّما اعجاب ..وغادرت ..وأعدت زيارة نفس المتجر مرات ومرات ولم اشتر البدلة ..الذي يعرفني يعرف اني من النوع الترتاق الفلاق في الفلوس ..ولكن كان كلّ همّي ان اخصص مدخراتي المالية لعائلتي ..وفي الاخير اشتريت ما شاء الله من ادباش وهدايا لعائلتي واكتفيت بقميص لي .. فقط فقط فقط …

وعدنا الى تونس بعد انقضاء فترة التدرب التكويني .. وان انسى فانني لن انسى ما حدث لي عند وصولي الى مقرّ سكناي بصفاقس ..ولدي انذاك كان عمره سنة ونصف ..نظر اليّ نظرة باهتة لا روح فيها ..ثمّ وبعد ثوان ارتمى بين احضاني دون ايّة اشارة من ايّ طرف من العائلة ..سعادة مثل هذه المواقف تدّخر منها فرحا طفوليا من الابن ومن والده ما يكفي لسنوات من الازمنة العجاف …نعم من مثل هذه الاحداث يستمد الواحد منّا طاقة لا تفنى في مواجهته لمصاعب ومصائب الزمن .. يكفي ان يتذكّر طفلا له يرتمي في احضان ابيه بتلك السعادة والفرح حتى يقول (وان تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها)…

سنة 1988 عشت فيها اذاعيا محطات لا يمكن ان انساها ..اوّلها التفكير ثم الانجاز لمشروع اسميته انذاك في احد برامجي (من اجل عيون الطفولة) ..والذي اردته تفكيرا منّي وانجازا من المستمعين في شكل بعث مكتبات خاصة بالاطفال المقيمين بالمستشفيات الجامعية… لنخفّف من احزانهم ووحشتهم ولنعوّدهم على مقولة (الكتاب خير جليس وخير انيس) ..قمت بدعوة المستعمين للقيام بحملة تجميع الف كتاب او مجلة لكلّ مكتبة وكان التآلف عجيبا مع هؤلاء المستمعين… ولم تمض 3 اشهر حتى ارسينا اوّل مكتبة بقسم الاطفال بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس ..وتواصل المشروع مع مستشفيات اخرى ..

كنت وما زلت مؤمنا بانّ التونسي عندما تكلّم فيه لغة العقل والقلب يستجيب ..وهذا عامل من عوامل تفاؤلي الدائم بتونس والتونسيين ..اعرف انّ تونس دخلت مرحلة سوداء في العلاقات المجتمعية والعائلية منذ 2011 ..ولكن ثقتي لا حدود لها في انّ معدن الانسان الاصيل مهما مرّغوا انفه في مخططاتهم (ونجحوا ايما نجاح في ذلك ) لا بدّ ان يعود الدرّ الى صدفته .. فالذهب قد يعلوه الغبار ولكن ابدا ان يصدأ …في نفس السنة فكّرت ادارة اذاعة صفاقس في تخصيص مساحة اسبوعية للشباب حيث ينتقل فريق اذاعي الى مناطق عديدة من الجنوب التونسي لربط مباشر مع الاستوديو الذي كنت اشرف عليها تنشيطا… هدف البرنامج اعطاء الفرص وعلى امتداد 3 ساعات للشباب ليعبروا عن مشاغلهم بكلّ حرية وبعيدا عن ايّة رقابة ..ايّة رقابة … وهذه التجربة كانت منطلقا لبعث اذاعة الشباب في اذاعة صفاقس سنة 88 وساعود للحديث عنها ..

في اكتوبر سنة 88 قامت الاذاعة التونسية بتجربة جديدة في البث الاذاعي اسمتها (فجر حتى مطلع الفجر)… وكما يدلّ العنوان هو برنامج مباشر ينطلق في منتصف الليل ويتواصل حتى الخامسة صباحا… وهو برنامج يومي ويُبث بشكل مشترك بين الاذاعة الوطنية واذاعة صفاقس واذاعة المنستير ..ينشطّه من الاذاعة الوطنية مجموعة من الزملاء ونصيبهم في ذلك 5 ايام في الاسبوع… بينما بقيّة فتات الاسبوع تتقاسمه اذاعة صفاقس واذاعة المنستير حصّة واحدة في الاسبوع …وشكرا على هذه الصدقة ..والله لا يضيع اجر المحسنين ..

