وهْجُ نار

حين يغنّي الغنوشي لساكن قرطاج: “ماعــادش تسمع آهــاتي…” !

نشرت

في

سعدت تونس …وشعب تونس…وساكن القصر… ومن مع ساكن القصر …ومن هم من أتباع ساكن القصر…ومن هم في القصبة، وسكان القصبة…ومن يصفقون ويصرخون باسم القصبة… وسكان القصبة وأحواز القصبة… والمارون من القصبة… والمعتصمون أمام القصبة والماسكون بجلباب ساكنة القصبة…وبائع الفواكه الجافة في زاوية نهج القصبة… ونغمات آلة القصبة احتفالا بانتصار جلال القادري على نيجيريا ليلة أول أمس…

<strong>محمد الأطرش<strong>

سعدت أنا أيضا… وطربت للأمر… وتأكدت أن منتخبنا يحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد…كيف لا ألم ينتصر على نيجيريا  ليسعدنا ويفرحنا وينسينا أوجاعنا، وجوعنا، ومأساتنا وأزمتنا، واقتصادنا المغشي عليه…وفساد حالنا…وخراب بلادنا…لكن سعادة ساكن القصرين ومغلق ثالثهما كانت أكبر، كيف لا والشعب سينقلب حتى موعد لقاء الربع النهائي إلى محلّل رياضي يفكّك أوصال لقاء القادري ضدّ نيجيريا وينساه وينسى ما أتاه وما من وعوده “نساه”، وقد يخرج علينا رياض جراد مصفّق مولاه ومادحه بمقترحات غريبة عجيبة كتمثال من خشب لكل لاعب من المنتخب…وقد يقترح هيكل المكّي “آغا ساكن القصر” توسيم القادري بوسام “الانقلاب” كيف لا وهو الذي مكّن ساكن قرطاج من هدنة…

وقد يعتكف ساكن قرطاج وحكومة “نجلوتة” في أحد المساجد يصلون صلاة الجماعة والاستخارة والاستسقاء ويطلبون الله بأن ينتصر منتخبنا في كل المقابلات القادمة،ويعود رافعا بطولة افريقيا ليطول موسم الأفراح والليالي الملاح…وينسى الشعب أوجاعه… وما تفعله بحاله الحكومة…وصاحب الحكومة…و الوصيّ على الحكومة…وقوّاد الحكومة….وقلاّب الحكومة…وينسى الشعب حال البلاد…ورغبة حكامه في الاستبداد…كيف لا؟ ألم ينسه المساكني والعيفة والخاوي…جيبه المثقوب وبطنه الخاوي…؟ ألم ينس نفاد بعض المواد الأساسية برعب ثلاث دقائق إضافية في مقابلة انتحارية…ألم ينس الانقلاب وصُنّاع الانقلاب…وينسى دعوات حلّ المجلس الأعلى للقضاء، وحلّ مجلس النواب…فكل انتصار للمنتخب سيضع كل الشعب في إقامة جبرية اختيارية تريح مولانا وتسعده كيف لا،وهو سيتخلّص ولو لفترة وجيزة من أوجاع الراس ومغص المعدة من كلام الناس، وشرّ الوسواس…

هكذا نمت ليلتي أول أمس سعيدا…وفجأة وكأني أعيش حلما…لا، لا… ليس حلما…وكأني بالشيخ راشد داخلا قصر قرطاج فاتحا ذراعيه،مستغلا عودة المنتخب بكأس من نحاس وذهب مهنئا مولانا مغنيا “ما خطرتش على بالك يوم تسأل عني، وعينيا مجافيها النوم … يا مسهرنى”ليردّ مولانا: “يلي بعدك ضيع فكري … ارجع لي للقلب نضمك… جنني حبك يا عمري … حياتي في كلمة من فمك…”ويضيف الشيخ:“شوف انت فين وشوف انا فين…يا نوارة العين، انتِ فوق الشمس في العالالي..”ويقاطعه مولانا: ” كيف شبحت خيالك… لا وسع لا بالك …قلبي نقز من الضلوع مشالك” ويردّ الشيخ: “وأنا نايا حزين ينهد ويميل…مهدود الركنين مرمي ملوح في الصفوف التالي” ليصرخ مولانا: ” تبعني نبنيو الدنيا زينة…تبعني نبني اِلدنيا زينة…دنية فن وكيف وعيشة بنينة…ومن دنيتهم فكنا يزينا…” ويردّ الشيخ ضاحكا: “تبعني نبنيو اِلدنيا حرة…في سماها نضواو شمس وقمرة…في ترابها نحيا وردة وزهرة” يقف مولانا ويغني: ” ها العيشة للقلب يتمناهها…خلي نبكي حياة ضيعناها…والورد اللي بدمنا اسقيناه…يا خسارة اقتلناه بين يدينا…

