بعد أيام قليلة من اندلاع الثورة التونسية في جانفي 2011 و ما تبعها من ارتباك قوات الأمن الداخلي و انسحاب أعداد كبيرة منها من النقاط الحدودية البحرية و توجيه كلّ جهودها و أفرادها لمجابهة أعمال الشغب و النهب و السرقة، اغتنم عدد كبير من التونسيين الوضع الأمني الهش و ارتموا في قوارب وتوكّلوا “على اللّي ما ينام اللّيل” و قصدوا السواحل الإيطالية هربا من وضعهم البائس في تونس و طمعا في المال و العيش الرّغيد…
و مع مرور الأيام تنامت ظاهرة “الحرقة” و برز معها جيلٌ من “الحرّاقة” مُهمّتهُم تسهيل اجتياز الحدود مُقابل مبالغ ماليّة كبيرة تتفاوتُ من مئات الدنانير إلى بعض الآلاف منها بحسب رغبة و وضعية الحارق، خصوصا إذا كان هاربا من أحكام قضائيّة صادرة ضدّه … و مما زاد في إصرار التونسيين و خاصة الشباب منهم على المجازفة بالحرقة، ماقام به رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني في صيف سنة 2011 من تسليم بطاقات إقامة ظرفية لآلاف المهاجرين غير الشرعيين، و فتح الحدود الشمالية لبلاده و السماح للمهاجرين بالإنتشار في أوروبا …
و مع تكاثر أعداد الحارقين كان لابدّ أن “يُفقَدَ” عدد كبير منهم وسط المجتمعات الغربية ممّن سُجِنوا تحت هُويّات غير صحيحة أو قُتلوا و هم لا يحملون أوراق هويّة.. و في المقابل، نجدُ عددا من الأمّهات اللاّئي فقدن أبناءهنّ و ليس لهنّ أخبار عنهم يتظاهرن في مناسبات كثيرة أمام رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو أمام البرلمان لمطالبة الرؤساء الثلاثة بإيجاد الأبناء المختفين و إعادتهم لتونس … بل و ذهب عدد من الأولياء منذ بضعة أشهر في طرحِ مطلب غريب و هو دعوة السلط التونسية للتدخّل لدى السلط الاسبانية و مطالبتها بالإفراج عن بعض المئات من التونسيين الحارقين عبر الحدود الاسبانية – المغربية و السماح لهم بدخول الأراضي الإسبانية والتوغّل منها إلى أوروبا … هكذا !!!
لئن نتفهّم حُرقة العائلات و رغبتها في معرفة أخبار أبنائها فإنّه كان من العبث أن يُرابطوا أمام مكاتب المسؤولين للمطالبة بإعادة أبنائهم … فهؤلاء ليس لهم مقرّ معلوم و أغلبهم لا يريد أصلا العودة إلى أرض الوطن كما أنه من العار على عدد من السياسيين و منهم الرئيس الباجي قايد السبسي رحمه الله و د. منصف المرزوقي و غيرهم من الذين ترشّحوا للانتخابات الرئاسية، أن يعِدوا العائلات بإعادة الحارقين مجهولي المصير في صورة إنتخابهم و هم يعلمون أنهم لن يصدقوا في وعودهم …
في هذا الجانب المسكوت عنه من مساوئ “الحرقة”، إجتمعت رغبة العائلات المسكينة و تشبّثها بخيط أملٍ واهٍ يتلخّصُ في “جيبولنا أولادنا” … بدهاء سياسيّين ماكرين يعبثون بمشاعر النّاخبين و يلهفون أصواتهم بفضل وعدٍ كاذبٍ”إنتخِبوني نجيبلكم أولادكم”..