وهْجُ نار

حدثني ابليس قال…

نشرت

في

شعرت بمغص في معدتي ربما من كثرة الأكل أو من قلّته لا أدري بالضبط…وبدأت بعدها أشعر ببعض الدوار وكأني سأسافر في اغماءة صغيرة لا أعرف كم ستدوم…

محمد الأطرش

وأنا على تلك الحال سمعت صوتا يناديني باسمي الثلاثي وكأنه أحد أفراد العائلة أو أحد الموظفين بالحالة المدنية ممن ينبشون كثيرا في دفاتر الآخرين…أجبت من ناداني بصوت خافت: من أنت يا من تناديني، صوتك غير مألوف عندي، من أنت؟ أجابني: ألم تعرفني يا ابن العمّ، أنا ابليس كنت مارا بجانب منزلك قلت أجالسك قليلا حتى يمرّ الوقت قبل موعد الإفطار…

أنا: ماذا ابليس…أتمزح معي…ابليس في بيتي…ولم ناديتني بابن العمّ هل أنت ابن عمّي حقّا…وما الذي أتى بك إلى حيّنا فلا أظنّ أن أحدا من سكان الحي يعرفك …؟

ابليس: جميعكم أبناء عمومتي ألا تدري؟ فقط هي الأيام فرقتنا…عُدت إليكم منذ أكثر من عشر سنوات تعبت من الغربة ومللت البقاء بعيدا عن الديار يا ابن العمّ…ألم تر أني في سنّ متقدّمة ولا أقدر على الحراك كثيرا فقررت العيش بينكم حتى يوم القيامة…هنا وجدت ضالتي ووجدت صبيانا يقومون بالعمل نيابة عنّي…أقسم بالوسواس الخنّاس أني وجدت بينكم ما لم أجده عند النصارى واليهود والهندوس وبقية الملل والطوائف…هم ملائكة مقارنة بمن وجدت بينكم…يا ابن العمّ…ههههه

أنا: أولا، لا تعدها لست ابن عمّك ولن أكون …ثانيا كيف تقول إنك تنتظر موعد الإفطار فهل أنت من الصائمين؟

ابليس: لا لا أنا لا اصوم…لكن موعد الإفطار هو الوقت الذي أكثر فيه التجوال بينكم لأوسوس لبعضكم ترك الصلاة والاكتفاء بالسهر ولعب الورق والقمار والسهر الى ساعة متأخرة حتى لا يستيقظوا باكرا للعمل وأشياء أخرى…

أنا: “الله يهلكك” وهل أنت سعيد بما تفعل يا ابليس؟

ابليس: سعيد جدا ألست أنا من فعل بكم ما أنتم فيه اليوم …أتتصوّر أن أوباما أو كوندوليزا رايس تحركت دون علمي ومشورتي ونصيحتي… أنا من اختار الزمان والمكان…ومن يجب أن نغريه بحرق نفسه…أنا من قام بثورتكم التي يفاخر بها بعضكم اليوم…أي نعم أنا…وبعضكم إلى يومنا هذا يستعيذون بالله منّي…إنهم أنكروا جميلي…ويحاربونني منذ عشر سنوات بعد أن خلصتهم ممن كان يمنعهم حتى من الحديث والتنظم…بربّك لا تذكرني بمصيبتي فكلما تذكرتها أبكي حالي بحرقة وألطم وجهي وأندب حظي العاثر …لا تذكّرني بهم يا ابن العمّ…

أنا: ووووووه …أغضبتني وقد أركلك إن لزم الأمر …ألم أقل لك لست ابن عمك ولن أكون، والله سأستعيذ بالله منك لو أعدتها مرّة أخرى، وقد أقرأ المعوذات من الشرور والآفات لأطردك…أتعني بما تقول أنك أنت من قاد ثورتهم التي يفاخرون بها هههه يا سلام والله صدقت يا ابن العمّ…..استغفر الله أنت لست ابن عمّي يا لك من شيطان بسرعة أغويتني بالعمومة فناديتك ابن العمّ أهلكك الله يا ابليس التعيس…هههه وهم يقولون إنهم “حاضنة الثورة”…يا الله كم أنت كريم كشفتهم وكشفت حالهم …هم تآمروا مع الشيطان لإزاحة منظومة بورقيبة وبن علي وتفقير الشعب وتجويعه….يا الله…

