وهْجُ نار

حين يلعب حُكّام العرب “الغُمّيضة” مع شعوبهم …

نشرت

في

لماذا يدعم هؤلاء القوميون العرب الديكتاتوريات؟

أتساءل أنا الذي أشعر منذ سنوات بالقلق والغربة وبكل أشكال فقدان الوعي في زمن غريب عجيب، هل أن كل الشعوب العربية تشعر بما أشعر به، وبما يشعر به أغلبنا هنا في بلد عربي انتقل من بؤس البعض ومعاناته إلى بؤس الجميع وخيباته ويأسه وإحباطه…هل نحن فقط من يعيش هذا الشعور ويتمرغ في وحله أم هو حال كل ضعاف الحال وفقراء الوطن العربي ومن يعانون التهميش والتغييب…وهل نحن فقط من زاره القلق واستوطن حياته دون إذن مسبق ولا تأشيرة دخول…ودون تذكرة خروج؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

السؤال موجع ومؤلم إلى حدّ كبير…فاليوم تسأل كل مواطن عربي سواء كان ذاك الذي يعيش على ضفاف دجلة والفرات أو ذاك الذي يسكن بيوت القصدير بضواحي “كازابلانكا” بالمغرب الشقيق، عن حاله وأحواله فلن تجد اختلافا كبيرا في الأجوبة من المحيط إلى الخليج…نحن منذ ولدنا نشعر بالوجع…حرب هنا…وانقلاب هناك…وحكم عسكر هناك… وتكفير هناك…ورِدّةٌ هناك وتطرف غير بعيد عن هناك…وانتخابات مزورة هنا وهناك… وديمقراطية عرجاء هنا…واستبداد هناك…وهناك وما بعد الـ”هناك”…

منذ وُلدنا ونحن نشعر بالوهن والضعف أمام من يسكنون الغرب وشمال المتوسط وما بعد المحيطات…وكأنهم من سكان كوكب آخر…منذ ولدنا ونحن نشعر بالظلم من سكان الشمال وما بعد الأطلسي والهادي… وكأننا الأبرياء وهم فقط المجرمون والقتلة…منذ ولدنا ونحن نشعر وكأننا من الملائكة وهم فقط من الشياطين… منذ ولدنا ونحن نصفّق لخطب تقول سنصلي في القدس…وسنرمي بالأعداء في البحر… وأخرى تقول لن يجوع مواطن واحد…وأخرى تقول لن يظلم عربي واحد…منذ ولدنا ونحن نستمع إلى بكاء العرب على كل المقامات…من النهاوند إلى الحجاز كار مرورا بالراست ووصولا إلى الصالحي والعرضاوي… منذ ولدنا ونحن نشاهد ونسمع في نشرات أخبارنا الوطنية جدّا عن إخوة تقتل بعضها البعض…وحقد سكن صدور البعض فألّب البعض على البعض، أو بعض البعض على بقية البعض…وشعب يسعد لمأساة بعضه…وبعض شعب يصفّق لوجع بعضه…وجوع يدق الأبواب…ووباء قضى على جزء من العباد…ومؤامرات…وخيانات…وأسلحة فاسدة…منذ قرن وأكثر ونحن نعيش قلقا لم نعرف متى نعلن انتصارنا عليه…متى نمرّغ رأسه في التراب…بعضنا يُمنّي النفس بغد أفضل…وبعضنا يوهم نفسه بأن الغد سيكون أجمل…جميع حكام العرب رفعوا شعار “من أجل غد أفضل” وما شابهه لشعوبهم وهم يراودونهم على أصواتهم…فلم يأت الغد…ولم يأت هذا الذي يسمونه “أفضل”…ولم نجد له أثرا حتى في دفاتر الحالة المدنية لكل شعوب العرب…ولم ينته الوجع…ولم تنته المأساة…

هل كتب على هذه الشعوب أن تعيش الذبح والقتل والدمار والخراب كل عشر سنوات…هل كتب على هذه الشعوب ان تعيش ذبح بعضها مباشرة على الهواء…هل كتب على هذه الشعوب ان تعيش رعب حكامها ورعب الأعداء…هل كتب على هذه الشعوب أن تتنقّل من وجع إلى آخر…ومن مصيبة إلى أكبر منها…هل كتب على هذه الشعوب أن تعيش الكارثة وراء الكارثة …؟؟؟ هل قدرهم أن لا يسعدوا بديمقراطية حقيقية لا غشّ فيها وليست مدفوعة الأجر والثواب ترعاهم…وتحترمهم…تستمع إليهم…وتحترم رأيهم…تعطيهم حقهم…وتحميهم وتدافع عنهم…؟؟ أليس من حقّ هذه الشعوب أن تعلن القطيعة مع البؤس… ومع بعض شياطين الجن والإنس؟

