“من يسرق هو لصّ…إلا عندما يكون جائعا. ومن يقتل هو مجرم…إلا عندما يتعلّق الأمر بإنقاذ العالم. الإرهابيون هم لصوص إيديولوجيّات ولا يوما أنقذوا روحا بشرية واحدة”. (الكاتب الفرنسي دان فرانك)
ساءني جدّا (كما أغلب التونسيين) أن يقوم تونسيّ بذبح موظفة فرنسية أم لطفلين لا يعرفها ولا تعرفه ولم تؤذه يوما… وبعيدا عن كلام القواميس والمنصّات اللغويّة التي تُعرّف الإرهابي (مهما كانت ديانته) بكونه شخصا ينتمي الى تنظيم سياسي يُنفّذ عمليات إرهابية عنيفة تصل حدّ القتل والتّنكيل، مرورا بكل أشكال الخطاب المحرض على الكراهية ونبذ الآخر بنية فرض تصوراته الإيديولوجية، سأحاول تمثّل ملامح عقل الإرهابي (التونسي في حالتنا هذه) وآليات اشتغاله، بل قل آليات تشغيله لأنه بصورة عامة هو عقل موجّه عن بُعد، من زاوية اجتماعية عامّة تحاول الاقتراب من ملمح الأشخاص العاديين الذين نراهم كل يوم ونتحدث إليهم ونتقاسم معهم الماء والملح والبترول والهواء والمروج الخضراء.
____هو كائن طيّع وضعوا له في عقله أنه “لا يجوز لمسلم أن يقعد في مجلس تُنتهك فيه حُرمات الإسلام، ويُسبّ فيه أصحاب رسول الله (ص)، ويجب على من شهد ذلك أو سمعه أن يدافع عن الصحابة الكرام، ويذود عن أعراضهم فلا خير في من يسكت على هذا الباطل العظيم أو يستمع إليه…”. وبما أن الأعمال في القاموس الوحيد الذي يقتات منه مقسّمة إلى صنفين اثنين فحسب : أعمال تجوز وأخرى لا تجوز، فإن التصدي للكبائر غير الجائزة شرعا لا يكون إلا بالتضحية والجهاد بالجسد أو بالمال أو بكليهما.
____ تُجمع نتائج دراسات العلوم العصبية أن الانسان بصورة عامة لا يستعمل اكثر من 10 بالمائة من إمكانيّاته الذهنيّة، لكن الإرهابي يعتبر أن هذه النسبة مبالغ فيها ولسنا في حاجة لها أصلا باعتبار أن أصلنا وفصلنا وكل حياتنا ومماتنا كلها أشياء مقررة سلفا، فيكون له عادة ذهن بِكر مازال محفوظا في أغلفته لم يُستخدم كثيرا لا مدرسيا ولا ثقافيا ولا حتى لعبيّا، لأنه تربّى على النقل لا على العقل وعلى الترديد والتصديق الأعمى ونبذ السؤال وتقسيم المواضيع الى واحدة نستمع فيها إلى رأي “العلماء” وأخرى نطبق فيها ما يقولونه.
____شيخ الجماعة ذو العقل المُدبّر متصالح تماما مع الأديداس في أحذيته الرياضية والغوتشي في نظاراته والديور في عطوره واستعمال أحدث منتجات النانوتكنولوجيا (وكلها تسخير من الله) يمتطي أفخر السيارات وتفتح أمامه أفخم النزل ومحلات بيع المصوغ والمجوهرات في لندن ودبي، لكن أخاه الآخر “الأخ الإسلامي البروليتاري” يكتفي باللباس الأفغاني ويمتهن التجارة بصفة عامة أسوة بالسلف الصالح ويعشق أنواعا محددة من العطور والطّيب التي أباحها ابن حجر الهيثمي في كتاب “الزّواجر”.
____يعادي القراءة والثقافة والرسم والمسرح والسينما وكل التعبيرات الإبداعية غير الإطلاقية والمحمولة على التّنسيب والتدرج في التلوين (47 بالمائة من 137 إرهابيا اشتغل عليهم مارك هايكر في فرنسا غير حاصلين على اي شهادة أو مستواهم التعليمي متدن جدا) . كما أن له معاداة دموية لكل اللغات الاجنبية تصل حدّ الانتشاء عندما يدوس مثلا على عنق اللغة الفرنسية فيقول آلة تصوير ليميريك (رقمية) أو عملية تتطلب الكثير من الـــ préparatation أي كثيرا من الإعداد… دون أن تهتزّ له قصبة.