ابليس: يا عزيزي استحلفك بربّك ألا تقرأ المعوّذات في حضوري فإن أجزاء من جسدي تصاب بالشلل حيت تقرأ المعوّذات في حضوري… أنا… نعم أنا…أنا قائد ثورتهم التي طالما نسبوها لأنفسهم…أتعلم أني أنا من كان وراء الإضرابات…والاعتصامات…والتحركات…والقتل والتخريب…أعرف حتى “القناصة” ومن أوعز لهم بقتل الناس…أي نعم يا ابن العمّ أنا حاضن وقائد الثورة…وأنا سبب ما أنتم فيه منذ 14 جانفي…

أنا: لا تقل لي إنك أيضا وراء روابط حماية الثورة …ووراء ما وقع بالمؤسسات المنتجة …لا تقل لي إنك أنت وراء إغلاق مواقع الإنتاج وتعطيل المؤسسات…وحملات “ديقاج”…”الله يهلكك”…

ابليس: (بعد أن ضحك طويلا وبصوت عال) نعم أنا من كان وراء ذلك فجميعهم يأتمرون بأمري وينفذون أوامري ومخططاتي…أتريدني أن أقبل أن تعود الحياة عادية وطبيعية وتعود المعامل للإنتاج ويعود العمل بمواقع انتاج الفسفاط وتعود السياحة ويتواصل الاستثمار هنا….لا …لا تنتظر ذلك…فأنا وصبياني لن نقبل أبدا بذلك…كيف تريدني أن أعيش في بلاد تعرف الاستقرار ويكثر أهلها من الاستغفار وقراءة المعوّذات…فأنا ألهيهم بكل ما أوتيت من قوّة حتى لا يجدوا وقتا للاستغفار…نعم ألهيهم بالحروب بين بعضهم البعض…بغلق مواقع الإنتاج وتجويع جزء من الشعب…بخلق العداوات يوميا بين الجميع…بما يقال في المنابر التلفزية…

أنا: ولماذا اخترت تونس لتنهي أيامك الأخيرة فيها؟ أحكاية مناخ وطقس وطبيعة أم ماذا أم لأن بعض أقاربك يسكنون هنا؟

ابليس: صراحة لأني عرفت من خلال أحد أقاربي أن تونس هي البلد الوحيد التي يطيب فيها عيش الأبالسة وعائلاتهم وأصهارهم…هنا استوطن الحقد والبغضاء والنفاق والرياء…وهنا يطيب العيش للأبالسة وأحفادهم وكل أبناء ابليس الأكبر…أبناء عمومتي وإخوتي وأحفادي تجدهم حتى في قنواتكم التلفزية…في التاسعة ونسمة وفي الوطنية وفي الحوار التونسي وحنبعل وأتابع سلسلة “شوفلي حلّ”…وحتى الزيتونة لي فيها إخوة أعزاء يجاهدون كثيرا في سبيل إغراق الناس في الهمّ والغمّ…أتدري… لنا الكثير من الأتباع والأنصار هنا…أه نسيت…حتى قناتكم التعليمية الجديدة لنا فيها إخوة نحبهم…

أنا: يا لطيف…أنت على علم حتى بما حدث أخيرا …يا سلام…لا تقل لي إنك تعرف الناس بأسمائهم…ولا تقل لي أنك على علاقة بالكثير ممن نعرفهم…يا لطيف…أعوذ بالله مــ……(قاطعني ابليس صارخا متوسلا باكيا) ولأول مرّة أرى شيطانا يبكي…جاثما على ركبتيه…يا سلام ..أأنا قوي إلى هذا الحدّ…

ابليس: لا تكمل…لا تكمل…(جيتك بجاه ربك ) لا تكمل أنت تؤلمني…يا ابن العمّ…

(سخفني العزاء)

أنا: لن استعيذ بالله منك ما لم تنادني بابن العمّ…اتفقنا…

ابليس: اتفقنا هات رأسك لأقبلها…(أبعدت رأسي خوفا من أن يلمسها أو يقبّلها وقلت متمتما “تبوسك لفعه”)

أنا: يا ابليس قل لي وأنت الذي توسوس في صدور الناس…هل تعرف أوضاع البلاد اليوم وهل من حلّ لما نعيشه؟