أليس من واجب من يرفعون شعار “من أجل غد أفضل” تأمين أبسط ضرورات العيش الكريم لشعوبهم…؟؟ أليس من واجبهم ضمان طعامهم…؟؟ أليس من واجبهم ضمان أبسط مبررات العيش ومقومات السعادة لشعوبهم؟؟ أليس من واجبهم ضمان أمنهم وحياتهم…؟؟ أليس من واجبهم ضمان استقرار شعوبهم النفسي…؟؟ أليس من واجبهم توفير الكرامة والعدل والحرية لشعوبهم حتى وإن عارضوهم واختلفوا معهم…حتى وإن خرجوا يطالبون بإبعادهم؟؟ لكن السؤال الأغرب والأصعب هو هل قام حكام العرب بواجبهم كاملا، أو حتى بأبسط أبسط واجب من واجباتهم…؟؟ هل وفروا كل ظروف البقاء لشعوبهم…؟؟ هل طمأنوهم على فلذات أكبادهم…على مستقبل أحفادهم…؟؟ هنا تكمن المأساة…وهنا يصبح الألم موجعا…حدّ الوجع…حدّ الغثيان…

تغيّرت أحلام أغلب هذه الشعوب…فأغلبها لا يحلم بالعيش الكريم بل بكيف ينقذ نفسه وصغاره من عيش موجع أليم…وبعضها يسأل نفسه كل يوم…هل يعيش غدا…وهل سيحتضن صغاره غدا…وهل سيحتسي فنجان قهوته البارد وخبزه الملطّخ بغبار القنابل صباح الغد…وبعد الغد…لا أحد اليوم من شعوب العرب الموجوعة يحلم بعيش كريم لنفسه، جميعهم ومن شدّة الوجع يحلمون فقط بمستقبل أفضل لأبنائهم…وأحفادهم…

أظنّ أن حالة اليأس والإحباط تسربت إلى كل نفوس الشعوب العربية …وأظنها تضاعفت بعد أن عاشت كل هذه الشعوب مأساة متابعة مشاهد الذبح والقتل والدمار والخراب مباشرة على الهواء…فشعوب الغرب “الكافر” تسعد بمشاهدة مباريات البارسا والريال وشطحات مبابي في حديقة الأمراء، وأفلام “السح ادح امبو” وهز الأرداف والأفخاذ والبطن وتدفع معلوم ذلك لبعض شيوخ العرب …والشعوب العربية تشاهد قتل غدها ومستقبلها… وتدمير تاريخها وحاضرها…وذبح إخوتها على المباشر ودون تشفير ودفع مسبق…فالشعوب العربية أصبحت تباع كل عشر سنوات لآلة الذبح والقتل والدمار…وبعض دول العرب ومدنها مضطرّة للقبول بشروط قاتلها لإعادة إعمارها…حتى موعد القتل والدمار القادم…

هل يعلم بعضكم أين وصلنا في سلّم الإحباط واليأس؟…وصلنا إلى حيث يقول بعضنا عمن ركب البحر هربا من “وطنه” (ارتاح)…ويقول من يعلم بموت أحدهم من معارفه “ارتاح”…هكذا أصبح الاغتراب والهجرة بحرا والموت راحة ونجاة من حاضر موجع مؤلم…حاضر يعيشه العرب أغلب العرب منذ أكثر من قرن…

لكن ماذا فعل حكام العرب كل العرب أولئك الذين تداولوا على حكم العرب منذ أن أعاد المستعمر بلاد العرب إلى العرب، مع شعوبهم لإخراجها من حالة الإحباط واليأس؟؟ لا شيء…غير لعبة “الغمّيضة” فهم يطلبون من شعوبهم مع كل انتهاء حملة لانتخابهم، بإغماض أعينهم لبعض الوقت ثم فتحها…وحين يفتحونها لا يرون غير الخراب …والبؤس والعذاب…هكذا هم العرب…وأغلب حكام العرب…

سيسألني بعض العرب عن الأقلام وأين هي أقلام العرب؟ وسأقول ألم تقرؤوا في كل مواقع وصفحات تواصل العرب مئات الإعلانات عن أدوية ووسائل لإعادة الفحولة والانتصاب لقضبان العرب…كل العرب…فالعرب …كل العرب يبحثون عن دواء يعيد الانتصاب لقضبانهم…ويمنعون الانتصاب عن أقلامهم…ويذيقونها كل أنواع التضييق والعقاب…والعذاب…فكيف تطلبون من أقلام من فقدوا فحولتهم…أن تنتصب؟…يا للعجب !…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version