وهْجُ نار

تونس … الوطن الذي دفن رأسه في التراب !

نشرت

في

يخرج علينا أتباع ساكن قرطاج يدافعون عن مولاهم وعن خياراته واختياراته…هم يقولون أن مولاهم ليس مسؤولا عن هذا الخراب الذي تعيشه البلاد ويكتوي بناره العباد …ويصرّون أن مولاهم ورث دولة مثقلة بالفساد والخراب والفقر…

<strong>محمد الأطرش<strong>

والأغرب أن بعضهم ممن يسمونهم “كرونيكارات” قنوات العهر الإعلامي ولعق حذاء الحكومات يقولون ان نقد مولاهم وحكومته ومن أتى بهم لإدارة شؤون البلاد غير منطقي ووجب أن يتوقّف وهو نوع من الحقد والحسد…وحين تحدّثهم عن كفاءات البلاد التي أحبطت ووُئدت ودُفنت في مكاتب فرعية من مؤسسات الدولة يقولون لك ان الدولة لا حاجة لها اليوم بالكفاءات بل تحتاج اليوم بالذات إلى الولاءات …

حين تقول لهم أأعلنت البلاد مملكة أو سلطنة أو إمارة يحكمها مولاكم والشعب لا يعلم؟ هل يعقل أن يكتب مولاكم الدستور دون تشريك كل مكونات المشهد السياسي بالبلاد؟ هل يعقل ان يصاغ القانون الانتخابي دون حتى الرجوع إلى جميع من يؤثثون المشهد؟ أهكذا تدار شؤون الدول وشعوبها؟ أهذه ديمقراطيتكم التي بها تفاخرون؟ أين تلك الشعارات التي رفعها مولاكم حين كان يجوب البلاد بحثا عن أصوات هذا الشعب المخدوع؟ ألم نسمعه طويلا وهو يتحدّث عن التسامح والمحبّة والقانون وإحياء الضمير والعدالة ومخافة الربّ؟ أهذا الذي تعيشه البلاد اليوم؟ أهكذا تدار شؤون الحكم…أبالحقد والكره والتخوين والتهديد والوعيد تريدون أن يصفّق لكم الشعب ويبايعكم على حكم البلاد والعباد؟ وسيجيبونك بكل تعال “نعم” أنسيتم أن ثلاثة ملايين انتخبوا مولانا، ومثلهم قالوا له “نعم” لدستوره ومثلهم سينتخبون أتباعه في انتخابات ذكرى انتحار السكّير واقصد انتخابات 17 ديسمبر…

وكأني بهؤلاء جميعا بكفاءاتهم وفطاحلهم وجهابذتهم لم يسمعوا بما فعلته سونيا غاندي سنة 2009 بالهند، حين فاز التحالف الحاكم في الهند الذي يترأسه حزب المؤتمر الوطني الهندي وتتزعمه هذه الأخيرة، على منافسيه في السباق على السلطة بــأصوات 714 مليون ناخب في البلاد…هؤلاء لم يعلموا بما فعلته سونيا حين رفضت الأقلية أن تتولى رئاسة الحكومة…لم تخرج على الشعب تهدّد وتتوعّد وتخوّن ولم تدع إلى مسيرات حاشدة تكسر بها شوكة خصومها وتُجلسها على عرش الحكومة الهندية…لم تفعل ذلك بل اختارت أن تخطب في شعبها لتقول له “لا أريد ان أكون فتنة في البلاد” ولم تقبل برئاسة الحكومة …وها أن أتباع مولانا اليوم يفاخرون بــ”فتات” من الأصوات التي اضطرّها منافس مولاها إلى قطع الطريق أمامه بانتخاب من يريدونه اليوم ملكا على البلاد والعباد دون أن يكون له عرش…