ابليس: أنت تعرف يا صديقي (صرخت في وجهه…لست صديقا لك) …

ابليس: أنت تعرف أني أحد أسباب ما أنتم فيه…فالأحقاد والكراهية والخلافات هي من مخططاتي وكلّفت صبياني بنشرها بينكم…وصبياني هم كما ذكرت لك سابقا هم من يزعمون أنهم أصحاب الثورة وحاضنتها…أقول صبياني هم من نشروا الحقد بينكم جميعا…ولن يهدأ لي بال وحال قبل أن أنشر الفتنة بينكم…حينها قد أغادركم إلى بلاد أكثر استقرارا لألحقها بصفوف الخراب…

أنا: ولماذا تفعل بنا كل ذلك؟ وهل لي أن أعرف قائمة صبيانك في تونس اليوم؟

ابليس: لا مستحيل فنحن لا ننشر وثائقنا السرّية، الخونة فقط يسربون وثائقهم السريّة للعامة أما نحن فلا نخون ولا نغدر ولا نطعن من خلف…كنت أتصوّرك ذكيّا بما فيه الكفاية حتى تعرف من هم صبيان ابليس في بلادكم…علما بأن لي الكثير من الصبيان من المنظومة السابقة وهم كثر أيضا لكنهم لا يطبقون تعليماتي كاملة…يناورون كثيرا…ولهم حسنة واحدة بمنظوركم أنتم …هم لا يخربون أوطانهم…

أنا: ومتى يا ترى تنتهي أوجاع هذه البلاد يا كبير الأبالسة؟

ابليس: لن تنتهي ما لم يخرج صبياني من دياركم أو يحكمكم جيل جديد من الساسة لا علاقة لهم بمن خرجوا عليكم سنة 2011 وزعموا أنهم حاضنة الثورة وأنهم جاؤوا لإخراجكم مما أنتم فيه …

أنا: ومتى يكون ذلك يا ابليس؟ إن الشعب بدأ يجوع …وخزائن البلاد بدأت تفرغ…والفتنة بدأت تطل برأسها …ألا تفعل شيئا من أجل البلاد التي احتضنتك أخذا بخاطري أنا من اخترته لهذه الدردشة الهامة والشيّقة…

ابليس: نصيحتي للمشيشي أن يخرج مسرعا من القصبة قبل أن يخرجوه…ونصيحتي لساكن باردو أن يحمل حقيبته ويرحل قبل فوات الأوان…ونصيحتي …لا لن أضيف كنت أتصوّر أني أنا من سيغويك …فوجدت نفسي أتحدث عن أسرار لا يجب أن أتحدّث فيها…أغويتني…وكأني بك تعلمت بعض ما تعلمناه منذ ملايين السنين…ما أقواك يا صديـــ…..( هاني سكتت لا تقرأ المعوذات بربك)…

أنا: ماذا….أتعرف المشيشي أيضا…ولماذا لم تكمل يا ابليس…؟؟

ابليس: (وهو يضحك عاليا) …أعرف المشيشي وجميع من يحكمكم منذ عشر سنوات وأكثر…ولي علاقات وطيدة جدا بهم جميعا…ونلتقي أحيانا يوميا…

أنا: وهل تعرف الغنوشي أيضا؟؟

ابليس: محمد أم راشد…أعرف الجميع…وبالنسبة لراشد عرفته في حامة قابس حين ذهبت لقضاء فترة من النقاهة بحمامات المياه الساخنة بعد حادث وقع لي في العاصمة…أما سي محمد فهو رجل طيب لم أنجح في استمالته إلى صفّنا …أتعلم أن رجالات المنظومة القديمة أرهقوني كثيرا ولم أنجح في استمالة الكثير منهم لذلك لم أجد ضالتي كثيرا في عهودهم القديمة…

أنا: حادث…(ضحكت ملء شدقي…ابليس يستحم…ويريد طيابا أيضا…ابليس في الحامة) وهل تتعرضون أنتم معشر الشياطين إلى حوادث مرور؟

ابليس: ما أقواك…تفطنت للحادث رغم ما ذكرته بعده…أنت ذكي جدا…حكاية الحادث هي أني تعرضت للركل خطأ وليس حادث مرور وذلك أثناء التحركات التي أساءت لقوات الأمن التونسي بالعاصمة تعرضت للركل من أحد المتظاهرين ربما كان ذلك عن خطأ …

أنا: لا تقل أنك تتظاهر مع المتظاهرين أيضا؟ لا تقل لي أنك تسيء لقواتنا الأمنية أيضا؟ يا لك من شيطان رجيم…

ابليس: لا..لا…لا…لكن أنا من أوعز للمتظاهرين أن أخرجوا عن الصراط المستقيم…(قالها ضحكا)..

