جور نار

حقائق أفرزتها المعركة… أتمنّى أن لا يلفّها النسيان سريعا !

نشرت

في

عمرها 79 سنة أنا أكبر من إسرائيل

اللحظة عظيمة ومكثّفة، لأنّها عرّت المستور وأذْكت جمرة المقاومة التي هدّدها الانطفاء وعدّلت عقارب ساعات العالم المختلّة ونسّبت ما خِلناه حقائق كونية ثابتة وأربكت حساباتهم المُستندة إلى قواعد البيانات لا إلى بيانات القلب الفلسطيني الذي لا يموت، لأنه قُدَّ من نخلٍ وتوت… وهذه الأشجار إن ماتت… تموت واقفة أو  لا تموت.

<strong>منصف الخميري<strong>

صحيح أن دقّة اللحظة التي يعيشها الشعب الفلسطيني اليوم وحجم الدمار الهيروشيمي المخيّم  في سائر قرى غزّة وخطر حدوث موجة تهجير قسري جديدة واسعة النطاق، تُضاف إلى الحملات السابقة التي أفرغت أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين من سكّانها الأصليين… كل هذا يستدعي توحيد جهود المقاومة ولملمة أصواتها وأصوات سائر الأحرار في العالم والبحث الدائم عمّا يوحّد، بدلا من النّبش في ما يفرّق ويُثير مزيد التصدّعات في حائط عربي وفلسطيني متصدّع أصلا، لكن التفكير الهادئ وإعمال منطق المتابعة اليقِظة لما يجري بعيدا عن المغازلة أو الحذر المبالغ فيهما وركوب موجات الحماسة العالية، قد يُفيد كثيرا هو الآخر ويقينا تكرّر أخطاء الماضي ويضمن حسن الاستعداد لخوض الجولات القادمة على مسار معركة مصيرية سيُواجه خلالها الفلسطينيون والعرب (المُمانعون) جيوش العالم بأسره.

علينا أن نتذكّر جيدا بعد انقضاء هذه الجولة بأثقل ما يمكن من خسائر في صفوف الغاصبين الحقائق التالية :

____الديمقراطية ومنظومة حقوق الانسان على الطراز الأوروبي والأمريكي مظلّة للهيمنة والقهر لا تظلّل إلا معتنقيها.

ردّة فعل الإعلام الغربي على إثر عملية 07 أكتوبر ضد الكيان الصهيوني، فضحت بشكل غير مسبوق حقيقة الموقف الرسمي الأوروبي والأمريكي حيال الصراع العربي الصهيوني المستلّ مباشرة من قلب أبشع مشروع استعماري استيطاني على مرّ التاريخ يقضي بمحو هويّة شعب أصلي واستبداله بعصابات ومجاميع أتوا بها على ظهور البوارج من كل أنحاء العالم. وقد قادهم هذا إلى صياغة خطاب على القياس تحوّل بموجبه المقاوم إلى إرهابي والمستشفيات الفلسطينية إلى مؤسسات تابعة لحماس ويستعملون مصطلح “داعش” لاستدعاء كل آثام الدنيا، والحال أن دولة الكيان نفسها ومستشفياتها استقبلت بالأحضان جرحى الفصائل الداعشية ومصابيها أيام حربها في سوريا… والأراضي الفلسطينية المحتلة أضحت “مناطق إسرائيلية آمنة” تمّ استهدافها وخطف متساكنيها… وغيرها من الأكاذيب التاريخية التي بدأ الإعلام الغربي نفسه يخجل من تسويقها، وهو في تقديري كسبٌ تاريخي لا يُستهان به لأنه يعكس خوف مراكز دعايتهم من ردود فعل شارع متحفّز قال لا للتضليل والمغالطات.

