جور نار

حذار … مدرسة !

نشرت

في

حادثة اختطاف التلميذتين من إعدادية الهضاب (“ليسيه” الجبّانة كما تسمّى بحكم ملاصقتها لمقبرة فوشانة) قلت حادثة الاختطاف روّعت منطقة كاملة و مناطق … لا لأنها نادرة الوقوع في وقتنا المنفلت العقال، بل لأن الكأس فاضت و المأساة تمادت و النفوس عيل صبرها …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

عيل الصبر تماما كما حصل بالبلاد يوم 25 جويلية الماضي … و لم يعد ممكنا تحمّل أوضاع مدارسنا التي صارت أرحم و هي مغلقة مما هي عليه و هي مفتوحة تشتغل … و لم نعد نتحدث عن تربية و بيداغوجيا و برامج و نوعية تعليم و امتحانات و نسب نجاح و آفاق مستقبل … بل صار شغلنا الشاغل سلامة الأبناء و البنات و كلّ من يؤمّ مؤسسة التدريس، سلامتهم الجسدية من اعتداءات البشر و حتى الحجر … و في البال مدرسة أخرى في الكرم سقط سقفها، و أكيد أنها ليست الوحيدة، و مدارس أخرى أصبح الأولياء يمنعون أبناءهم من التردد عليها و هي العارية من أي سور و غير ذلك و غير ذلك …

الزمن يتقدم في كل مجال عند الآخرين و عندنا أيضا، إلا في المدارس العمومية خاصة … و قد تطورت البلاد رغما عنها عبر الزمن، صارت هناك سيارات أكثر، و سلع استهلاكية، و بنى تحتية مختلفة، و فنادق سياحية ألف مرة أكثر من فترة الستينات، و كذلك ما يتوفر في البيوت من ماء و كهرباء و هواتف جوّالة و ثابتة إلخ … ما هو متاح اليوم للأجيال الجديدة لا يمكن أن يقارن بين الأمس و اليوم و كأنك مررت من القرن السادس عشر إلى القرن 21 … و من المفترض أن تكون تونس العلمية أقوى و أغزر تحصيلا و إنتاجا عما كانت عليه قبل خمسين ستين سنة …

و لكن عندما تعثر في مدرسة ابتدائية أو إعدادية أو معهد ثانوي أو حتى مؤسسة جامعية من القطاع العام، تشعر أننا نحن الذين كنا في القرن الحادي و العشرين، و جيل الحال في زمن فتيلة الزيت و محراث الخشب … لا وجه للمقارنة بين أكواخ اليوم، و بين بنايات كنا نقصدها و نحن صغار فإذا هي الأجمل و الأنظف و الأوسع و الأعلى بين بنايات مدننا و قرانا … الصادقية كانت في شموخ قصر الحكومة و أكبر، المعهد العلوي كان على مهابة وزارة دفاع، معهد الوردية كان يسيطر على كامل المدخل الجنوبي للعاصمة، معهد خزندار كان منارة البوابة الغربية  … و كذا كانت معاهد و مدارس الكاف و باجة و صفاقس و سوسة و قفصة و نابل و مدنين و قابس و بنزرت و باقي ولايات الجمهورية الستة عشر وقتها … كانت أعلاما على رأسها أعلام.

لن نطيل أكثر في المقارنات، فكفاني يا قلب ما أحمل … و لكن ها أننا نرى نتيجة التخلّي عن التعليم و خوصصته المقنّعة في بلادنا و على مصير أولادنا … و لم يفدنا التعليم الخاص بأي شيء و لن يفيد … و شتّان بين استثمار دولة و شعب في بناء الإنسان، و بين دكاكين تجارية قميئة المقصد و المردود الوطني … لهذا صرنا مختصين في إنتاج المنحرفين و الدواعش و الحارقين و حارقي أنفسهم و بائعي ضمائرهم و أكداس رهيبة من الصفر فاصل في التفكير و الثقافة و التحضّر …

و على المطالبين اليوم بحلّ البرلمان، أن يطالبوا أوّلا بحلّ منظومة تربوية موبوءة لن تعطيك أفضل من هذا البرلمان … لو رجع يوما …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version