كنت انا من عُينت لتنشيط تلك الحصة اسبوعيا ممثلا لاذاعة صفاقس … وللامانة كانت مناسبة متميّزة لمستمعي الاذاعة الوطنية ونظرا إلى انّ بثّ اذاعتنا لا يصل لبعض مناطق البلاد حتى يكتشفوا اصواتا اخرى والوانا اخرى واجواء اخرى… وهنا اتقدّم بالرحمة على روح الزميل الحبيب اللمسي الذي كان رابطنا الهاتفي مع المستمعين المتدخلين في ذلك البرنامج من غرفة الهاتف للاذاعة الوطنية… وسي الحبيب كان ممن يسمونه حاليا (فان) لعبدالكريم…

في اكتوبر 88 حدثان هامان عشتهما في مسيرتي الاذاعية… اولها الاعتراف بديبلومي الذي نلته من المعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس سنة 1979 .. اي نعم بعد 9 سنوات من الاهمال والظلم… والفضل في هذا يعود للمرحوم صلاح معاوية الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة ….علم بالاشكال الحاصل بيني وبين الادارات والمسؤولين الذين سبقوه، فدعاني لمكتبه ودعا مدير التلفزة انذاك الزميل مختار الرصاع والكاتب العام للمؤسسة، وطلب منهما وفي اقرب وقت رفع المظلمة التي تعرضت لها ..وفعلا وفي ظرف اسبوع قام بانهاء تلك الوضعية التي طالت وبكلّ جور ..

الحدث الثاني وقع بعد زيارة المرحوم معاوية لاذاعة صفاقس للاطلاع على حاضرها وآفاق تطويرها … يومها التقيته في كواليس الاذاعة وكان صحبة زميلي رشيد الفازع الذي انتمى في بداية السبعينات الى نفس دفعتي عندما قامت بتكويننا لتدعيم التلفزة التونسية باطارات جديدة كلّ في اختصاصه ..رحّب بي المرحوم صلاح الدين معاويو وهمس لي: ايّا اش قولك تشدلي انتي اذاعة الشباب ؟؟ ..واذاعة الشباب هذه انطلقت في اذاعة صفاقس منذ 1988 وهي عبارة عن فترة زمنية بساعتين من السابعة الى التاسعة مساء… فوجئت صدقا بالمقترح ..وعرفت في ما بعد انّ المرحوم صلاح الدين معاوي كان ومنذ بداية الثمانينات متابعا لاخباري بحلوها ومرّها في اذاعة صفاقس ..

اعيد القول اني فوجئت بالمقترح ..بل لم يستهوني ..وهاكم الاسباب ..انا منذ دخولي لمصدح اذاعة صفاقس كان لي مخطط لمستقبلي المهني ..هذا كان مخطّطي: 10 سنوات اذاعة …10 سنوات تلفزة … وبقية العمر ان طال العمر للسينما …. و(اللي يحسب وحدو يفضلّو) لان الانسان في كلّ حالاته ..في طفولته .. في شبابه .. في كهولته .. في شيخوخته ..وفي كلّ قرارات حياته منذ الولادة الى المغادرة لا تخطيط له ..نعم هنالك “اجندا الهية” نخضع اليها جميعا .. قد تاخذنا نرجسيتنا وثويريتنا لنقول: سافعل .. سافعل .. سافعل ..ولكن وعند الوصول الى سنّ الحكمة سنكتشف اننا جميعا خاضعون للاجندا الالهية … انا كنت وسابقى دائما من المؤمنين بالارادة والطموح والفعل …وهذا لا يتنافى مع ما قلته بل هو متناسق مع (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ..

