دفءُ نار

تعبُ أبنائنا وعرقهم في الباكالوريا في رقابِكم … يا مسؤولي وزارة التعليم العالي

نشرت

في

غدا الثلاثاء 03 أوت 2021 على الساعة منتصف الليل هو آخر أجل أمام الناجحين الجدد في الباكالوريا للتعبير عن رغباتهم فيما يخص توجيههم الجامعي وبالتالي قطع الخطوة الأولى على الطريق المؤدية إلى بناء مشروعهم الدراسي والمهني والانطلاق في تجسيم الأفكار التي حلموا بها طيلة فترة شبابهم.

<strong>منصف الخميري<strong>

لا أُنكر أن التوجيه الجامعي مناظرة تُفتح بموجبها بقاع محدودة في كل اختصاص من اختصاصات التعليم العالي أمام كل نوع من أنواع الباكالوريا السبعة على حدة ويتناظر عليها المترشحون للالتحاق بالجامعة التونسية حسب معايير ثلاثة هي مجموع نقاط كل مترشح وطاقة الاستيعاب المُتاحة في كل شعبة وترتيب الاختيارات الذي سيعتمده كل طالب جديد… وبالتالي فإن المقياس الحاسم والأهم هو التميّز والاستحقاق. ولكن أن يتمّ اتخاذ تدابير فيما يتعلق بالطريقة التي تتصرف بها وزارة التعليم العالي في أدفاق الوافدين عليها أي توزيع طاقات الاستيعاب المفتوحة على مختلف الباكالوريات يتضرّر من تبِعاتها حتى المتميّزين والمتحصلين على معدلات عالية جدا في الباكالوريا… بل وتنسف طموحاتهم دون أية وجاهة أو حجج مُقنعة تقدّمها وزارة الإشراف المعنيّة، فذلك هو ما نعترض عليه. وسأبيّن ذلك جليّا من خلال معطيات مرقّمة بعيدا عن التأويل والقراءة في النوايا واستباق موفور المداخيل التي ستجنيها منظومة التعليم العالي الخاص من جراء هذه التوجّهات الصّادمة.

لقد تطورت نسبة النجاح العامة في الباكالوريا هذه السنة بــ 47 % ويُفترض أن تكون وزارة التعليم العالي قد رفّعت في طاقة الاستيعاب المفتوحة أمام هؤلاء الناجحين بنفس النسبة تقريبا ضمانا لاحترام مبدأ “لكل ناجح في الباكالوريا مقعد في التعليم العالي” ولكن لاحظ جميع المتابعين والمعنيين بأن طاقة الاستيعاب وُزّعت بشكل عشوائي لم يُراعِ بالمرّة مبدأ تكافؤ الفرص والملامح العلمية والمعرفية الخصوصية لكل صنف من أصناف الباكالوريا بما سيؤثّر بشكل كارثي على حظوظ الناجحين في نيْل ما يصبون إليه من مستقبل. (اتهمني بعض المسؤولين بالشعبوية ومحاولة تأليب تلاميذ الباكالوريا من خلال إثارة إشكاليات لم ينتبه إليها هؤلاء وأنا مُرحّب طبعا بهذه التهم لأن الجميع يعرف أنني أفعل ذلك بدافع الغيرة على حقوق أبنائنا الطلبة الجدد وليس من أجل منصب وزاري اعتقد بعض هؤلاء أنهم على قاب قوسين أو أدنى من إحرازه حسب تصريحاتهم المُبتهجة منذ سنتين).

فتطوّرت على سبيل المثال نسبة النجاح في شعبة الرياضيات بــــ 22 % وتقول الوزارة أن هذه الزيادة قرأنا لها حسابا في توزيع طاقة الاستيعاب. وهي عين المغالطة لأن الاختصاصات التقليدية المحسوبة على الرياضيات (مثل الأقسام التحضيرية للدراسات الهندسية والتحضيري المندمج وإعلامية التصرف …) والتي يُقرّ جميع الجامعيين بأنهم أوّل من يتألّق فيها لم تشهد ترفيعا تناسبيا بل تقليصا لافتا الى مستوى النصف أحيانا مقارنة بأرقام السنة الماضية.وهذا مثال مُرقّم على ما أقول :

المؤسسةطاقة الإستيعاب 2020طاقة الإستيعاب 2021 (بعد التعديل نتيجة الضغط)
المعهد الوطني للعلوم التطبيقية و التكنولوجيا بتونس168141 ( – 27 مقعدا)
المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بمنفلوري220168 (- 52 مقعدا)
المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بالمنار11083 (- 27 مقعدا)
المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بنابل13598 (- 37 مقعدا)
المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بالمنستير197150 (- 47 مقعدا)
المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بصفاقس176121 (- 55 مقعدا)

فبأيّ منطق ووفق أية دراسات استشرافية قررت وزارة التعليم العالي التقليص بهذه الكيفية في اختصاصات تميّز فيها تلاميذ الرياضيات تاريخيا والتحقوا من خلالها بأرقى مدارس الهندسة في تونس وفي الخارج ؟ والذي لا يُفهم حقّا أن هذه المؤسسات عبّر أغلبها عن استعداده لقبول أعداد أكبر من الناجحين الجدد في باكالوريا رياضيات ! المجلس العلمي للمعهد الوطني للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا مثلا (INSAT) طالب بطاقة استيعاب لا تقل عن 200 طالب جديد من شعبة الرياضيات ! وبالتالي فإن قرار التقليص اتخذه إداريون في الإدارة المركزية وفق أهواء لم نستطع تمثلها.

