بعد انتهاء الملتقى الاقتصادي بين تركيا والدول العربية الذي تم تنظيمه بإسطنبول وخاصة ما شهده معرض تونس من حضور متميز، وجب علينا كاعلاميين التذكير بعدد من المعطيات الهامة المتعلقة بنوعية التعاون التونسي التركي في المجال الاقتصادي.
لقد خلفت العشرية الاخوانية عددا من الاختلالات المتعددة والواضحة للعيان، خاصة في كم التبادل التجاري و الصناعي بين تونس و الأتراك، والذي اتسم بشكل من أشكال الاستعمار ما دام واقع ميزان التصدير و الاستيراد بيننا يحمل هذه المواصفات:
انطلاقا من سنة 2013 إلى حدود 2022 بلغت نسبة الواردات من السلع التركية على الاقل 70 بالمائة مقابل صادرات تجاه تركيا لا تتعدى 30 بالمائة. هذا من حيث كم الميزان التجاري بين البلدين “الشقيقين”، أما على مستويات أخرى فقد تم اغراق السوق التونسية بالسلع التركية بما فيها تلك التي لا تدخل في إطار حاجيات السوق واولويات الشعب التونسي، ومنها خاصة ما ضربت و تضرب لحدود هذا اليوم مصالح فلاحينا.
و كان بالإمكان ورغم هذا، تقبل ذلك الوضع الرديء لو عرفت السوق الوطنية توازنات اقتصادية ممثلة في تقليص بعض الأسعار عملا بقانون العرض الذي أغرق سوقنا وعدم تغير الطلب، لكن العكس هو الذي فرضته السلع التركية الموازية لانتاجنا الفلاحي و الصناعي، و الأمثلة الميدانية التي تابعتها شخصيا منذ 2013 ودون تقديم قائمة طويلة، تستوجب ذكر اطنان الحبوب و الفواكه الجافة التي تضاعف سعرها مرات عدة (اللوز، الشريحة، الحمص، “قلوب” تركيا…) وسلعا أخرى منافسة بشكل غير عادل لانتاجنا الوطني المضروب في مقتل والذي لم يجد بدا من تعديل أسعاره بدوره رغم جودته الأفضل من السلع الدخيلة.
بالإضافة إلى ذلك فقد شهدت السوق تدفقات مهولة أخرى من الأواني المنزلية الرديئة الصنع والتي يقتنيها التجار الأتراك من رومانيا لإعادة بيعها إصناعيينا وحرفيينا في هذا الاختصاص …كما لا ننس أيضا مثال سخانات المياه (les chaudières) الإسبانية الصنع التي اكتسحت بلادنا عبر القنوات التركية التي “حرصت مشكورة ” على إعادة بيعها الينا مبنفس طريقة الأواني المنزلية.
لقد طرحنا هذه المعطيات لنذكر بفظاعة اختلال الميزان التجاري بين تونس وتركيا، رغم أن الدولة التونسية عملت في ما بعد على التقليص من هذا التفاوت المضر باقتصادنا الوطنى إنتاجا و استهلاكا ليصل إلى تخريب الدورة الصناعية و الاقتصادية. وقد استمعت إلى تدخل سفير تونس الذي يبذل جهدا جليّا لمقاومة هذا الإجحاف متجاوز ا مهامه النمطية كسفير وهو ما كان يكتفي به سفراؤنا السابقون. لكن المطلوب اليوم هو ضرورة التعامل التجاري المتوازن بيننا و بين الأتراك سواء في ما يتعلق بحماية انتاجنا الصناعي أو منتجاتنا الزراعية و تغيير شكل المبادلات التي يجب ألا اضع في حسبانها سوى مصالح الوطن.
ان العقلية المقاولاتية لدى الأتراك تستوجب تعميقا لدراسة جدوى المشاريع و أشكال المبادلات وحصرها في نسب متقاربة جدا على الاقل، ليدرك هؤلاء الأتراك ان مرحلة الغش و تسويق ما يرغبون في تسويقه قد ولت وانقضت وانقرضت مع أصحابها.