____قناعاته أقرب إلى الفكر الخُرافي ما قبل الحداثة كأن يصيح أحدهم “لقد نسيتم مجد أمتكم الاسلامية ودينكم في هذا الزمان. تقولون إن ميسّي و كرستيانو رونالدو هما الأسطورة في العالم، لا والله، أفيقوا،الاسطورة هو عثمان بن عفان عندما قرأ القرآن كاملا في ركعة واحدة و الاسطورة هو الزبير بن العوام عندما هجم على حصن الكفار بمفرده ليفتح باب النصر للمسلمين… والأسطورة هو الذي أتم قراءة هذا المقال وقام بنشره كي نغسل دماغ من غسلت دماغهم من المسلمين.”
____له حبّ غير طبيعي نحو أمه (وهو أمر محمود في المطلق) حتى أن بعضهم أكد أنه قبل السفر للقتال في سوريا اكتفى بمبلغ يؤمّن تغطية مصاريف حجّ والدته إلى بيت الله الحرام، لكن ما يلاحظ أن هذا التعلق بالأم غير سوي في عديد من جوانبه حتى يكاد يكون مرضيا (فهو لا يكاد يغادر حضن أمه وهو عِجل في الثلاثين من عمره) معظمهم ظلوا أطفالا فطامهم صعب وحزين… وبناء عليه، قد يكون الاستثمار بقوة في تربية أمهات المستقبل و إقدارهنّ على تحصين أبنائهن، قد يكون من الأسلحة الفعّالة في مقاومة الدّوعشة وتحرير العقول.
____يدافع دائما عن مشروع متكامل للحياة في مختلف جوانبها في قطيعة جذرية وجوهرية مع كل ما يحيط به في عائلته وحيّه ومجتمعه. يشعر بأنه ملزم إلزاما سماويا بأسلمة كل شيء من خلال وضع “بْروش إسلامي” على مكالماته الهاتفية بإلغاء كلمة آلو مثلا واستبدالها بـــ “السلام عليكم” ووضع “بإذن الله” و”سبحان الله” و “معاذ الله” في كل منعرجات خطابه… يرفض فوائض القروض في البنوك التجارية ويقبلها مبتهجا وفرحا عندما تكون “مرابحة” في بنك اسلامي …ويدفع مالا خياليا لشراء ماء عاديّ ادّعى أحد المشعوذين أنه مقروء عليه ويصلح للتداوي. لا يتمنى الشفاء لغير المسلمين من ناحية ويبذل كل ما في وسعه للحصول على لقاح صُنع من قبل غير المسلمين أنفسهم من ناحية أخرى.
____لا يتصور أبدا أن المرأة يمكن أن تكون جميلة وأنيقة ومزهوّة لنفسها …لا يقبل أن تكون جميلة في الفضاء العام “وهي تعلم علم اليقين أن قلوب الرجال عند أنوفهم كما يقول أجدادنا“، المساحة الوحيدة التي يُسمح لها فيها بأن تمتلئ أنوثة ونضارة هي في فضاء مغلق ومع شخص تربطها به علاقة شرعية وفق أحكام وقواعد دقيقة ومعلومة حتى وإن كان رابطا ظرفيا لا تتجاوز مدّة شرعيته بعض الساعات.
____خطابه تؤثثه عادة جملة من الكليشيهات المكرورة والمبتذلة لكنه يعرف جيدا أنها مقنعة جدا لأنه واع بأنه لا يتعامل مع النخبة ولا يوجه خطابه إليها بل الى العامة غير القادرين على التنسيب والمحاججة والمقارنة … مثل “3000 يهودي لم يذهبوا الى عملهم في عمليات 11 سبتمبر 2001 التي استهدفت برجي مركز التجارة الدولية بمانهاتن” و”أن العمليات الإرهابية تدبرها مراكز الاستخبارات الصهيونية” وأنه يتعيّن مقاطعة “أجبان (نزوة الآلهة) لما فيها من إساءة إلى الذات الالهيّة (ورد ذلك في حديث لأحد الارهابيين بفرنسا).