اعود للعرض المقترح من السيد صلاح الدين معاوي وكان ردّي الفوري: تي انا نخمم نوقّف العمل متاعي في الاذاعة لانتقل للعمل كمخرج في التلفزة وانت تقللي اذاعة الشباب ؟؟ وفعلا انا منذ سنة 88 قررت التحضير لمغادرة المصدح ولكن على مراحل اوّلها ردم كوكتيل من البريد الى الاثير واعلان وفاته .. بالمناسبة، عندما سمع المرحوم صالح جغام بنيّتي في ايقاف الكوكتيل (قطّع شعرو) كما تعرفونه رحمه الله عندما يغضب ..طلبني هاتفيا وقال لي: يا خويا عبدالكريم يخخي هبلت توقف الكوكتيل ؟؟ برنامجك ضارب ودائما الاول في الاستفتاءات السنوية .. اش قام عليك ؟؟ ضحكت وقلت له يا صالح ستعرف يوما الاسباب وبعدها نحكيو…

انذاك فكرت في ايقاف الكوكتيل وفعلت ..الكوكتيل اصبح في اذهان المستمعين اسطورة ..وانا من موقعي الفكري كنت دوما ضدّ الاساطير … اذن عليّ ان اكون متناسقا مع نفسي واوقف الاسطورة ..نعم ربما بقساوة على نفسي وعلى المستمعين اوقفت الكوكتيل ..وتلك هي المرحلة الاولى ..وفي المرحلة الثانية التجات للتعويض .. عوضته في مرحلة اولى ببرنامج مساء السبت ثم باصدقاء الليل …واختيار هذه المواقيت كان مقصودا ايضا ..كنت محسودا على فترة الكوكتيل من العاشرة الى منتصف النهار وكان بعض الحساد ينسبون نجاحي الى تلك الفترة الزمنية من اليوم ..لذلك ومع كوكتيل الاصيل ومع البرامج التي ذكرتها كنت اريد ان ابرهن انّ نجاح ايّ برنامج ليس مأتاه فترته الزمنية… بل اقول اكثر من ذلك، المنشط هو الذي يخلق الفترة الزمنية وليست الفترة الزمنية هي التي تخلق نجاح المنشط ..وحتى عندما اوقفت الكوكتيل وعوضته بمساء السبت كان في نيتي وبكل حزم ان انهي علاقتي بالمصدح سنة 1990 لانتقل الى مخططي وادخل في الحقبة الثانية وبدءا من 1990 في عشرية العمل التلفزي …

سمعني السيد صلاح الدين معاوي بانتباه وبتركيز شديدين وانا اعلمه بنية مغادرتي العمل الاذاعي سنة 90… وقال لي (ما اختلفناش… شدّلي اذاعة الشباب توة، وعام 90 يعمل ربّي .. هذا طلب اعتبرو من صديق موش من رئيس مدير عام) ..ابتسمت وقلت له طلبك عزيز وعلى العين والراس لكن بشرط ….في بالي فيه البركة مع الورقة 85 .. وطبعا ندّلل عليكم لاترك ماهيّة شرطي الذي وضعته، للورقة المقبلة …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!

نشرت

في

عبد القادر المقري:

فوز دونالد ترامب بعهدة ثانية (غير متصلة) في سدة البيت الأبيض يحمل معه عددا لامتناهيا من الدلالات… خاصة إذا عرفنا أن منصب الرئيس الأمريكي هو عبارة عن “واجهة” لتوازن قوى وإرادات ونوايا داخل الطبقة النافذة وأجهزتها، بأكبر قوة على الأرض حاليا.

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

قد يبدو الأمر مستغربا خاصة من وجهة بلدان كمنطقتنا حيث تتجمع كل السلطات في يد شخص واحد تسبغ عليه أجلّ الأوصاف البشرية وفوق البشرية وحتى الإلهية… وهذا طبيعي بحكم الموروث الذي تراكم لدينا على مر آلاف السنوات، وتمركزت فيه السلطة بشكل مبالغ فيه لدى أفراد حملوا مختلف الألقاب التي توحي بالعظمة والقهر والسلطان المطلق، وبات ذلك مقبولا وبديهيا لدى العامة مهما كانت قشور بعض الدمقرطة هنا وهناك… وحتى في العشرية الماضية التي يسوّق أصحابها أنها كانت قوسين ديمقراطيين وسط عصور من الاستبداد، فلقد تصرف “الديمقراطيون” بشكل لا يختلف عمن سبق وعمن لحق… ويكفي هنا التذكير بذلك “الاعتصام” الذي دفعوا إليه بأنصارهم سنة 2012 أمام مبنى التلفزة التونسية، وطالبوا خلاله بعودة الإعلام الوطني إلى تمجيد “إنجازات” الحاكم، بدل عملنا الإخباري المحايد الذي حاولنا الشروع فيه بعد جانفي 2011…