___ مغادرة الثنائيات التقليدية أمر حتمي

ثمة نزعة عامة من الطرفين نحو تغليف الصراع بغلاف ديني وتصويره على كونه صراعا بين مسلمين ويهود، والحال أن بعض المسلمين أشدّ قسوة على إخوانهم في غزة وأن بعض اليهود يتظاهرون يوميا لإيقاف المجزرة، وأن المسيحيين وكنائسهم لم يسلموا في القدس وبعض المدن الفلسطينية الأخرى من بطش الغزاة وفتكهم. لا يحقّ لنا كأصحاب قضية إنسانية عادلة أن نكون جحودين إزاء أصوات حرّة ارتفعت في كل أصقاع العالم وواجهت الآلة الدعائية الجهنمية المجندة في خدمة أجهزة الانتقام الصهيوني مثل ميلونشون وديودونيه وفيليب بوتو ومانويل بومبار في فرنسا، وغوستافو بيترو الرئيس الكولومبي، وميك والاس وكلارا دالي عضويْ البرلمان الأوروبي، ودوستين هوفمان الذي قال أن “الانسانية توقف مسارها يوم أُسّست إسرائيل” وموقف فيلسوف اللغات شومسكي من الحصار الإجرامي، الخ… ولا ننسى تاريخيا أن رموزا كثيرة من جنسيات أخرى لا يجمعنا بها سوى الإيمان بالقيم الانسانية العليا مثل عضو الجيش الأحمر الياباني كوزو أوكاموتو المنفّذ لعملية مطار اللدّ، والمناضلة الأمريكية راشيل كوري التي دهستها الجرّافة الاسرائيلية في جنوب غزة، والإيطالي فرانكو فونتانا الذي حارب في صفوف المقاومة الفلسطينية بلبنان طيلة 22 عاما، إلى جانب مئات المناضلين الأمميين من كوبا ومن أمريكا الجنوبية ومن كل أنحاء الدنيا.

يُذكر في هذا الخصوص أن هذا المقاتل الحالم فونتانا، الذي تشبه قصته إلى حد ما المقاتل الثوري تشي غيفارا، كتب في وصيته قائلا : “قد أموت ولا أشهد تحرير فلسطين، ولكن أبنائي أو أحفادي حتما سيرون تحريرها، وعندها سيدركون قيمة ما قدّمته لهذه الأرض الطيبة ولهذا الشعب الصلب“.

وحتى كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية تجرّأ على القول “إنّ فلسطين هي قضية ليست للعرب والمسلمين فحسب، بل إنها مسألة حرية”.

___ التظاهر والمقاطعة وإرضاع أطفالنا الحليب الفلسطيني و”الحرب الإلكترونية” على العدوّ أشكال مُرحّب بها، ولكن في غير قطيعة مع حتميّة اكتساب المناعة المعرفية والثقافية والاقتصادية

لا أُنكر شخصيا أن البيوت والبناءات مُدمّرة هناك والقلوب دامية هنا، وأن الماء والطعام منعدمان لدى أهلنا هناك ولذّة الشرب والأكل شاردة هنا، ولكن الجلوس لساعات طوال في مقاهٍ دخانيّة أمام شاشة الجزيرة لمشاهدة نفس المشهد عشرات المرات لا يُفيد القضية في شيء بل يُرسّخ خمولنا ويُعطينا شمّاعة إضافية نُعلّق عليها خيباتنا ومآسينا التي لا تنتهي.

ولا أُنكر كذلك أن رؤية الغرب السّاعي بكل قواه إلى التكفير عن ذنوب لم نقترفها، لشوارع عربية غاصّة بالتلاميذ والطلبة المُنادين بطرد المحتلّ وإرجاعه من حيث جاء بدلا من “حلّ الدّولتين” كخطوة تنازليّة عربية وفلسطينية مهزومة أسقطتها التوازنات الجديدة … يُفسد اطمئنانهم ويجعلهم يقرؤون ألف حساب لما سيكون عليه التزام الأجيال القادمة وانخراطها في مسار استعادة ما سُلب من أجدادها بالقوة، ولكن ترك الأقسام لأيام عديدة ومقاطعة اللغات الأجنبية (باعتبارها لغات المستعمرين والمؤيدين للمستوطنين) وترويج منطق “باش تنفعنا القراية وماناش خير مالأطفال في غزة الّي مدارسهم طاحت”… هي أحيانا مجرّد ملاذات ذهنية تُعبّر عن تفصٍّ من المسؤولية وتبرير هُزال النتائج النهائية التي لا تعبأ مُطلقا بحقيقة الظروف المتسبّبة فيها. علما بأن نفس هذه الظاهرة غير الطبيعية عشناها مع كل اللحظات التاريخية التي هزّت الوجدان العربي، وعشناها كذلك مع سلسلة الإضرابات الطويلة وحملات المقاطعة والحجب ولكن تلاميذ وطلبة القطاع الخاص (خاصة في الثانوي والتعليم العالي) لم ينخرطوا بصفة عامة في حملات الجيَشان (أو هم عبّروا عمّا يختلج في صدورهم بشكل متوازن) وحقّقوا نتائج أفضل مكّنتهم من يُسرِ في العبور وسهولة في المرور نحو شواطئ أكثر أمنا ومناعة. 

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version