يبتسم الشيخ ويغني:” حبيتك كيف حاجة ليا…مرسومة موش منسيةانحبك وانا حبي ليك… حياتي موش خسارة فيك…” يهتز جسد مولانا ويقول مغنيا:” كيف ما يرجع الفرططو…للنار اللي تحرقه…كيف ما يرجع الفلاح…للحقل اللي عرقو…كيف مايرجع الملاح…للبحر اللي غرقو…نرجع لك حاير ومهني…انت وقلبي أقوى مني…” يردّ الشيخ راشد:” حبي يتبدل يتجدد…مايتعدش كيف يتعدد…فكري يخونك كيف ما خنتي…لكن قلبي يحبك انت” يسعد مولانا بما قاله الشيخ ويغنّي: “ما تفكرشي في الأحزان مادام الحب مهنينا…ما تحزنشي علي كان وأفرح باللي باش يجينا…اذا المستقبل فرحان ما تفكرشي ما تفكرشي…” يقف الشيخ ويغنّي بصوت عال:” علاش تفكر في ماضينا …ما تفكرشي… ما تفكرشي…سلم ّأمرك للحنّان وقول ان شاء الله زينة زينة..

يردّ مولانا ويقول: ” اللي تعدى وفات زعمة يرجع…والا نعيش بعلّتي نتوجع…” ينتفض الشيخ ويقول:” عايش من غير أمل في حبك…تعذيبي ودمعي من أجلك …واللي جرّحلي عينيا…انك ما تسألش عليا…” يردّ مولانا ويقول:” ياللي ظالمـني …والروح معاك…انت تشــغلني … أبدا أنســاك…” يغني الشيخ باكيا:“ما عادشي تسمع آهاتي…ولا بقيت تتلـقى جواباتي…كي يقولو لي فيك حـياتي…نموت وما نقلكـشي انحبك …واللي جرحلي عينيا…انك ما تسألش عليـا …واللي زاد عـلى ما بيا…يا ناري ما زلت انحبـك”

يقف مولانا ساخطا: “ما عادشي تسمع نشـيدي…ولا رناتي ولا تنهـيدي هذا القلب انْشـدّو بإيدي…ونقلو ما عادشي يحبك…كي نقولك يا شيخ أخطاني…ابـعد عليا ويزيني، والله نكذب في يــميني…ما زلت اندهدس في حبـك…”ويخرج الشيخ مسرعا من القصر …ويتبعه مولانا مغنّيا : “نرجعلك لازم نرجعلك … كي تطلع للقمرة نطلعلك…نمشيلك لو ندور العالم لا نعيا ولا نقول تعبت…ومن شروط النقد الدولي فدّيت…راني فدّيت…”

أثناء جريه وراء الغنوشي اعترضه أحد المستشارين ليبلغه استقالة مديرة ديوانه فوقف ونظر في اتجاه مكتب مديرة ديوانه وغنّي: “يا هاجرة يا مليّعة الكبيدة، رُدّي عليّ الدمعة… ردي علي الدمعة والتنهيدة…”سمع الغنوشي بالأمر وهو يهمّ بالخروج من باب القصر الداخلي فعاد ووقف أمام مولانا وغنّى باكيا: “فراق الحياة يذبل الرّوح .. و يا عين بالدمع نوحي، نوحي…و يا عين بالدمع نوحــــــي…نبكي والقلب مجــــروح .. من يوم فارقت روحي…” فبكى مولانا وبكى معه الغنوشي…

واستمع المستشار للوصلة “الحزائنية” فبكى…وبكت معه كاتبة من الديوان كانت مارّة من هناك…فاستمع الحاجب فبكى أيضا…سمع أحد موظفي الديوان بموال الغنوشي فبكى… وبكى معه بقية موظفي الديوان…ووقع اعلام وكالات الأنباء بالأمر فبكوا جميعهم…سمع وزير الخارجية بالأمر وهو في مكتبه فبكى وبكت معه كل وزارة الخارجية….وعلمت السفارات بالأمر فانخرطوا جميعا في وصلة بكاء…وعبثا حاولتُ كتم مشاعري وتأثري بالموقف فبكيت بصوت عال…

وفي هذه اللحظة شعرت بوخز في كتفي…نظرت إلى يميني لأجد قطّتي وهي تحاول ايقاظي من حلم غريب عجيب…أدخلني قصر قرطاج…وأخرجتني منه قطّتي…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version