ما الذي يجري اليوم في تُونسنا العزيزة؟؟ وما الذي نراه ونسمعه في مشهد سياسي سقط إلى القاع…فأغلبهم تركوا أهمّ قضايا البلاد والعباد وانشغلوا بأجندات أخرى غير تلك التي ينتظرها الشعب والوطن…وجميعهم يصرخون في وجوهنا ويخرجون علينا في منابر مدفوعة الأجر يفاخرون بأنهم حملة مشروع وطني…وما هُم بالحاملين ولا هم يحْملون…
مشهدنا السياسي “المترهّل” اليوم لا يقلّ مُيوعة عمّا نشاهده على شاشات قنواتنا التلفزية التي تساهم مساهمة كبيرة في تقطيع أوصال هذا الوطن الجريح…فأغلب مكوّنات هذا المشهد السياسي اليوم لا تبحث عن الاستجابة لتطلعات المواطن، ولا تعمل على إيجاد حلول لما يعيشه ويعانيه، بل تبحث فقط عن عرقلة كل مسار واقعي وعقلاني جديد شعاره الإصلاح والإنقاذ…فتراها تطلق النار على كل نفس إصلاحي جديد يجاهر بما نحن فيه وبما نعانيه ويكشف سبب ما نحن فيه…سباقهم الوحيد هو من يطيح بالآخر بالدسائس والأجندات الغريبة العجيبة…وبثّ السموم…فنحن في حقيقة الأمر لم نكن في حاجة إلى هدم كل البناء أو البعض منه يوم 15 جانفي 2011 كنّا فقط في حاجة إلى الإصلاح …وإصلاح ذات البين…
فجماعة اليمين يقذفون جماعة اليسار بما ملكت أيمانهم وخطبهم التحريضية والتكفيرية أحيانا…وجماعة اليسار يركلون اليمين بما ملكت أرجلهم ومخزونهم الكبير من مصطلحات الشيطنة والاتهام بالعمالة…ومن سكنوا الوسط وضعوا أصابعهم في أعين بعضهم البعض، فأصبحوا بأعمالهم وما فعلوه لا يُبْصرون…جميعهم يدّعون الوطنية والإصلاح…وجميعهم لا يفعلون شيئا من الفعل الوطني المشروع والمُباح….ولا أحد منهم جميعا يعترف بالتنافس المنطقي العقلاني بعيدا عن وسائل الترهيب والتخوين والخطب الحقدية…ولا أحد منهم جميعا اقترب من الشعب ليأخذ بيده …وجميعهم لمن يقترب من الشعب يشتمون… ويشيطنون… وعليه يفترون…هذا الشعب الذي أصبح ليله كنهاره… أرق…تعب …وإحباط… جميعهم يكشفون عورات جميعهم….ونسوا أن الوطن هو من سيكشف غدا عوراتهم…جميعهم ينعتون جميعهم بلا أخلاق…وأخلاقهم تنعتهم جميعهم بقلّة الأدب والأخلاق…
مشهدنا اليوم أصبح يعجّ بمن يدّعون أنهم “ديمقراطيون” لكن أفعالهم لا علاقة لها ولا صلة رحم لها بالديمقراطية…فالحقد دستورهم…والصيد في الوحل شعارهم…وكسر عظام الوطن هدفهم…فلا أحد اليوم يقبل بالاختلاف…ولا أحد اليوم يقبل بالآخر…فهل بالأحقاد تبنى الأوطان؟؟ منذ عشر سنوات وبلادنا تنتظر تحقيق وعد واحد من وعود من أغرقونا بالبدائل التي يملكونها…فهل جاؤوا ببديل واحد عمّا كان يعيشه التونسي….فالتونسي اليوم يعاني الخصاصة….ويعاني الجوع…ويعاني العطش …ويعاني التهميش…والبطالة…ويعاني من الإحباط…التونسي اليوم يرى ظلاما أمامه…
فمن صدّقهم ذات شهر من سنة 2011 كشفوا أمامه عن حقيقة ما يبحثون عنه….كشفوا عن وجههم الحقيقي فلا أحد منهم كان “قلبه” على الوطن بل جميعهم كانوا يبحثون عن نصيبهم من الكعكة …كعكة الحكم…جميعهم أحزاب ومنظمات ونقابات…واليوم ونحن على مشارف الإفلاس وإعلان الحماية من جديد هل استفاق هؤلاء من سكرتهم؟ هل عادوا إلى رشدهم؟ هل تفطنوا لما فعلوه بالبلاد؟ لا أظنّ فهؤلاء يواصلون إلى يومنا هذا مقارنة انجازاتهم بما أنجزته المنظومة القديمة التي انقلبوا عليها واتهموها بسيل من التهم …هل جاؤوا بإنجاز واحد يضاهي ما تركته لهم المنظومة السابقة…المنظومة التي أشبعوها هجاء وشيطنة …وسحلوا رجالاتها وحاكموا كفاءاتها… وسجنوا قياداتها…مشكلة هؤلاء أنهم يصرون إلى يومنا هذا أننا اليوم بأحسن حال…وأن “غدوة خير”….
