هنالك مادة تُدرّس في مدارسنا الابتدائية اسمها (حوار مُنظّم) يدرّب خلالها المعلم تلاميذه على: قبول الرأي الآخر.. على الإنصات.. على الحِجاج.. لكن للأسف نحن شعب في أغلبنا لا نعرف نسمع لا نعرف نناقش الحُجة بالحُجة و لا نقبل إلا الرأي الذي نريد..
أكثر من مائتي حزب و أتباع كل حزب يرون في أنفسهم خليفة الرب في الأرض.. كل واحد يرى في منافسه عدوا خائنا.. لم نتربّ على أن رأيي صحيح لكنه يحتمل الخطأ و أن رأي غيري خاطئ يحتمل الصواب و لو بنسبة ضئيلة.. علمونا منذ الصغر أن كل من عارضوا بورڨيبة أو بن علي -رحمهما الله- هم شرذمة ضالة تصطاد في الماء العكر و ماهمش وطنيين و تحرّكهم أيادِِ خارجية.. و كأن الحاكم -أي حاكم- مقدّس و معصوم من الخطإ..
وصلنا درجة تأليه من نحب و شيطنة من لا نحب.. يكفي ألاّ يعجبنا موقف أحدهم حتى نمحو ماضيه و لو كان رمزا من الرموز.. يكفي أن نختلف مع من كنّا بالأمس القريب نصفق له حتى ننسى ما فات و نكيل له السب و الشتم و نختلق له الإشاعات..
لم يسلم منهم حمه الهمامي و لا محمد و سامية عبّو و لا الصافي سعيد و لا أحمد نجيب الشابي.. و لو غيّر أحد هؤلاء موقفه بعد أيام لرأيت الجمع و الجماعة و الجموع يغيرون موقفهم مائة و ثمانين درجة.. مرض و كراهية و حقد وصل عند البعض للقاع: فُتنا التراشق بالتهم و وصلنا درجة التهديد و الوعيد وهي المرحلة التي تسبق العنف..
و ربنا يستر من القادم إذ يبدو أننا مقبلون على خريف ساخن..