إذن أسفرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن عودة دونالد ترامب إلى الحكم مجددا كإحدى النوادر في تاريخ تلك البلاد… إذ تذكر المصادر أنه وحده رئيس قديم يدعى “كليفلاند” حكم في بداية القرن 19 فترة أولى، ثم خسر معركة التجديد، وعاد بعد ذلك إلى البيت الأبيض … أما الـ 55 رئيسا الباقون فكانوا إما يجددون وهم في مكانهم، أو يخرجون خروجا لا رجعة بعده… وهذا قد يعكس قوة شكيمة لدى شخصية ترامب المضارب العقاري الذي لا ييأس وفي جعبته صبر التجار وعنادهم الأزلي… ويترجم هذا الرجوع خاصة رغبة الـ “إستابليشمنت” الأمريكي في حسم بعض الملفات التي بقيت مفتوحة، بل مبعثرة الأوراق، في عهد العجوز المريض جو بايدن…

من هذه الملفات أو في صدارتها الحرب في أوكرانيا… هي كما وصفها عديدون حرب أوروبية أوروبية، وقد اندفعت في خوضها (بالوكالة) إدارة بايدن أولا لتأكيد زعامة الولايات المتحدة على الحلف الأطلسي… وثانيا ربما لانتماء الرئيس المتخلي إلى جيل ولد ونشأ وكبر ومارس السياسة والأعمال زمن الحرب الباردة، وخلّف ذلك لديه نفورا من السوفيات والروس وكل ما له صلة بهم… فضلا عن سبب ثالث يتم التطرق إليه بين الفينة والأخرى وهو أنشطة ابنه “هونتر” التجارية ومصالحه بأوكرانيا، فيما يتهم الروس بايدن الإبن بامتلاك مختبرات في كييف لإنتاج أسلحة كيميائية… وعلى العموم، فقد كلفت هذه الحرب الخزينة الأمريكية ما يزيد عن 174 مليار دولار على الأقل، من المساعدات العسكرية والاقتصادية … حسب آخر تصويت من الكونغرس (الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون) في شهر أفريل الماضي…

وفي هذا الباب، يقف دونالد ترامب على النقيض من بايدن… فمعروف عنه موقفه غير العدائي من روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين خاصة… بل يمكن وصف علاقة الطرفين بنوع من التفاهم إن لم يكن بالصداقة… كما أن ترامب ينتهج بعضا من نظرية “مونرو” الانكفائية خصوصا في ما يتعلق بعدم الالتزام بقضايا لا تهم المصلحة الأمريكية المباشرة… فكما قلنا، الصراع الأوكراني هو شأن أوروبي، ومكانة هذه القارة (سيما بعد أن أصبحت اتحادا) في سياسة ترامب لا تعدو كونها منطقة منافسة أكثر منها حليفا تندفع الولايات المتحدة للذود عنه والإنفاق عليه…. وهذا ما يفسر تخوف العواصم الأوروبية من مآل السباق نحو البيت الأبيض، وهي عارفة ما ينتظرها في صورة رجوع ترامب بعد أن جربته في العهدة الأولى…

وتبعا لهذا، من المنتظر رؤية عديد الالتزامات الأمريكية الخارجية تتقلص إن لم نقل تتلاشى بصفة شبه كلية… لا ننسى أن ترامب انسحب من تعهدات دولية عديدة كالتي حول المناخ مثلا، وأهم منها تهديده المستمر بالانسحاب من الحلف الأطلسي ولو جزئيا… ويستتبع ذلك كما أسلفنا انحسار “السخاء” الأمريكي في مساعدة دول هذا الحلف عسكريا وحتى اقتصاديا… دول هذا الحلف ومن ترضى عنه هذه الدول أيضا… ولعل أول من استبق هذا الانحسار، كان إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الذي سارع إلى ترميم علاقاته بدولة كالمغرب… وقد تتبع ذلك خطوات مماثلة مع دول عربية وإفريقية تجمعها علاقات “تاريخية” بفرنسا والمتروبول الأوروبي عامة (في سياسات الهجرة والتأشيرات ربما)… وقد تمثل هذه الفضاءات وأسواقها بديلا، إلى حد ما، عن الدعم الأمريكي لاقتصاد القارة العجوز… عكس ما يتوقعه اليمين الأوروبي المتطرف من قمع متزايد للهجرة، اقتداء بسياسات ترامب في بلاده من هذه الناحية…

