جور نار

تعالوا نتخلّص من “دراكولا” الذي يسكننا !

نشرت

في

La haine, une puissante source de haines | L'Humanité

كنت شاهدا على حالتين موجعتين الأولى حين كنت واقفا في صفّ انتظار داخل صيدلية والثانية عند بائع خضروات…أما الأولى فقد لفت انتباهي من كان أمامي في الصفّ بإحدى الصيدليات… المسكين، حين عرف ما عليه دفعه ثمنا لقائمة الأدوية التي جاء بها من الطبيب، اضطرّ إلى حذف وإلغاء أكثر من نصف القائمة بسبب عدم توفر كامل المبلغ المطلوب لديه… والأغرب هو أن الصيدلاني لم يهتمّ لأمر المسكين وكان سيناوله بمقدار ما توفّر لديه من مال، فقط لو لم يتدخّل البعض لدفع بقية المعلوم الذي كان المسكين مطالبا به لشراء أدوية الوصفة…

<strong>محمد الأطرش<strong>

الحالة الثانية كانت عند بائع الخضروات فإحدى المواطنات طلبت من البائع حبتين من البطاطا صغيرة الحجم، وحبتين من الطماطم، وحبة بصل متوسطة الحجم، وحبتين من البرتقال من الحجم الصغير وسلمته ما كان عندها من مال مقابل ما طلبته، ورغم ذلك أعادت للبائع حبة برتقال لأن مالها لا يكفي…أسأل هل من حقّنا أن نطالب هؤلاء بحبّ وعشق هذا الوطن وهذه الأرض؟ هل من حقّنا ان نطالبهم بالهتاف باسم هذا الوطن وحكام هذا الوطن؟ لا أظنّ انه من حقّنا ذلك ولا من حقّ أي حاكم ممن حكموا ويحكمون الوطن أن يطالبوا أمثال هؤلاء بالاعتراف بجميل هذا الوطن، فلا جميل لوطن على مواطن يعجز عن توفير ثمن قوته ودوائه حين يصاب بالمرض والوهن والعجز والكبر، فماذا فعلنا وفعل الوطن وحكام الوطن لأمثال هؤلاء وهم اليوم بمئات الآلاف حتى يشعروا بدفء حضن هذا الوطن؟

الوطن الذي لا يحمي أبناءه من الجوع والمرض والخصاصة لا حقّ له في مطالبتهم بالاعتراف بجميله عليهم…والوطن الذي لا يمسح دموع أبنائه ليس وطنا يهتف باسمه ويرفع رايته عاليا…الوطن هو الأم التي ترضع أطفالها في الصغر وتحميهم من الجوع عند الكبر… وهنا وجب أن أسأل ماذا فعلنا حقّا حتى لا يتكرّر هذا المشهد الموجع أمامنا يوميا؟ لا شيء…ولنعترف أن أحقادنا ألهتنا عن رسالتنا الحقيقية…وأن عشقنا للثأر ممن حكموا قبلنا فاق عشقنا لخدمة هذا الشعب المسكين…وأن بعض من هم حولنا حوّلوا وجهتنا إلى ما لا ينفع البلاد والعباد وملؤوا صدورنا حقدا على بعض شعبنا ممن نختلف معهم…وأن رغبتنا في ضرب خصومنا انستنا واجبنا مع هذا الشعب، كل هذا الشعب حتى من لم يخترنا ومن لم يقبل بنا حكاما عليه…فالحاكم هو يد الوطن التي تخفّف من أوجاع مواطنيه، كل مواطنيه حتى من يعارضه ومن لا يقبل به حاكما… فإن لم يكن كذلك فما الفائدة منه…

أضيف لأسأل هل من صالح هذا الوطن أن يتضاعف عدد فقرائه وجياعه؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن يتألم بعض شعبه ولا أحد يهتمّ لحاله ولا أحد يواسيه؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن يقع اذلال بعض الناس وتجويعهم وتركهم لمصيرهم فقط لأنهم يعارضونه ولا يعارضون الوطن؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن يبكي مواطن من قلّة ذات اليد ويتحوّل إلى خارج عن القانون؟ وهل من صالح هذا الوطن وحكام هذا الوطن أن ترتفع أصوات الشعب لتقارن بين حكام الأمس وحكام اليوم؟

