تعيش تونس و منذ عشر سنوات كذبة كبرى اسمها “الديمقراطية”… و يواصل بعض الأغبياء تبرير ما يقع بقولهم إن ما يجري هو ضريبة “الانتقال الديمقراطي”… فماذا لو طال عمر هذا الانتقال؟ كم سيكون عدد ضحاياه يا ترى؟؟ و الغريب أن أغلب هؤلاء الذين يواصلون تبرير ما نحن فيه اليوم يمارسون الخديعة و الكذب، فهم يتغنون صباحا مساء بالديمقراطية، و يمارسون الاستبداد و رفض الآخر من خلال ما يأتونه في حقّ خصومهم، فخصومهم عندهم ليسوا أكثر من شرذمة ضالة من المتآمرين بُعثت فقط لتنفيذ أجندات قوى خارجية لا تريد الخير للبلاد…
هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم الأبناء الشرعيين للديمقراطية لم يتعلموا شيئا من تجارب الآخرين…لم يتعلموا أن الأمم و الدول لا تزدهر في ظلّ من لا يعترفون بالآخر و بحقّ الآخر في أن يكون جزءا من منظومة يؤثثها الجميع دون إقصاء…فبعضنا اليوم لا يؤمن بغيره خيارا …و يريدون بما يضمرون و يكيدون فرض أنفسهم كالخيار الوحيد غدا أمام الناس كل الناس…هؤلاء لا يؤمنون أصلا بأن هذا الشعب في حاجة أكيدة اليوم لترميم البناء…بناء دولة خَربت بعض أجزائها معاول الهدم التي جاءت ببدائل هشّة ففشلت و اصطدمت بواقع أعادها إلى حجمها الطبيعي و الحقيقي…
في تونس اليوم تكاثرت و تناسلت كل أنواع “البكتيريا الضارة” و انتشرت حول قصور الحكم و الأزقة الفرعية لمؤسسات الدولة لتأخذ مكانها و تسيطر على مشهد سياسي أعرج بخلقها للروايات و الأكاذيب…هؤلاء مهمتهم الوحيدة تشويه الآخر و هتك عرض الآخر…هؤلاء يستثمرون في الكذب و ضرب الخصوم …هؤلاء هم صُنّاع الكذب و هم من كانوا سببا في خسارتنا لعشر سنوات من أعمارنا …هؤلاء لم يدركوا إلى يومنا هذا أن بين الديمقراطية الحقيقية و الفوضى شعرة…و إن انقطعت فسيكون مصيرنا أفظع من مصير بعض الدول التي احترقت بنار الفتنة…هؤلاء لم يستفيقوا من غفوتهم و لن يستفيقوا أبدا لو واصلوا تعويلهم على خلاياهم الإلكترونية لصناعة الأكاذيب عن خصومهم …
و هنا يكمن مدى الانفصام الذي يمارسه هؤلاء الذين لبسوا لباس “الثورية” و التعالي عن كل من سبقهم في بناء الدولة…هؤلاء و في ظلّ جهل كامل بمفهوم الدولة يعيشون التخبّط و التناقض، و الحقد الذي يُزكم الأنوف…خلاصة ما تعيشه تونس اليوم غياب كامل للوعي و الحس السياسي، لأغلب مكوّنات المشهد الأعرج، من أحزاب و منظمات و شخصيات سياسية وُلدت من رحم صراخ و قذف للحجارة و غلق لمواقع إنتاج…
بلادنا اليوم تعاني غيابا تاما للممارسة الديمقراطية الحقيقية التي تقطع مع مجرّد الشعارات الرنّانة…فالممارسة الديمقراطية الحقّ في حاجة أكيدة إلى وعي شعبي بطبيعة المرحلة و خطورتها…و في حاجة إلى الاعتراف الجماعي بأن كل البدائل التي حاول البعض فرضها كانت فاشلة و ساهمت في إيصالنا إلى ما نحن فيه اليوم…فالصراخ…و المسيرات الحاشدة…و عبوات المبادرات الناسفة…و غلق مواقع الإنتاج…و الخطب الرنّانة من الشُرفات لا تصنع المعجزات و لا تبعد الجوع و الفقر عن الشعوب…فمواطن الشغل لا يوفرها صراخ البعض …و لا بصاقهم الذي يتطاير من أفواههم و هم يخطبون…يكذبون…إنهم يكذبون…