كيف سيكون “غدوة خير” والشعب يعيش الخصاصة…والشعب لم ير إلى يومنا هذا رقما واحدا يفوق أرقام ما حققته المنظومة السابقة….كيف يريدون من الشعب نسيان الماضي وهم لم يقدّموا لهذا الشعب ربع ما عاشه في الماضي ومن الماضي…خزينة الدولة كانت في أحسن حال يوم مسكوا بدواليبها…كل إنجازاتهم هي في حقيقة الأمر إنجازات المنظومة السابقة …وكل استثماراتهم هي من استثمارات المنظومة السابقة….فماذا فعلوا للبلاد؟ لا شيء…هم فقط خرّبوا كل ما أنجزته المنظومة السابقة حقدا…هم أجبروا كل من جاؤوا يستثمرون في البلاد على الرحيل حقدا وشماتة…هم أوقفوا كل مشاريع المنظومة السابقة ونسبوها لأنفسهم فتعطلت جميعها وصرفوا أموالها في إنجازات لم تنجز، ولم تر النور إلى يومنا هذا…ورغم كل هذا الفشل وهذا الخراب…لا يزال هؤلاء يفاخرون بإنجازات لم يرها الشعب….ولا يزال هؤلاء يشيطنُون إنجازات ذنبها الوحيد أنها من إنجازات المنظومة السابقة…والأغرب من كل هذا أن بعض هؤلاء يفاخرون إلى يومنا هذا بانتماءاتهم الأيديولوجية وبتاريخ جيفارا …وشيوخ الدعارة…ومن وعدوا العرب بالصلاة في القدس، ولم يعرفوا غير الخسارة…
العالم يتغيّر حولنا وبعض من دخلوا البلاد غزاة يصرخون في وجه الشعب بخطاب إيديولوجي مات أصحابه منذ عشرات السنين…وكأنهم لا يعيشون عصرنا وزماننا…هؤلاء جميعهم نسوا أننا نعيش عصر الخديعة…أننا ضحية الاحتيال الغربي…هؤلاء لم يدركوا إلى حدّ الساعة أنهم خُدعوا، وأن الغرب كذب عليهم وعلى ذقونهم…أتدرون أن أغلب ساستنا يفاخرون بما وقع بالبلاد وكأنهم جاؤوا بالنصر وحرروا البلاد من المستعمر ولم يتفطنوا أنهم الآن استعمروا…ولم يشعروا أبدا بأن عصا العم سام ومن معه اخترقت أسفل ظهورهم…وأنهم اليوم سقطوا…فالغرب لا يريدنا أن نصل نصف ما وصلوا إليه…الغرب يريدنا سوقا دائمة لما ينتجونه وما يصنعونه….هم لا يريدون منا أن نصنّع ولا أن نبتكر ولا أن نخترع…هم فقط يبدعون في إشعال فتيل الحرب والفتن بيننا كل خمسين سنة فنغرق في الوحل ونعود مائة سنة إلى الوراء وأكثر…يتمتعون هم فيها بخيرات العرب…ونفط قطعان العرب…وكفاءات بعض شعوب العرب…ويلزموننا باستهلاك ما ينتجون…
