“نحن على موعد مع التاريخ و لا يجب أن نخسر هذا الموعد لأن الشعب ينتظرنا”
هكذا قال رئيس الجمهورية في حديثه يوم الثلاثاء الماضي للوزيرة الأولى أثناء جلسة تشاور حول تشكيل الحكومة.. و في كل ظهور له يحدثنا الرئيس عن هذا الموعد التاريخي و عن اللحظة التاريخية و أنه سيقف أمام التاريخ…
و لا أعتقد أن من يحب الوطن بصدق يتمنى أن يضيع هذا الموعد التاريخي الذي يتحدث عنه رئيس الجمهورية ففي ضياع كل فرصة ضياع لتونس و تدهور لأوضاع الشعب…
و لكن ما نلاحظه هو أنّ الرئيس في كل مرة لا يتعامل مع هذه اللحظة التاريخية الا في جانبها السياسي، و حتى في استقباله صالح الصايل رئيس هيئة السوق المالية بقي كلامه ذا صبغة سياسية أكثر منها اقتصادية فتحدث باستهزاء عن المؤسسات المانحة و تلك المختصة في الترقيمات الاقتصادية رغم حاجتنا الماسة إليها..
إن الحديث عن الإصلاحات السياسية مهم و لكن لا يجب الاقتصار عليه فهو وحده لا يحل مشاكل البلاد بل قد يزيدها تعقيدا إن توقفنا عنده، و إن لم يصاحبه إصلاح اقتصادي و اجتماعي و تربوي.. فالشعب لا يمكن أن يحصل على أجره من فصول الدستور و لا يمكن أن يوفر قوته من إصلاح النظام الانتخابي و لا تستطيع الدولة أن تستورد أو تسدد ديونها من تغيير نظامها السياسي… و الكلام الإنشائي و الحديث عن الرياح العاتية أو استثمار نصوص المعري أو المسعدي أو غيرهما لا يمكن أن يبني وطنا و لا أن يرسم مستقبلا…
في هذه اللحظة التاريخية _ و خاصة بعد ما ورد في تقرير البنك المركزي _ نريدك أن تحدثنا عن الوضع المالي للدولة ، عن التنمية ، عن المشاريع المعطلة، عن الاستثمارات الداخلية و الخارجية، عن الشباب العاطل عن العمل، عن ضرورة مضاعفة الإنتاج و الإنتاجية،
نريدك أن تحدثنا عن كيفية الإسراع في تنشيط الاقتصاد في ظل غياب للمفاوضات مع الدول و المؤسسات المانحة و في ظل النقص الحاد في موارد الدولة و العجز عن تمويل الميزانية و غياب مناخ الثقة…
إن أية حلول اقتصادية لا يمكن أن تتحقق دون استقرار سياسي و دون خطاب عقلاني تجميعي يؤكد على المشترك و بتحاشى الخلافات و خطاب الشحن و التجييش فمن المؤسف أن فضاءنا العام الواقعي و الافتراضي صار فضاء للصراع و تبادل العنف اللفظي و الرمزي و التخوين و التشويه و الاستقواء بالشارع… و تطور الأمر مؤخرا إلى محاولة إفساد اجتماعات بعض الأحزاب و التحريض على بعض الشخصيات و كأننا نسينا ما حدث في 2013 من شحن للشارع أوصلنا إلى الاغتيالات… إن انتشاء البعض برفع ” ديغاج” في وجه من يخالفهم الرأي لا يمكن أن يؤسس الا لعربدة الضوضاء و ينشر وعيا قطيعيا لا مجال فيه للاختلاف… فكل مواطن لم تثبت عليه تهمة و ليس عرضة لتتبع قضائي من حقه الاجتماع و إبداء رأيه في الشأن العام (الاعتداء على عبير موسي و محاولة منعها من الاجتماع بأنصارها في باجة مرفوض مثلما هو الاعتداء على سمير ديلو و عبد اللطيف المكي في رحاب الجامعة) و إدارة الصراع السياسي و الفكري على هذه الشاكلة لا يبني الوطن، و محاولة فسخ كل آثار الماضي لا يمكن أبدا أن تتقدم بنا
فكل الشعوب و في كل الحضارات تحرص على البناء، على النظر إلى المستقبل أما في تونس فإننا و منذ أكثر من 60 سنة لا نفعل شيئا سوى هدم الماضي و محاربة بعضنا البعض
جاء بورڨيبة فحاول طمس تاريخ البايات و جاء بن علي فأراد التقليل من إنجازات بورڨيبة و خرج تتار ما بعد 14 جانفي فأرادوا هدم كل منجزات دولة الاستقلال و حاولوا محو بورڨيبة من ذاكرة الشعب بل بحثوا عن كل ما يدينه و حاربوا إنجازاته خاصة في مستوى تحديث بنية المجتمع، و تعقبوا من كانوا مع بن علي و أفرغوا الإدارة من كفاءاتها و خربوا مؤسسات الدولة… و ها إننا اليوم نعود إلى نفس مربع ضوضاء 2011 محاولين فسخ 10 سنوات من عمر هذا الشعب… فمتى نعي أنّ الشعوب لا تتقدم الا بالبناء و بمراكمة الخبرات و التجارب لا بمحوها….
و متى ندرك أن الدول لا تبنى الا بكفاءاتها و إطاراتها و أصحاب الخبرة فيها حتى و إن اختلفت ايديولوجياتهم ، متى نستغل هذه اللحظة التاريخية لتكون حكومة السيدة نجلاء بودن _ أول امرأة عربية تشغل منصبا بهذا المستوى _ حكومة تاريخية تحقق طموحات الشعب و آماله حكومة تكون قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية لتحقيق رفاه المواطنين و مستوى عيشهم في إطار من العدالة و المساواة و قادرة على إعادة الثقة إلى الشعب و توحيده و إرجاع اللحمة التي افتقدناها منذ 2011 بين أفراده.. حتى لا نعيش لطخة أخرى شبيهة بما عشناه مع حكومتي الرئيس السابقتين