أنا: وماذا عن المشهد السياسي بالبلاد اليوم…؟؟

ابليس: صراحة …سأبوح لك ببعض الأسرار لأنك قبلت بمجالستي والحديث معي…صراحة لي ابنة عمّ وعدتها بمساعدتها في فكّ شفرة المشهد ونسيت ذلك فاغتاظت واقسمت بالوسواس الخناس أن تنتقم منّي وممن أساندهم وأوسوس في صدورهم وقد بدأت نكاية في شخصي بتفكيك منظومة القصبة باردو على طريقتها وقد تنجح في ذلك ولا غرابة إن تطوّرت الأمور إلى ما لا تحمد عقباه….وليكن في علمك أني لست مسؤولا عمّا قد يقع في البلاد في قادم الأشهر فابنة عمّي كما أخبرتك تقف خلف كل ما يجري في البلاد …وقد يعود الوفد المسافر إلى واشنطن بخفي حنين …

أنا: ماذا…لك ابنة عمّ…وشيطانة أيضا…؟؟ وتعلم أيضا بالوفد المسافر إلى واشنطن للمفاوضة …”الله يهلكك”…

ابليس: نعم لي ابنة عمّ وخطيرة مثلي وأكثر…ولي خلاف كبير معها اليوم ولن تتركني قبل أن تدمّر كل من أغويتهم ومن أوسوس في صدورهم…ولا تعمل بمفردها …فهي تتبع ابن خالي الشيطان الأعور الأكبر…

أنا: وهل يمكن أن أعرف أين يقطن هؤلاء جميعا وأقصد إخوانك وصبيانك؟ أم أنك لا تعرف…

ابليس: أعتذر الآن حان وقت جلستي مع بعض صبياني من نواب مجلسكم فأنا مدمن على “الشيشة” سألتقيك لاحقا لنكمل حديثنا….

أنا: ماذا “شيشة”…استحلفك بالوسواس الخناس أن تقول لي أين تقطن أنت ومن معك وصبيانك ؟؟

ابليس: ابحثوا في القصور…وفي بعض الساحات…وفي بعض المنازل الفاخرة…

أنا: أية قصور وأية ساحات؟ هل تعني قصر الحكومة أم قصر باردو أم قصر قرطاج وما تقصده بالساحات…؟

ابليس: لا يمكن أن أكشف سرا لا يعنيك …علما بأن علاقاتي بالحكومات والسلطة عموما منذ عشر سنوات كبيرة جدا…جدا…جدااااااااا….

أنا: نعم…؟؟ هل يعني أن حكوماتنا منذ عشر سنوات تربط علاقات أخوية مع ابليس ولا تربطها مع بعض الدول الشقيقة…ماذا تقصد هل سيمنعونني من أن استعيذ بالله منك مستقبلا وأنت صديق الحكومة…فقد تعاقبني الحكومة لو سمعني أحد صبيانها وأنا أقول “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”…فقد تظنّ أنها المعنية بما أقول …وحفاظا على علاقات الأخوة والجوار بينكما قد أجد نفس من المغضوب عنهم… أعوذ بالله من الشيطان الرجيم…

هنا سكت ابليس وكأني به خرج مسرعا بعد سماعه لتعويذتي…التفتت يمنة ويسرة فلم أجد غير صديقي عبد السلام الممرّض وهو يقول لي “الحمد لله على سلامتك” سألته ما الذي وقع لي…أجاب أنه أغمي علي فأخذوني لأقرب مستشفى …قلت الحمد لله…وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم…غضب الممرض وصرخ في وجهي قائلا: ما حكايتك “من بكري وانت تستعوذ ريتنا شياطين قدامك”…نظرت إليه وانفجرت ضاحكا ورويت له ما وقع معي…وأعطاني قرصا من الأسبيرين فسألته: هل يبعد قرصك هذا ابليس ؟؟ فضحك …وضحكنا…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version