هم هكذا يفعلون دائما حين يشعرون أننا تقدّمنا خطوة واحدة في اتجاههم…خطوة واحدة نحوهم…وماذا يفعل جماعتنا أو ساستنا أو من يعتبرون أنفسهم زعاماتنا…لا شيء… فقط يرقصون يسعدون…ويتمتعون بما فعله بهم الغرب…ويصرخون في وجهك ويخطبون ويقولون ابتسم فأنت اليوم تنعم بالديمقراطية…والحرية…وحرية التعبير…أي نعم هم يعتبرون ما نعيشه ديمقراطية…جميعنا يشتم جميعنا…وجميعنا يقتل بعضنا…وبعضنا يخوّن بعضنا…لا أحد منّا يقبل بالآخر…ولا أحد منا يريد الآخر…هذه هي ديمقراطيتهم التي يريدون منّا أن نسعد بها ونطرب…ونرقص فرحا بفتحهم المبين…
سادتي لنعترف أولا أننا فشلنا في كل ما أتيناه بعد يوم الخديعة والنكسة…14 جانفي، هذا اليوم الذي يسعد به بعضنا كان سببا في قتل ملايين العرب…وسيواصل تشتيتنا…وصناعة الفتن بيننا…ونشر الجهل والفوضى بين أجيالنا القادمة…إن لم نعترف أننا أخطأنا في تقييم نتائج ذلك اليوم …ونمُر…نمُر وننسى …فبعضنا لا يريد أن ينسى…وليعلم جميعنا …ولا استثني أحدا منّا… أن من كان يؤمن ببورقيبة فبورقيبة مات وهو اليوم يبكي حالنا وحالكم هناك أين يرقد…ومن كان يصفّق لبن علي فبن علي مات ودفن اين تحلمون بأن تدفنوا وهو إلى المغفرة أقرب منكم إن كنتم لا تعلمون…ومن كان يؤمن بابن عبد الوهاب النجدي فإبن النجدي مات وترك الويلات والجهل والخراب، ولم يكن أبدا مجدّدا في الدين بل كان عنوان الجهل والفتنة والخراب…
ومن كان يؤمن بماركس ولينين وماو تسي تونغ وغيفارا فجميعهم أسماء لا تعرفها هذه الأجيال وأصبح يكفر بسماعها الفقراء، فلا أحد يذكرهم ولا أحد يقرأ اليوم سطرا لهم وعنهم ولا لمن كانوا معهم…ومن كان يؤمن بعبد الناصر فعبد الناصر مات وأصبح نسيا منسيا…ومن كان يؤمن بميشال عفلق… فعفلق أصبح ترابا وموطنه أصبح خرابا…ومن كان يؤمن بصدّام فصدّام شنقوه لأنكم خدعتموه…ومن كان يؤمن بالقذافي فالقذافي مات شهيدا بسلاح أنتم أرسلتموه…
ألم تعوا ما حصل لكم ولأهلكم…ولوطنكم…تفاخرتم بسقوطكم…وسعدتم بالغنيمة…فكل من اشتم إبطه أسس اليوم حزبا…وكل من أراد الظهور والتعالي أسس اليوم حزبا وطالب بنصيبه…وكل من أراد الغنى وجمع الأموال أسس اليوم حزبا وأصبح علينا في المنابر خطيبا…وكل من كان من رواد السفارات أسس اليوم حزبا…وكل من كان يريد الثأر من بعض خصوم الأمس أسس اليوم حزبا…وكل من قرأ سطرا في منظمات حقوق الإنسان أسس اليوم حزبا….وكل من أراد تبييض أموال سرقها أسس اليوم حزبا…
وجميعهم نسوا الشعب وما يريد….ونسوا الوطن…فجميع مرجعياتهم ماتت ودفنت…وجميعهم …وجميعكم ستموتون وسيبقي الوطن…والوطن لا ولن يموت…الوطن لن يموت…