تونس تئنّ تحت أنقاض زلزال 14 جانفي… وتصرخ تحت ركام الهزّة الارتدادية لـ 25 جويلية !
نشرت
قبل سنتين
في
عاشت تونس ومنذ أكثر من اثنتي عشرة سنة زلزالا أتى على الأخضر واليابس في وطن كان آمنا…فبعد الهزّة التي أبعدت بن علي عن وطنه ليموت ويدفن في أرض الأنبياء والصحابة…عاشت البلاد آلاف الهزّات الارتدادية …
هزّات لم تبق شيئا في مكانه…هزّات دفنت أفراحنا…ووحدتنا…واستقرارنا…وطموح فلذات أكبادنا…ومستقبل شبابنا…هزّات انهار بسببها كل البناء الذي عشنا نصف قرن نرفع دعائمه…هزّات دفنت تحت ركامها وأنقاضها أفراحنا…وانتصاراتنا…وآمالنا…
أنقاض منعتنا من أن نودّع أمجادنا التي دُفنت تحتها ولم ننجح في إعادتها وفي انقاذها…هزّات انهارت بسببها أخلاقنا…وزادت بسببها أحقادنا…أنقاض دفنت تحتها كل مخططاتنا ومشاريعنا…أنقاض دفنت قيمنا…وهزّات لم ننجح اثرها في انتشال أجمل أيامنا …وأجمل صنائعنا…هزّات لم ننجح اثرها في انتشال مستقبل فلذات أكبادنا…وأحلامهم التي دفنت تحت الركام…أحلام لم ينجح كل حكامنا في انتشالها من تحت أنقاض زلزال جاء بهم إلى الحكم…حكام يعيشون وسط ركام من الجهل…حكام لا يشبهون في شيء بني البشر يجمعون في عقولهم كل تناقضات الكون… حُكامٌ لا ينظرون إلى شعوبهم إلا من خلال أنفسهم …حكام كان ولا يزال أكبر همهم وبرامجهم تدجين شعوبهم وإخضاعها لإرادتهم … حكام لا يهمهم أن تعيش شعوبهم كل أشكال الخصاصة والفقر والتهميش والمعاناة والجوع والبطالة والمأساة… والجهل والتخلف والبؤس واليأس …حكامٍ يتصرفون مع شعوبهم كما يتصرّف الغُزاة …هكذا نحن اليوم …لم ننجح في انتشال بقايا أمجادنا ونخوتنا…ولم ننجح في إخراج جثة ديمقراطيتنا التي لم تتعلم المشي بعد وهي تئن تحت ركام آخر هزّة ارتدادية أسقطت ما بقي من البناء …ودفنت تحت الانقاض بعض الأمل في التعايش معا…في وطن واحد…
لن تنجح كل أجهزة الدولة في إزالة اثار زلزالنا في تونس…ولن تنجح جرافات الحماية المدنية في انتشال ضحاياه من تحت الركام والأنقاض…ولن تنجح كل المساعدات في الحدّ من حجم الكارثة التي تسبّب فيها…زلزالنا لن تنفع معه كل الإمكانيات المادية واللوجستية التي قد ترسل بها إلينا بعض الدول الشقيقة والصديقة…زلزالنا ليس في حاجة إلى أجهزة انقاذ واسعاف وإدارة للأزمة…زلزالنا ليس في حاجة إلى جرافات عملاقة وأجهزة تنصّت للأحياء تحت الأنقاض… زلزالنا في حاجة فقط إلى نزع الأحقاد بيننا…الأحقاد التي تنخر صدورنا…الأحقاد التي شتتت شملنا…زلزالنا في حاجة إلى حاكم جامع يؤمن بالديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والتداول على السلطة… وحرية التعبير …ويؤمن بحقّ الشعب في امتلاك قراره وإرادته ويحتكم لصوت الشعب في أي شأن يعني الشعب، ومستقبل الشعب، وأبناء الشعب…زلزالنا في حاجة إلى حاكم لا يبحث بكل الطرق والقوانين والمراسيم عن قهر خصومه ومعارضيه، وظلم بعض شعبه وإذلاله وتجريده من كل حقوقه الإنسانية…زلزالنا في حاجة إلى حاكم لا يقهر إرادة شعبه ويحوله إلى شبه قطيع من المواشي…
زلزالنا ليس في حاجة إلى حاكم يقهر شعبه أو بعض شعبه متى يشاء وكيف يشاء وبأي وسيلة يشاء… زلزالنا في حاجة إلى حاكم لا يغمض عينيه وهو يسمع صراخ اليتامى وأنين الثكالى، وبكاء من فقدوا أبنائهم في المتوسط هربا من حاكم جائر وحظ عاثر، ووجع من جاعوا…ومن لم يجدوا بعض الدواء…زلزالنا في حاجة فقط إلى أن يعود الحبّ بيننا…وأن ندفن أحقادنا تحت ركامه وأنقاضه…