الشيخ عمار اصيل بلدة ريفية بشمال البلاد … مر امام صف المنازل يهز خطواته بثقل ليدفع بها جسمه المترهل جراء كتل الشحوم …جسم عبثت به الايام والسنوات التي قاربت السبعين .. ومن حين لاخر كان الشيخ يشد على ركبتيه قبل ان يواصل طزيقه نحو البيت حاملا قفة الخضار ..
<strong>محمد الزمزاري<strong>
وقف عمار يتامل جاره الفحام وهو يدفع عربة “البرويطة” المحملة بكتل الفصلات المنزلية المعبأة في اكياس بلاستيكية سوداء وزرقاء يتجه بها نحو الحاوية الكبيرة للتخلص منها ….العربة القديمة اكلها الصدا، فصفائحها وقوائم عجلاتها تحدث صريرا مزعجا مع كل دفعة ..صرير مشابه لعواء ذئاب الجبل المقوس ونعيق الغربان السوداء ..سقطت منها بعص الفضلات متناثرة على ارضية الشازع الضيق الذي تتوسطه الساقية الحاملة للادران والمياه المستعملة ..
يلتفت الفحام يمنة ويسرة ثم لا يلبث ان يواصل طريقه نحو الحاوية دون اهتمام .فهو لا يريد ان يعي قواعد حفظ الصحة او التفكير في بيئة نظيفة ..ثم ان صديقه “صدوقة” يواصل دون كلل ري مشاتله و خضروات حديقته بالمياه الاسنة رغم ما وصلته من انذارات حادة …معتمد المنطقة لا يرغب في مواجهة اناس تمردوا على القوانين وكانها هي التي كبلتهم خلال العهد السابق للثورة … وفريق حفظ الصحة يؤدي دوره ولا يرى داعيا للقيام مقام السلطة الرادعة التي عليها تنفيذ توصياته او معاقبة المخالفين المتلاعبين بصحة الناس …
“صدوقة” و “الفحام”.وغيرهما، يصولون ويجولون،تحت غطاء الحرية المغلوطة. وارتخاء ركائز الزجر ..لا يعترفون لا بالبيئة النظيفة ولا بالصحة ولا بالقانون ….وقد يعن لبعضهم قطع احد الطرقات ومنع المرور و شل الحركة الاقتصادية والاجتماعية دون رادع قوي،باسم الحرية و باسم حقوق الانسان التي جاءت بها “ثورة البرويطة” وسوّقها الانتهازيون في ظل منظومة فاشلة …
فحتى جفاء زوجته ورفصها المتواصل،قد اصبح شيئا مالوفا،منذ اكثر من سنة … تعودت نظرات عمار،ان تستقر،على صدور النسوة البارزة او وجوههن المطلية بالمساحيق او مؤخراتهنالمكتنزة ….وقد يتعرض الشيخ الى نظرات،عتاب او غضب،من احداهن فينتابه الخجل ثم ما يفتأ ان يعود الى “سيرته المظفرة” التي تتسبب في نعته بكلمات متداولة : “الشيب و العيب” …اخزيت عليك” …
الاحاديث اليومية بالحي وتذمر المتساكنين،من غلاء المعيشة والكل يشكو الفاقة وضعف ذات اليد والفقر المدقع … : انها ايام القحط،والقطط السمينة وجحافل الغربان والجراد التي اتت بهم ثورة البرويطة لتجهز على لقمة الشعب …
أخرج الشيخ عمار لفافة تبغ اشعل طرفها بقداحته ….جذب نفسا …خيمت عليه سحابة سوداء عندما مرت بمخيلته ذكريات حياته بريف تاجروين وايام الصبا و الشباب …