ماذا فعل مولاكم بالبلاد اليوم وهو الذي يحكمها ملكا؟ ألم يقل قبل أن ينقلب على شركائه أن صلاحياته لا تسمح له بأن يصلح حال البلاد وأنه سيصلح حالها إن حكمها بصلاحيات أوسع…واليوم وهو ملك الملوك وصلاحياته تفوق هارون الرشيد وجنكيز خان…واليوم وهو سلطان الزمان والمكان ماذا فعل؟ ماذا فعل وبيت المال تحت تصرفه، وبيده الخراج كله…ماذا فعل وهو الأمين على الغنائم من الأموال “المنهوبة” ومن الأموال التي لم تسترجع من رجال الأعمال…ماذا فعل وهو الذي قال انه سيضخّ في خزينة الدولة عشرات المليارات من تلك التي نهبوها في عهود سبقت وصوله الحكم…ماذا فعل وهو الذي لا يأبه لتصنيف بعض المؤسسات العالمية…؟

ماذا فعل السلطان ليصلح حالنا؟ هل اختار الأكفأ؟ هل أتى بالجهابذة؟ هل أعاد من ابعدناهم حقدا على القديم؟ هل أعاد لقيصر ما لقيصر؟ هل وحّد بيننا؟ هل نزع الأحقاد من قلوبنا؟ هل أصبحنا شعبا واحدا يرنو إلى إصلاح حاله وأحواله؟ هل صالح بين هذا وذاك؟ لا…لا شيء تحقّق من كل ما ذكرت…لا نزال إلى يومنا هذا نسمع كل أسبوع وابلا من التخوين…ومقاطع طويلة من التهديد والوعيد…كأنّ كل هذا الشعب “شرذمة” ضالة افسدت الحرث والزرع…ماذا حلّ بالبلاد اليوم؟ هل صَلُح حالها وتزيّنت أحوالها؟…لا شيء غير جحافل من “المتكالبين” على المناصب…والراغبين في المقاعد…والعاشقين للكراسي، والراكعين تحت أقدام أصحاب النفوذ، يقبّلون نعالهم، يتمسحون بأذيالهم، يحومون حولهم، يطلبون ودّهم ومقعدا في مجلسهم …هذا ما تعيشه البلاد …فاليوم امتلأ المشهد بمن يتقنون التزلف والتملق، ومن يبدعون ويتفننون في التودد لمن هم في الحكم، يتعمدون الإساءة لمن هم أكفأ منهم ومن أحيلوا على غرف التبريد في كل مؤسسات الدولة…اليوم امتلأت البلاد بمن يبدعون في حياكة المؤامرات والدسائس ونصب الفخاخ… ونسج الأحابيل…بمن انقلبت عندهم مفاهيم الأخلاق والاستقامة، وصار التعدي على تاريخ الناس وهتك أعراضهم والحطّ من مقامهم في نظرهم مهارة …والكذب على الشعب عندهم شطارة …

أهكذا يصلح حال البلاد…؟ فماذا تغيّر في ومن حالنا حقّا؟ لا شيء غير اننا أصبحنا نشعر بالغربة داخل بيوتنا وأوطاننا…فبعضنا من كفاءات البلاد ممن ظلموا ونُكّل بهم ونالوا نصيبا من مخزون الحقد يشعرون بالخذلان بين أهلهم وذويهم…فنحن اليوم في بلاد ضاعت فيها معايير التقييم والترقية وحفظ المقام… وغزاها الفاشلون والأميون …

يُخيل لي أحيانا أننا نعيش الهالووين  Halloween من خلال حفل تنكري كبير أضعنا فيه القيم وفرّطنا فيه في المبادئ التي تربينا عليها، وورثناها عن أجدادنا الذين قاوموا الاستعمار وحرروا البلاد…نحن لا نسعد بما تسعد به بقية الشعوب فلم نعد نشعر إلا بالغربة في وطن لا يعطينا سوى الفقر والخصاصة…والإحباط واليأس…وطن يودّع كل يوم بعض أبنائه الهاربين من غربته إلى غربة أرحم… وطن لا يشبع من وجع شعبه ومن آلامه ومآسيه…وطن يدفن رأسه في التراب حتى لا يسمع صراخ أبناء شعبه وعويلهم…وطن خذل حكامه شعبه…وطن يئد الكفاءات…ويرفع مقام الولاءات…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version