تابعنا على

جور نار

حكايات صالحة للقِسم … وخارجه (1)

نشرت

في

الحَكْي بصورة عامة ممتع والاستماع إلى الحكايات مُبهج ولكن بشرط أن يكون الرّاوي خفيف الروح ويتملّك القدرة على شدّ انتباه سامعيه، وأن تكون الحكاية حاملة لمعنى ومُروّجة لقيمة ويمكن أن تُشكّل منطلقا لتعميق الخوض في قضايا انسانية كبرى مثل الحرية والحب والعمل والتفاؤل والأمل والتعايش …

القصص والحكايات تُضفي معنى وتُنتج مشاعر وأحاسيس وانفعالات وتُمتع السامع ويسهُل تقاسمها وتضع الأطفال (خاصة) في مواجهة جيدة مع أفكار جميلة وأشياء طريفة يكتشفونها لأول مرة وتفتح طريقا رحبا أمام التفكير “الفلسفي” حول قيم إنسانية إيجابية يجب غرسها في تربتنا …

منصف الخميري Moncef Khemiri
<strong>منصف الخميري<strong>

أعتقد شخصيا أن أسلوب الحكي كمهارة بيداغوجية يكتسب في سياق التعليم والتعلّم قدرا كبيرا من الفاعلية والنجاعة التبليغيّة خاصة عندما يكون هادفا ومحبوكا ويختار له مؤدّيه نبرة مؤثّرة (بتلقائية صادقة وفي غير تلاعب بعواطف الناس كما يفعل دعاة الفتنة الدينية والتنمية البشرية) وأسلوب سرديّ مُحفّز يتوفر على قيمة تربوية أو فلسفية أو بيداغوجية مُضافة.

هذه بعض الحكايات التي جرّبتها شخصيا مع أطفال وكهول في سياقات تعليمية وتربوية مختلفة وكان لها في كل مرة تأثير إيجابي ومنافع تفوق بكثير حصص القصف النظري المملّ والاجترار الركيك لمضامين أوراق بيداغوجية اصفرّت وشاخت ولم يعد لها طعم ولا فائدة.

حكاية كسّار الحجارة : في قيمة التّنسيب وأهمية بذل الجهد وفق أهداف ومرامي

كان الكاتب والشاعر الفرنسي شارل بيغوي (توفي سنة 1914) في طريقه إلى مدينة شارتر، ومرّ برجل على حافّة الطريق بصدد تكسير الحجارة والعرق يتصبّب من كل جسده وكانت تبدو عليه ملامح التعب والنقمة والضّجر، وجهه شاحب وملامحه داكنة. توقّف شارل بيغوي وسأله بعد التحية : ماذا أنت فاعل يا رجل ؟

أجابه كسّار الحجارة : “كما ترى، أنا بصدد تفتيت الحجارة لا أكثر”، مضيفا في مرارة بارزة :  “ظهري يؤلمني، أحسّ بعطش شديد، آخر وجبة أكْل تناولتُها مرّ عليها أكثر من ستّ ساعات، ولكنّني للأسف لم أستطع الحصول على ما هو أفضل من هذا العمل المّضني والأحمق”.

واصل المسافر سيره نحو وِجهته فمرّ برجل ثان يُكسّر الحجارة هو الآخر لكن حالته تبدو أفضل بقليل من الرجل الأول وثمة شيء من الهدوء والانسجام في حركاته. بادره بيغوي بالتحية والسؤال “ما هذا العمل الذي تقوم به سيدي ؟”

“أنا كسّار حجارة، هو عمل شاق كما تلاحظ لكنه يسمح لي يإعالة زوجتي وأولادي”…قبل أن يستردّ أنفاسه ويضيف في ابتسامة خفيفة “وعلى أية حال، أنا أعمل في الهواء الطلق وصحتي جيدة ومن المؤكد أن هنالك وضعيات مهنية أكثر ضراوة من هذه”.

تمنّى له شارل بيغوي حظا موفورا وواصل طريقه باتجاه شارتر فعثر على كسّار ثالث بملامح مختلفة تماما عن الأول والثاني. كان مبتسما ناشطا تحدوه حماسة وإقبال على مهمة تكسير الحجارة وتهذيب نتوءاتها وصقلها قبل ترصيفها. سأله الشاعر المسافر “ما هذا العمل يا سيدي؟” أجابه الحجّار الثالث : “ألا ترى، أنا بصدد تشييد كاتدرائية !”.

(تذوّق بهجة التفكير في تحقيق الحلم قبل تحقّقه إذ تُذيب آثار الأتعاب وتُزيل آلام المُكابدة).

وفي سياقنا التونسي، كنت أطلب من المستمعين أن يضعوا بدل الكاتدرائية بما شاءوا : مسجدا غرناطيا أو قصرا قرطاجيا أو مدرسة بمواصفات عالمية لأطفال مينة الطويرف.

أسطورة الكوليبري (أو الطائر الطنّان كما يسمّيه العرب) : ليس لأننا لا نستطيع أن نفعل كل شيء حتى لا نفعل أي شيء

الكوليبري عصفور غريب لأن الدّارسين يؤكدون أنه يتمتع بخاصيات نادرة جدا، فهو أصغر طائر في الكون ويستحوذ على كل الأرقام القياسية حيث يقدر على الطيران إلى الخلف عكس الطيور الأخرى ويستطيع جعل جناحيه يخفقان إلى حدود 200 مرة في الثانية، له إمكانيات ذهنية هائلة، يأكل 3 مرات قدر وزنه من رحيق الزهور.