علينا أولا أن نعترف أن وجود الفقر والفساد والسرقة واستغلال المنصب والظلم والتهميش والتمييز والتفرقة والحرمان للمواطنين في هذا الوطن، حقيقة واضحة للجميع وضاربة في القدم سواء كان ذلك بالأمس أو اليوم أو حتى غدا، وأن القضاء على كل هذه الأوجاع ليس بالبساطة التي يتصورها حكامنا اليوم…فالقضاء عليها يجب أن يكون مرتبطا بما ننجزه وما نقدّمه لشعبنا…فلا يمكن أن نكتفي بمحاربة بعض خصومنا ومعارضينا بحجة الفساد والتآمر والاحتكار، دون أن نوفّر كل مقوّمات العيش الكريم للشعب. فالفقر هو اشرس المعارضين للحكام وانتشار الفقر وتوسع رقعته أخطر على الحكام من كل معارضيه…والظلم هو أيضا أخطر المعارضين لكل الحكام فالحاكم الظالم لا يعمّر طويلا على كرسي الحكم حتى وإن كثر حوله الاتباع والأنصار…والتهميش هو أيضا أحد أكبر المعارضين لكل سلطة حاكمة…فالشعب لن يسعد طويلا بمقاومة الفساد أو بضرب الخصوم والمعارضين وهو يتضوّر جوعا…ولن يصبر كثيرا وطويلا على الظلم والتهميش…”ضرب الخصوم” ومحاربة الفساد وأوجاع البلاد لن ينسينا العاطلين عن العمل منذ عقود…ولن ينسينا أمراضنا التي لم نجد لها الدواء في الصيدليات…ولن ينسينا نقص مخزون البلاد من المواد الأساسية…ولن ينسينا الظلم الذي انتظرنا طويلا ليرفع عن بعضنا…

تعيش البلاد اليوم أخطر مراحل تاريخها…فمواقع التواصل الاجتماعي استحوذت على  دور الإعلام واستوطنت أراضيه، وأغرقت البلاد في إعلام بديل لا هدف له غير خلق الفتنة وهتك أعراض الناس واتهام البعض الآخر بما ليس فيه وكسب ودّ الحاكم لنيل رضاه وقطعة من كعكة الحكم، وتمريغ هيبة الدولة في التراب من خلال نشر وثائق ما كان لها أن تنشر ابدا للعامة…فنشر الآلاف من وثائق مؤسسات الدولة السرية هو اكبر جريمة تعيشها البلاد اليوم وهو اكبر جريمة ترتكب في حقّ هيبتها…فهذه الدولة تبحث اليوم عن التقاط بقايا أنفاسها للخروج مما هي فيه… ولن يكون ذلك متاحا بهذا الإعلام الهدّام والمتصابي…

الإعلام بهذا الشكل وهذه الطريقة يصبح سلاحا خطيرا جدا، ولهذا على من يريد التعامل مع وسائل الإعلام البديل والمتمثّل في مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون على دراية بخطورة هذا السلاح على نفسه قبل أن يكون خطرا على غيره، سواء كانوا خصومه او من يحاربهم من فاسدين ومحتكرين وغيرهم ممن أفسدوا في الأرض… وعليه أن يتحلى بالوعي الكافي وبفنون التعامل مع مثل هذه الوسائل التي أصبحت في متناول الجميع دون استثناء، وتزداد خطورة ما يُنشر في هذه المواقع حين يكون من لدن أنصار واتباع الحاكم في مثل هذه الفترة والظروف الراهنة وصعوبة الأوضاع في الوطن…

