جور نار

حين يصرخ الـ”تشات جي بي تي” قائلا: “عيش خويا نقعدوا بالقدر”!

نشرت

في

محمد الأطرش:

بعد أن أتحفتنا بلاد العمّ سام بالتشات جي بي تي خرجت علينا الصين بالديب سيك، لم تعد الحرب اليوم بالصواريخ والطائرات فقط… الحرب أصبحت حرب عقول وحرب ذكاء فهل استعد العالم لما قد سيحدث غدا، أم ستقودنا بلاد العام سام في حربها التكنولوجية مع الصين إلى حيث لا نعلم ولا نحلم حتى؟؟

للذكاء الاصطناعي تطبيقات هامة ومفيدة في التعليم، والصناعة، والصحة، والنقل، وكل القطاعات الفكرية والأدبية والثقافية والرياضية والعلمية وصولا إلى العسكرية… فالذكاء الاصطناعي قد يتحكّم مستقبلا في الحروب وفي تطوير الأسلحة…كما قد يتحكّم في مصير الحكومات والدول والرؤساء والشعوب… ألم يساهم الذكاء الاصطناعي في حرب إبادة عشرات الآلاف من إخوتنا في القطاع… والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم كيف سيتعامل العرب والمسلمون مع هذا التطور التكنولوجي… وهل أعدوا له ما يجب ومع أي طرف سيتعاملون مع الماما أم مع الصين… وهل سيستثمر العرب والمسلمون في الذكاء للخروج مما سقطوا فيه اليوم من غباء بعد مجد أسلافهم وما تركوه؟

ألم يكن منهم أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي الذي يعد من أشهر علماء العرب وأبرزهم في الفلك، ومن أوائل علماء الرياضيات، كما برع في علم الجغرافيا… ألم يكن منهم أيضا أبو يُوسُف يعقوب بن إسحاق الكندي، ويُعرف عند الغرب بـ “Alkindus” تميّز بكونه من أشهر العلماء العرب في الرياضيات، إلى جانب إلمامه بمختلف جوانب العلوم الأخرى… تميز في علم الفلك والفلسفة والبصريات والطب والكيمياء والموسيقى…ألم يكن منهم جابر بن حيان بن عبد الله الأزدي من علماء العرب المسلمين، برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة والمعادن والفلسفة والطب والصيدلة… ألم يكن منهم أبو علي الحسين ابن سينا، عالم شهير في مجال العلوم الطبيعية والرياضيات، ويُعد ابن سينا من أكثر الشخصيات المؤثرة في مجال الطب في العالم الإسلامي وأوروبا في القرون الوسطى، كانت كتبه وبحوثه تُدرّس في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر… ألم يكن منهم أيضا أبو بكر محمد بن زكريا الرازي طبيب عربي مسلم وكيميائي وفيلسوف من أشهر علماء العرب وكان من أعظم وأهم الأطباء في عصر العلوم الذهبي الإسلامي، عاش حياته بين القراءة والتصنيف، وقيل إنه فقد بصره من كثرة القراءة، ومن إجراء التجارِب الكيميائية في المعمل… فهل أعددنا نحن العرب المسلمون العدّة لنتعامل مع الذكاء الاصطناعي تعاملا يفيد مستقبل اجيالنا القادمة ويخرجنا مما نحن فيه؟؟

