جور نار

حينما دافع محمّد وعمر … عن بيريز وشيمون

نشرت

في

D8B4D8B9D8A7D8B12BD8A7D984D8ACD985D987D988D8B1D98AD991D8A92BD8A7D984D8AAD991D988D986D8B3D98AD991D8A9png

كنت أعلم أن فيروز مسيحيـّة … و لكنـّي لم أكن أعلم أنها أرثوذكسيـّة، لم أنتبه يوما الى أنّ نزار قباني شيعي علوي، ولا أنّ بدر شاكر السياب سنّي، و عمر الشـريف من أصل مسيحي كاثوليكي، و لا أن الماغوط  شيعي إسماعيلي، أما أدونيس وبدوي الجبل فلم أكن أعلم أنهما علويان، ولا أن فارس الخوري مسيحي، ولم أكترث لكون ليلى مراد يهودية الأصل … لم أكن أتخيـّل نفسي يوما أنني أصنـّف دريد لحام و كاظم الساهر و ناظم الغزالي في خانة الشـيعة، و لا يوسف وهبي، وفؤاد المهندس على أنهما مسلمان” …

<strong>عبير عميش<strong>

تذكّرت هذه العبارات – التي يُجهَلُ قائلها – و أنا أتابع العمليّة الإرهابيّة في جربة و أرى امتزاج الدّم المسلم بالدّم اليهودي و دفاع محمّد وعمر و عبد الله  عن بيريز و حاييم  و شيمون .. وأدركت أنّ ما يجمع أكثر ممّا يفرّق و أن الإنسان أبقى … فكلّ من ذُكِروا كانوا نجوما وشعراء وأدباء لذواتهم، لا لطوائفهم..   تجمعهم الإنسانيّة أكثر ممّا تفرّقهم دياناتهم و طوائفهم و انتماءاتهم  … و من ماتوا و من أصيبوا في الغريبة لا فرق فيهم بين مسلم و يهودي ..

اليهود استقروا في تونس منذ آلاف السنين و من حقّهم أن تكون لهم معابد يرتادونها بكل حرية و يمارسون فيها شعائرهم و طقوسهم دون خوف أو ريبة  … كما أنّ من حقّ المسيحيين  أن تكون لهم كنائس ترتفع فيها صلواتهم و ابتهالاتهم  و يقيمون فيها قدّاساتهم و احتفالاتهم … و لكنّنا نحتكر لأنفسنا  كمسلمين – بحكم العدد و الغلبَة – كلّ الحقوق و نحرمهم حقوقهم لأنّهم أقليات و نعاملهم بعنهجيّة و استعلاء و ننسى  أهمّ انتماء الانتماء إلى الإنسانيّة، و ننسى أهمّ صفة تجمعنا على هذه الأرض صفة المواطنة  إلى درجة أنّ دستورنا نفسه مبنيّ على هذا التّمييز حيث أنّه يشتراط أن يكون رئيس الجمهورية مسلما  رغم ما في ذلك  من  انتقاص من وطنيّة أصحاب الدّيانات الأخرى أو حتّى من اللادينيين و حُكْم على الضمائر و تناس  لصفات الكفاءة …

أذكر جيّدا تلك الأصوات التي استنكرت تعيين رينيه الطرابلسي  وزيرا للسياحة أواخر 2018 بسبب ديانته اليهوديّة و كأن الدّيانة أهم من الوطنية عند التعيين.     