أما في اختصاص إعلامية التصرف الذي يُدرَّس في عديد المؤسسات الجامعية والذي أثبت تلاميذ الرياضيات منذ انبعاثه أنهم جديرون به ولا تعترضهم أية صعوبات في مسايرة برامجه، فقد ارتأت وزارة التعليم العالي أن توصده تماما في وجه حاملي باكالوريا رياضيات (وليتها أوصدته في وجه الجميع) لأنها بفتح مقعد وحيد على المستوى الوطني تكون قد فرضت شرط الحصول على معدل يفوق الــ 15 من عشرين على الأقل للحصول عليه. وهذه بعض الأرقام :

المؤسسةطاقة الاستيعاب في 2020طاقة الاستيعاب في 2021
المعهد العالي للتصرف بتونسISG142
المدرسة العليا للعلوم الإقتصادية و التجاريةESSEC161
معهد الدراسات العليا التجارية  بقرطاج  IHEC31
المعهد العالي للتصرف بسوسة    ISG SOUSSE72

(علما بأن مجموع النقاط المُعتمد في هذا الاختصاص يساوي الصيغة الإجمالية مع عددي الرياضيات و الإعلامية /2)

هذا ونشير إلى أن نسبة التوجيه الى شعبة الرياضيات في التعليم الثانوي آخذة في التقلص المُريع من سنة إلى أخرى حتى بلغت 8 بالمائة بعدما كانت تفوق الــ 20 بالمائة في مطلع القرن الحالي بما يُحتّم إطلاق خطة وطنية من أجل إعادة الاعتبار لهذا المسار الدراسي المتميز والحؤول دون اندثاره نهائيا من مؤسساتنا التربوية (كما هو حاصل اليوم في العديد من المعاهد الثانوية للأسف).

الباكالوريا علوم تجريبية إلى أين ؟

تطورت نسبة النجاح في العلوم التجريبية من 13746 إلى 20483 وهو ارتفاع لم يكن متوقعا وشكّل إكراها موضوعيا لم تتوفّق حسب اعتقادي وزارة التعليم العالي إلى التعاطي معه إيجابيا :

  • اعتماد قاعدة التناصف بين الرياضيات والعلوم التجريبية في اقتسام مقاعد اختصاص الرياضيات فيزياء في المراحل التحضيرية للدراسات الهندسية هو – حسب رؤساء الأقسام في المؤسسات المعنية- “زجّ بتلاميذ العلوم التجريبية في مسلك يصعب النجاح فيه بالنظر إلى أن العديد من المسائل الرياضية الأساسية لم يتعرضوا لها مُطلقا في الثانوي مقارنة بشعبة الرياضيات” ! وليعلم الناس أنه خلال السنوات السابقة كان تلاميذ العلوم التجريبية والرياضيات يوجهون الى المرحلة التحضيرية العلمية دون تمييز في البداية بين التفرّعين الأساسيين المنبثقين عنها، ثم في مرحلة ثانية عندما تُفتتح السنة الجامعية يُدعى تلاميذ العلوم التجريبية من قِبل المجالس العلمية الى التسجيل بقسم الفيزياء كيمياء PC وتلاميذ الرياضيات بقسم الرياضيات فيزياء MP. وسنقف سويّا على طبيعة تداعيات هذا الخيار على نتائج أبنائنا من الباكالوريتين في المناظرة الوطنية لدخول مدارس الهندسة بعد سنتين.
  • ما الذي يمنع الدولة التونسية من الترفيع ولو بشكل نسبي في طاقة الاستيعاب المفتوحة أمام تلاميذ العلوم التجريبية في الاختصاصات الطبية وشبه الطبية (التي لم تتغير على امتداد عقود) وعدم الانصياع إلى الضغط الذي تمارسه العمادات المتنفّذة . وهذه مرة أخرى ليست بالشعبوية لأنني أدرك ما أقول وواثق تماما من أن بعض الجهات تدخلت بعد 2011 للتقليص من طاقة استيعاب الاختصاصات شبه الطبية خدمة لأجندات مشبوهة اتضح أن وراءها منظومة التعليم العالي الخاص.

أخيرا شعبة الإعلامية، هذه الباكالوريا “اللي اسمها عالي ومربطها خالي”

اختصاص PC : مقعد يتيم في كل مرحلة تحضيرية في 13 مؤسسة (أي 13 مقعدا وطنيا).

اختصاص MP : مقعد يتيم في كل مرحلة تحضيرية في 14 مؤسسة (أي 14 مقعدا وطنيا)

بما سيزيد من حدّة التنافس على تلك المقاعد النادرة ويرفّع بشكل مهول في مجموع نقاط آخر موجّه بشكل سيجعل من دخول هذه الاختصاصات وغيرها بالنسبة الى تلميذ حاصل على باكالوريا إعلامية مهمة أولمبية تستدعي مهارات استثنائية.

ما كنت سأكتب هذه الورقة لولا إحساسي العميق بفداحة المظلمة التي تعرضت لها شريحة واسعة من الناجحين في الباكالوريا هذه السنة، وستكتشفون رجاحة ما أقول الأسبوع القادم عند الإعلان عن نتائج الدورة الرئيسية للتوجيه الجامعي وفي بداية السنة الجامعية عندما تنطلق الدروس في الأقسام التحضيرية للدراسات الهندسية.

فأيّ منطق يحكم هذا الاستنزاف المُمنهج ؟ ومتى ينجح التعليم العمومي في المحافظة على نُخبِه كما الوطن في الاحتفاظ بأبنائه الهاربين بجلودهم إما نحو القطاع الخاص في الحالة الأولى أو نحو الضفاف الجنوبية لأوروبا في الحالة الثانية ؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version