في الغرب هناك، تسلل الذكاء الاصطناعي إلى كل شيء… تسلل إلى البيوت والمطابخ… واصبح يتحكّم في ذوقك وما تريد… يقترح عليك وصفات مخصصة، ويختار لك مكوناتها وكيف تستفيد منها صحيا…  يختار لك وعوضا عنك بعض المأكولات، يساعدك في اختيار ملابسك، ينجدك في ايجاد الحلول للعديد من المشاكل والمآزق… هناك في الغرب أصبح الذكاء الاصطناعي يراقب كل ما يقع على الأرض ويتدخل في كل ما يفعله الانسان ويخطط له… هناك قد يتنبأ بنتيجة مباراة في كرة القدم بين برشلونة والريال… وقد يقترح على المدرب والاطار الفني بعض الخطط التكتيكية أيضا… هناك اصبح وسيصبح الذكاء في قادم السنوات المتحكّم والآمر الناهي لكل ما يفعله الانسان… فلا غرابة إن تسلل حتى إلى غرفة نومك ليعرف من تعاشر وليقترح عليها احمر شفاه وعطرا يفقدك عقلك ويسحرك (يذهب شيرتك بلهجتنا)…  الذكاء الاصطناعي قد يعرف حتى مع من تنام وقد يوثق ذلك في ألبوم صور، وقد يقترح عليك وضعية ملائمة وطريقة مناسبة وموعد المعاشرة وتوقيتها أيضا إن كنت تبحث عن إنجاب صبي (يتربى في عزّك ان شاء الله) وقد يساعدك على اختيار اسمه ويساعدك على مراقبته ونموه وتعليمه ويراقب معك صحته ويقترح أكله ولباسه… هناك لست في حاجة إلى من يصاحب ويرافق ابنك إلى المدرسة فكل الشوارع مراقبة بالذكاء الاصطناعي… وأينما تأخذكم أرجلكم يعترضكم حراس الذكاء ويراقبونكم أعوانه ويعلمون عنكم وقد يسألونكم أين أنتم ذاهبون؟

نعم، هناك سيعلم الذكاء الاصطناعي عبر آلياته ووسائله وتقنياته المنتشرة في كل أرجاء المدن والقرى والأرض والسماء بكم وبما تفعلون وسيسجل كل تحركاتكم وما تأتون وما حتى تضمرون… ويكشفكم ونواياكم ويبلّغ عنكم إن علم أنكم تتآمرون… هناك أيضا يعيد الذكاء الاصطناعي كتابة تاريخ البعض كما يريدون، وكما كانوا يحلمون ويطمحون… هناك يكتب خطب الرؤساء والشيوخ والملوك… ويزيّف نتائج الانتخابات بالصندوق… وهناك أيضا يكتب مقالات تحليلية لكبريات الصحف وأقسام الاخبار التلفزيونية… هناك… نعم هناك، سيفقد الانسان مئات الآلاف من الوظائف وسيتحكّم الذكاء الاصطناعي في كل ما يدور على هذه الأرض… وسيجوع البعض… ويموت البعض… ويبقى من يختاره الذكاء… ويشقى من تميّز بالغباء….

أردت أن اختبر قدرة الذكاء الاصطناعي بنسختيه الصينية والأمريكية في مواجهة جهابذة الذكاء العربي، فطلبت من صديقين يجلسان على نفس طاولتي في المقهى اختبار ذكاء التشات جي بي تي والديب سيك… سأل أحدهما الـ”تشات جي بي تي” وقال له في إطار الصخب واللغط الذي تسببت فيه كلمة نكاح في عنوان أطروحة دكتوراه، والمقصود بذلك من صاحب الأطروحة (الزواج طبعا): “ما هو النكاح يا عمّ التشات؟؟” أجابه التشات جي بي تي ساخطا:” روح……….أمك يا طحـ…عيش خوي نقعدوا بالقدر”… صرخ صديقي بأعلى صوته فأدار رقاب كل من بالمقهى إلى حيث نجلس وقال:” بالحرام ما يطلع كان تونسي ولد الحرام هالتشات جي بي تي!”… ضحكنا ملء اشداقنا وطلبت من صديقي الثاني التوجه بسؤال إلى الديب سيك الصيني فقال له: “هل تعرف ما تعنيه كلمة “طحّان” وكان يقصد العامل بالمطحنة”… فأجابه ساخطا الديب سيك “ما طحّان كان انت…يا طحّان!”… وخرجنا من المقهى ونحن على يقين ان من أبدعوا الذكاء الاصطناعي هم من أبناء عمومتنا وإن أنكروا ذلك… قلت وأنا أجتاز باب المقهى: “اللي يغلبنا يجي يحاسبنا”… وأضاف صديقي: “حليل أم (سام ألتمان) مؤسس شركة “أوبن إيه آي”، وحليل أم (ليانغ ون فنغ)، مؤسس شركة  DeepSeek”… وضحكنا… ضحكنا… حدّ البكاء…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version