فلسطينيا… وإن كانت سياسة واشنطن المنحازة كليا للكيان الإسرائيلي لا تختلف بين شتى الجالسين في المكتب البيضاوي، إلا أن تفاصيل صغيرة قد تتغير مع إمساك ترامب بمقاليد إدارة الصراع… وهنا يتوجب الانتباه إلى الدور الإيراني في مجريات الأحداث الأخيرة الناجمة عن هجوم 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من عدوان إسرائيلي ماحق على غزة والحنوب اللبناني… وسواء كان الطرف الثاني في مواجهة الاحتلال منظمة حماس أو تنظيم “حزب الله”، فإن هذه الفصائل تمثل باعتراف إيران نفسها، أذرع طهران في المنطقة إضافة إلى مثيلاتها في سوريا والعراق واليمن البعيد…

وإذا كانت المواجهة في عهد بايدن ظلت تكتفي بمحاربة الأذرع العربية دون المساس بالجوهر الإيراني، فإنها مع ترامب قد تغيّر مسارها ومرماها تماما… ترامب له حساب قديم مع طهران وبرنامجها النووي وليس في وارده “ملاطفة” إيران كما فعل بايدن، كما أنه قد يركز على ضرب إيران مباشرة وتهدئة الجبهة مع أذرعها… مما قد يفضي إلى تشجيع تغيير في حكومة الكيان (وقد بدأت التصدعات بعد في فريق نتنياهو) يقضي بوقف ولو تدريجي لإطلاق النار في قطاع غزة وجنوب لبنان…

يقيت نقطة أخيرة في ما يخص “كامالا هاريس” المرشحة سيئة الحظ… لقد أثبتت هذه المرأة رغم هزيمتها، شجاعة وديناميكية منقطعتي النظير… امتطت قطار الانتخابات وهو سائر لتعويض “جو بايدن” بُعيد انسحابه المفاجئ في 21 جويلية الماضي… فيما كانت الحملة الانتخابية في أوجها على مسافة 100 يوم فقط من يوم الاقتراع، وفيما كان منافسها ترامب جاهزا منذ أشهر وحملته ماضية على أشدها… فكان عليها أولا الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي ولم يكن ذلك بديهيا، ثم خوض حملة طاحنة في فترة قصيرة، ثم خاصة الرد على مثالب الخصم الشرس حول رئيسها وفترة حكمه، ثم حولها شخصيا وحول مقدار كفاءتها لاعتلاء منصب الرئيس…

ولئن تجاوزت الولايات المتحدة إرثها المثقل بالميز العنصري عند انتخاب أوباما كأول رئيس أسود ومن أصول غير بروتستانتية (ولا مسيحية حتى) سنة 2008، ولأسباب انكشف أنها جاءت وفق “كاستينغ” متلائم مع مرحلة تصعيد الإسلام السياسي لحكم البلاد العربية… فإنه لا يبدو أن ذلك سيتكرر بسهولة، خاصة أن هاريس تعترضها “عوائق” ما زالت ذات وزن في العقلية الأمريكية والغربية عامة… ورغم التطور الكبير في العقليات، إلا أنه يبدو أنه لم يحن الوقت بعد لرؤية امرأة على رأس بعض الديمقراطيات الكبرى… فقد فشلت “هيلاري كلينتون” سنة 2016 في سباق مماثل نحو الرئاسة الأمريكية، كما فشلت قبلها “سيغولين روايال” في فرنسا سنة 2007، وكلاهما بيضاوان أوروبيتان أصلا ومفصلا…

وهذا ما يضيف أسهما إلى شجاعة امرأة ذات أصول إفريقية وآسياوية، مثل كامالا هاريس…

أكمل القراءة

صن نار