رينيه استمعت إليه في بلاتوات الإذاعات المختلفة و شاهدته في ساحة الغريبة بعد العملية و لاحظت كما لاحظ الكثيرون وطنيّته و ثناءه على رجال الأمن و سرعة تدخّلهم و حرفيتهم في التعامل مع الجريمة التي وقعت … و استمعت إلى دعواته إلى توحيد الصفوف و سعيه إلى التّخفيف من وقع الحادثة  و رأيت أنّه كان خير سفير لتونس و خير مدافع عن صورتها لدى البلدان الأجنبيّة .. و لكننا شعب لا يستحي … شعب لا ينظر إلى الإنسان في جوهره و كينونته … شعب يتغذّى  أهله من الحقد و الكراهية و يزدري الآخر و المختلف و يسمح لنفسه أن يطلق الأحكام و التقييمات بناء على اللون و الجنس و الدّين و العرق و حتى الانتماء الجهوي  و الكروي و القبلي …  فهذا جبري  من وراء البلايك  و ذلك ساحلي …. و الآخر بدوي (عربي) و الثاني  كاجيبي  اللهمّ عافينا  و الثالث  قرقني  و إلا يهودي حاشى دين الإسلام … و نتفننّ في إطلاق هذه الصّفات و نربّي عليها أبناءنا ثمّ نتساءل فيما بعد عن العنف المستشري و عن نوازع الكراهية المتخفّية … و التي يزيدها الوضع السّياسي  تأجّجا و توتّرا ويساهم  الصّمت الرّسمي عن كثير من المواضيع  في تفشي  الإشاعة و في تواتر الاتهامات و انتشار معلومات مظللة … فما ضرّ وزارة الدّاخليّة لو قدّمت للمواطنين بعض المعلومات عن الإرهابيّ  الذي نفّذ العمليّة ؟ قد يكون حرجها من انتمائه إلى المؤسّسة الأمنيّة … لكن في مثل هده الوضعيّات يكون الوضوح و الشّفافيّة أحسن دفاع عن الذّات  و أكبر دليل على المصداقيّة و على نيّة الإصلاح، و الاعتراف بالخطأ أفضل من إنكاره، خاصّة على المدى الطّويل … و في علاقة بقطاع السّياحة من جهة و بالسّلم الأهليّة من جهة أخرى، فليس من مصلحة البلاد و لا السّلطة الحاكمة أن يتبادل المواطنون الاتهامات  و أن تكثر التّخمينات حول دوافع العمليّة و الجهة المدبّرة لها و الأطراف المستفيدة منها …

فمنذ الدّقائق الأولى للحادثة انبرى البعض يوجّهون الاتهام إلى جهة بعينها  و تحديدا إلى حركة النّهضة  معتبرين أنّ الغنّوشي من سجنه قد وجّه رسالة  مشفّرة لأنصاره للقيام بعمليّات فرديّة،  و أنّه في خطابه الأخير قبل إيقافه و إيداعه السّجن قد دعا إلى إطلاق المبادرة  و أنّ المعارضة لم يبق أمامها إلاّ اللجوء إلى العمليات الإرهابيّة … و لكن أ ليس في ذلك تشويه لطرف بعينه * يقتضي المحاسبة ما لم يقم المدّعي بتقديم أدلّة تثبت صحّة اتهاماته  ..

و قام البعض الآخر بتنزيل صورة شخص بريء مدّعيا أنّه الإرهابي المجرم  و مؤّكدا أنّه عنصر أمنيّ مصنّف و خضع منذ فترة إلى التّحقيق … فمن سيقاضي هذا المتسرّع و من سيعيد للشاب حقّه بعد أن وقع تشويهه و قضّى ليلة يوجّه النداءات إلى روّاد الفضاء الأزرق حتّى يحذفوا الصّورة … فمن أين جاء أصحاب هذا الإدّعاء بكلّ هذه المعلومات (إرهابي مندسّ تمكّن من اختراق الأجهزة الأمنيّة) و هم لا يعرفون حتّى صورته الحقيقيّة … أ لا يستدعي ذلك المحاسبة بسبب ترويج أخبار زائفة ؟

 و لكنّ  أين المرسوم 54 سيّء الذّكر من كلّ هؤلاء الذين يتصدّرون المشهد و يوجّهون الرّأي العامّ ؟ هذا المرسوم أو السّيف المسلّط على رقاب الكثيرين و الذي بمقتضاه أحيل عدد من السّياسيين و النّاشطين و الصحفيين على القضاء ،  يبدو أنّه مرسوم ذو اتجاه واحد فلا يقع تحت طائلته إلاّ من خالف السّلطة القائمة  أمّا من يسيرون في ركابها و يهتفون باسمها و يلهجون بحمدها فلا إثم عليهم و لا تثريب … و لكم في عدد الأخبار و المغالطات والشائعات التي يروّجها أنصار 25 جويلية و المقرّبون من الرّئيس أكبر دليل على ذلك …

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش:

1 *  هذا الحزب ليس فوق المحاسبة   بل – مثله مثل كلّ الحكّام – وجبت محاسبته على سنوات من الحكم توالى فيها الفشل الأمني و الاقتصادي و تشنّج فيها الفضاء العامّ بفعل الصّراع الهووي الإيديولوجي و اعتقاد أعضائه أنّهم سيخلّدون في الحكم

2 *  الفصل 24  من المرسوم 54: يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.

ويعاقب بنفس العقوبات المقررة بالفقرة الأولى كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر، أو إشاعة أخبار، أو وثائق مصطنعة، أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به ماديا أو معنويا أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية.

وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفا عموميا أو شبهه

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version