ذات يوم (جرّبوا التوقّف أثناء الدرس وقولوا لتلامذتكم أو طلبتكم، أصمتوا قليلا، ثم قولوا لهم ما رأيكم لو أروي لكم قصة…؟ ولاحظوا جميع الأعين التي تتجه نحوكم ويصمت الجميع وتشرئب الأعناق ويشرعون في الاصغاء إليكم من الأعماق)… إذن ذات يوم تقول الأسطورة، يحكى أن حريقا ضخما شبّ في الغاب وكانت جموع الحيوانات هناك بصدد مشاهده النيران تلتهم أشجارها وأوكارها وجحورها ولكنها كانت في حالة وُجوم لا تُبادر بفعل أي شيء. في تلك الأثناء كان الكوليبري – أصغر طائر فوق الأرض- الحيوان الوحيد الذي ينتفض متنقّلا في حركة ذهاب وإياب لا تنتهي إلى غدير قريب من موقع الحريق ليعود في كل مرة ببعض القطرات من الماء ويسكبها على النيران علّها تنطفئ. تضايقت بقية الحيوانات وانزعجت، فقال له أحدهم…

 جرّبوا عند هذا الحدّ فتح قوس لتُسرّبوا المعلومة التالية (قد يكون حيوان الكوالا الذي يرقد 22 ساعة في اليوم)… الضحكة المرحة مؤكّدة.

إذن قال له الكوالا مثلا، والسخرية تعلو محيّاه  “ألا يكفيك هذا السّخف والجنون، أتعتقد حقا أنك تستطيع بواسطة هذه القُطيرات إطفاء حريق بهذا الحجم ؟”

أجابهم الكوليبري “بالتأكيد لا، ولكنني أقوم بنصيبي من الواجب“… وطار نحو البحيرة مرة أخرى.

حكاية كارل والندا. لا تفكّر بإمكانية الفشل وأنت تباشر مهمّة ما

كارل والندا هو رياضي بهلواني ألماني-أمريكي اشتهر بالمشي على الحبال المشدودة بين ناطحات السحاب وفوق شلالات نياغارا، وغالبا ما يكون ذلك من دون شباك للنجدة. توفي في سان خوان ببورتو ريكو في سن الــ 73 سنة أمام الملأ من علوّ شاهق يقدر بـ 37 مترا .

هذا البهلواني وهب اسمه لأثر متداول في علم النفس الاجتماعي وهو “أثر أو عقلية والندا”.

بعد وفاته، سألوا زوجته هيلين عما حدث مع زوجها وهو الذي تعوّد على قهر الأعالي والمحافظة على توازنه مهما اشتدت قوة الرياح العاتية.

أجابت هيلين بأن كارل كان طوال حياته وقبل تنفيذ مشيته الهوائية يُركز كل طاقته على استكمال مساره بنجاح وكان يردّد دائما أن مؤهلاته ورصيد تدريباته تسمح له بذلك.  ولكنه في الآونة الأخيرة لاحظت تغيّرا كبيرا في سلوكه حيث أصبح متهيّبا في كل مرة، وأضحى تدريجيّا يعتبر أن السقوط وارد على كل حال وبالتالي عليه أن يركز كل جهوده وطاقته الذهنية لكي لا يسقط وليس لكي يمشي على الحبل…حتى سقط ومات.

ويُستعمل اليوم “أثر والندا” خاصة في التعبير عن قدرة الاستمرار في متابعة غايات إيجابية بتوظيف كامل الطاقة في تنفيذ المهمة المسطّرة دون الالتفات إلى الوراء أو التندّم على أحداث من الماضي.  تماما كما كان كارل والندا في بداياته، كل طاقته وكل انتباهه متجهان نحو الهدف، نحو التقدم ولم يفكر قطّ في احتمال الفشل والسقوط. فالنجاح ينبع من إيمان أزلي هو : القلب المقدام لا يعرف المستحيل.

A cœur vaillant, rien d’impossible

أكمل القراءة
تعليق واحد

تعليق واحد

    اترك تعليقا

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    جور نار

    ورقات يتيم … الورقة 89

    نشرت

    في

    عبد الكريم قطاطة:

    فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

    عبد الكريم قطاطة

    وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

    وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

    قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

    لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

    وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

    سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

    عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

    وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

    ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

    ـ يتبع ـ

    أكمل القراءة

    جور نار

    ورقات يتيم ..الورقة 88

    نشرت

    في

    عبد الكريم قطاطة:

    المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

    عبد الكريم قطاطة

    وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

    في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

    اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

    اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

    لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

    في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

    عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

    اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

    ـ يتبع ـ

    أكمل القراءة

    جور نار

    التقصي عن أمراض السكري وضغط الدم… وليس عن أعوان التلفزة!

    نشرت

    في

    محمد الزمزاري:

    انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.

    محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

    يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.

    الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.

    طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.

    وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.

    أكمل القراءة

    صن نار