ما يقع اليوم على ساحة وغَى مواقع التواصل الاجتماعي لا يخدم الدولة ولا من يحكمون هذه الدولة…فالدولة وحكامها ليسوا في حاجة لمثل ما ينشر اليوم على هذه المواقع لدعم وتقوية سلطتهم وإقناع ناخبيهم بأنهم جاؤوا لإنجاز ما وعدوا به…وليسوا في حاجة لمن يخبرهم بمن يكون الفاسد والعميل والمتآمر فهم أدرى بذلك من أنصارهم وأتباعهم…فما ينشر اليوم يظهر وكأن حكام اليوم وعدوا فقط في برنامجهم الانتخابي بالتخلّص من الخصوم وضرب كل مؤسسات الدولة التي بنيت قبل جلوسهم على كراسي الحكم، ولم يعِدوا بإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومما وصلت إليه من وهن وضعف وانحدار…

لا أظن أن السلطة الحالية في حاجة إلى مثل هذا الإعلام لدعم سلطتها … فهذا الإعلام بما ينشره يسيء إليها ويظهرها في صورة الشامت والباحث عن الانتقام والثأر من خصومها لإبعادهم وقطع الطريق أمامهم… الإساءة والتجريح للأشخاص بسبب اختلاف الرأي مرفوض ولا يخدم السلطة الحالية في ما تريد تحقيقه لهذا الشعب، فما ينشر اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي لا يستثني أحدا من الاتهام بالفساد والتآمر والعمالة، وكأن كل سكان هذه البلاد قطاع طرق وفاسدون ومتآمرون وعملاء لغيرهم…

الشعب اليوم يريد وطنا لكافة المواطنين …وطنا يحمي كافة المواطنين ويتعامل معهم من خلال المواطنة، ويطبق العدالة والحرية والمساواة بين الجميع، وطنا لا يخاف المواطن فيه من التعبير عن رأيه وإن اختلف عن رأي حاكمه، وطنا لا يشتم المواطن فيه ويقذف بالحجر فقط لأنه أنتقد السلطة، وطنا لا يشيطن فيه المئات من النشطاء والحقوقيين وتشوه سمعتهم في وسائل الاعلام، ذنبهم فقط المطالبة بالعدالة والإصلاح وحرية التعبير…وطنا يعاقب ويجرّم كل من يسيء للآخرين ويهتك عرضهم ويتهمهم بما ليس فيهم فقط لأنه يختلف معهم وعنهم…فكم من مواطن اتهم ظلما…ولا أحد رفع عنه المظلمة…وكم من مواطن هتك عرضه ظلما ولم يعتذر منه أحد…

الشعب اليوم لا حاجة له بمعرفة من تمّ إيقافه…أو من كشف فساده…أو من وقع تحجير السفر عنه…فكل هذه من شؤون الأمن والقضاء ولا موجب أن يعلم بها المواطن …الشعب اليوم في حاجة لمن يخفّف عنه وجع الجوع…والفقر…والخصاصة…والعجز والمرض…ويأس الأبناء من العاطلين عن العمل…الشعب اليوم في حاجة الى أن يضحك…أن يفرح…أن يصرخ بأعلى صوته ويغني …فرحا …

كل أخبارنا اليوم سوداء سواد ما في صدورنا من أحقاد…وكل مواقع التواصل الاجتماعي اليوم أصبحت أفلام رعب وقتل ودمار واسالة دماء الأبرياء بهتك أعراضهم…فكل يوم تهتك أعراض أناس لا علم لهم بما يشاع عنهم…وكل ليلة يذبح البعض من الوريد إلى الوريد دون ذنب ارتكبوه فقط لأنهم ليسوا من أتباع الحاكم ويعارضون السلطة…فبالأمس كان بعضنا يكفّر من يخالفهم الرأي …واليوم يهتك عرض كل من يخالفهم الرأي ولا يتبع خطاهم…والأغرب من كل هذا خروج بعضهم وبعضهن ليفاخروا بما أنجزوه وكم من مواطن ذبحوه من الوريد إلى الوريد …فقط لأنه ليس منهم ويخالفهم الرأي…

ختاما أقول…تعالوا معا نتخلّص من “دراكولا” الذي يسكننا …فأيام بعضنا أصبحت رعبا…ولياليهم دماء وهتك أعراض فقط لأن رأيهم غير رأينا وراي البقية…تعالوا فنحن أبناء وطن واحد، وإن اختلفنا… وطن يتسع للجميع، وأسمه يؤنس الجميع، وطن نحبه ونعشقه وندافع عن ترابه…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version