جور نار

حين يصبح الوطن “محرقة”…تكون “الحرقة” أرحم !

نشرت

في

ونحن على قاب قوسين أو أدنى من موعد الاستفتاء، أو لنقل إعلان البيعة لساكن قرطاج وتمكينه من شرعية الآمر الناهي والحاكم بأمره وسلطان الزمان والمكان…هل بدأ ساكن قرطاج في الإعداد ليوم بيعته بحشد جيش افتراضي لن يتحوّل يوم الحشر إلى صناديق الاقتراع لبيعة مولاه…أم سيعوّل فقط على أكاذيب مؤسسات سبر الآراء والاستئناس والاطمئنان بما تزعمه؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

 تعالوا نقرأ حقيقة وجع هذه البلاد وألمهَا…لسائل أن يسأل لماذا تغامر عائلات بأكملها… بأطفالها وولدانها… بكبارها وبمرضاها بــ”الحرقة” بحرا هروبا من هذه الأرض إلى أرض أكثر أمنا وأمانا؟ تعالوا لنتذوّق طعم الألم والوجع الذي أجبر الآلاف من شباب ولايات الجنوب على مغادرة البلاد منذ شهرين فقط، فهل غادروا هذه الأرض، لأنها طيبة معهم…أو لأنهم يعيشون فيها أرغد عيش…أو (لا قدّر الله) لأن حكومة مولانا مكّنتهم من مورد رزق قار يحفظ كرامتهم، وينقذهم من جوع آت ولو بعد حين…أو لأنهم يعيشون هنا في أروع الديمقراطيات وأن صوتهم مسموع وكلمتهم لا تُرد…أو لأن هذه الأرض تُشعرهم بالأمن والأمان…أو لأن هذه الدولة تجود عليهم بما لا يجود به عليهم كبار الكرام؟

تعالوا لنسأل… هل نحن حقّا بخير في هذه البلاد كما يقول أمير البلاد وسلطانها؟ لا، نحن نتوجّع …نحن نعيش اليأس…نحن نحلم كل مساء بكابوس لا نعرف معناه…نحن في أتعس حال وأحوال…تعالوا نسأل…هل نعيش بأمن وأمان؟ لا…نحن نعيش رعبا وخوفا من مصير غامض… ومستقبل مجهول…هل يمكن أن نطمئن على أبنائنا وأن نهنأ لمستقبلهم؟ لا …وألف لا…إذن ما الذي يمكنه أن يبقينا على هذه الأرض؟ سيقول بعضكم “الوطنية”…وسأقول عن أية وطنية تتحدثون؟ هل يجب أن نموت جوعا…وأن نعيش الخوف…وأن يموت صغارنا يأسا وإحباطا…وألا نشعر بالاطمئنان لنُرضي دُعاة الوطنية…الوطنية ليست أن تموت جوعا وقهرا في وطنك…ولا أن ترضى بذلك لأي من أبناء وطنك…

تعالوا نسأل هل ينتظر ساكن قرطاج من هؤلاء أن يقولوا له “نعم نحن مع ما تريد وما تفعل”؟ لا أظنّ أنهم سيفعلون، ولا أظنهم أنهم يرغبون في البقاء في أرض كثر فيها الظلم…وكثر فيها الحقد…وكثر فيها الانقسام…هل ينتظر ساكن قرطاج أن يقبل الشعب أن يُذبح في وضح النهار بإرادته؟ لا…هذا الشعب ولأنه طيّب اختار أن يهرب…أن يهاجر…أن يغادر…أن يعيش غربة أرحم من غربة يصرخ من وجعها في وطنه بين أهله، وعلى تراب الأرض التي احتضنته يوم وُلد…

تعالوا نسأل هل ينتظر ساكن قرطاج ممن يعانون “الهرسلة” والتضييق والتعتيم والظلم من أتباعه ومن جيشه الافتراضي أن يقبلوا بالبقاء في وطن أعلن عليهم الحقد …فبعد أن غادر آلاف الأطباء …والآلاف من المهندسين…والمئات من الممرضين والممرضات…وبعد أن غادر رجال الأعمال…وعشرات الآلاف ممن كانوا يعانون الإهمال…جاء الدور على عائلات بأكملها…بكلابها وقططها…لتغادر هربا من مصير مجهول، لا أحد يمكنه التكهّن بقساوته وألمه ووجعه…هل ينتظر ساكن قرطاج أن يقول له من يعانون اليوم من سطوة الادعاء والتنكيل والقذف من أتباعه وأنصاره “نعم لدستور سيسمح لك بحكم البلاد والعباد سلطانا…تفعل ما تريد كما تريد”…؟ هل ينتظر ساكن قرطاج من شعب يركض يوميا وراء حاجياته الأساسية ويعود دونها أن يقول له “نعم”…؟ هل ينتظر ساكن قرطاج من شعب أغلبه محروم من ابسط اساسيات العيش…من السكن اللائق…من المستقبل الواضح…من الرعاية الصحية الجيّدة أن يقول له “نعم”…؟ هل ينتظر ساكن قرطاج ممن يعانون التهديد والوعيد يوميا من أتباعه الذين يختفون وراء شاشات هواتفهم، فقط لأنهم قالوا “لا” لما أتاه، أن يقولوا له “نعم”؟ هل ينتظر ساكن قرطاج ممن يعانون القهر والعدوان والتشويه فقط لأنهم كتبوا مقالا يقولون فيه “لا” لكل ما أتاه، أن يقولوا له “نعم”؟

هل ينتظر ساكن قرطاج من مواطن أصبح مجرّد رقم انتخابي في حسابات مولاه أن يقول “نعم” لدستور سيرسّخ حكم الفرد والسلطان والخليفة؟ هل ينتظر ساكن قرطاج ممن انتخبوه في الدور الثاني أن يقعوا في نفس الخطأ مرّة أخرى؟ لا أظنّ …أنَسِيَ ساكن القصر أنهم قواعد لأحزاب أبعدها وأقصاها حتى من مجرّد حوار لا مخرجات له غير دستور كتبه مولاهم على مقاسه ومقاس مُريديه ومن أعلنوه البيعة والولاء…هل ينتظر ساكن قرطاج ممن أقصاهم أن يقبلوا بأن يكونوا مجرّد أرقام في استفتاء مولاهم على دستور أقصاهم…وأساء لأحزابهم…وهو الذي نسي ردّ جميلهم يوم اجلسوه على كرسي آخر الزعماء…بورقيبة… هل ينتظر ساكن قرطاج من هؤلاء أن يقولوا له “نعم” فقط بوازع وطني … ألا يعلم أنه لا قيمة لوطن إذا فقد الانسان قيمته وشعر بالغربة فيه…فقد يقول غدا أغلب هذا الشعب “لا” لدستور من أقصاه…وقد يختار بعضه “الحرقة” هربا من المحرقة…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version