هل تعلم أن مفعول الخمرة التي لعبت برؤوس البعض منّا انتهى… في عقول البعض منّا… أسألك وأنا الذي يعلم أن يدك طويلة وقد تفعل بي وبأمثالي ممن سيقولون لا لما تريده …ولا لما تفعله…ولا لما ستفعله…أعود لأقول وأنا على علم بأن يدك طويلة طول يد روبسبيير وربما أكثر… وقد تفعل بمن يعارضك ما فعله روبيسبيير بأهله واخوته وربما أكثر…
أسألك وأنا الذي لطخ اصبعه بحبر انتخابك…أسألك وأنا الذي ندمت بعد انتخابك…أسألك وأنا الذي انتظرت شيئا للبلاد بعد انتخابك…ماذا ستفعل بالبلاد…والعباد…هل تتصوّر أن هذا الشعب الذي خرج مخمورا دون خمرة ليلة السادس والعشرين من شهر جويلية، خرج لأنه ينتظر منك أن تغيّر بعض فصول الدستور؟…لا…وأن تعلن الحالة الاستثنائية؟…لا…وأن تهدّد نصف الشعب بالويل والثبور؟…لا… وعظائم الأمور؟…لا… وأن تمنع نصف الشعب من السفر؟…لا…وأن تضع نصفه الآخر تحت الإقامة الجبرية؟…لا… أكان يعلم الشعب المخمور أنك ستحكم البلاد وحدك… وأنك ستكتب المراسيم وحدك… وأنك ستشرّع لنصوص الدستور وحدك…وأنك ستصدر القوانين وحدك…وأنك ستخطط مستقبل هذا الشعب وحدك؟…
أكان يعلم هذا الشعب انك من سيقرّر مصيره وحدك؟…أكان هذا حلم الشعب المخمور؟…هذا الشعب لم يكن يحلم بما أنت تحلم به مولاي…ولم يكن يعلم بما كنت تحلم به سيدي…هذا الشعب كان يرى فيك العادل…والحضن الذي سيلتف بالجميع…والصوت الذي يطرب لسماعه الجميع…والابتسامة التي سيسعد لرؤيتها الجميع…والحكمة التي سيحفظها عنك ومنك الجميع…هذا الشعب كان ينتظر منك الحب للجميع…والمساواة بين الجميع…والتفاني في خدمة الجميع…ولم يكن ينتظر أبدا أن تفرّق بين الجميع…بما تقوله للجميع وأمام الجميع…
مولاي ملك ملوك افريقية…
هذا الشعب لم يجد شيئا مما كان يحلم به…وكان يريد أن يراه منك …وعنك… وفيك…فكيف تريد لهذا الشعب أن يواصل التصفيق…وهو لم يرك ضاحكا يوما…كيف تريد من هذا الشعب أن يواصل الهتاف باسمك، وأنت لا تجد الكلمات في خطبك الغاضبة والناسفة…لم يخل خطاب واحد…أو حديث واحد من أحاديثك، من تهديد ووعيد….ومن اتهام…وتقييد…مولاي هذا الشعب أصبح يخاف منك….وعليك…وعلى هذا الوطن…مولاي وتاج رأس البعض منّا…لا يغرّنّك من واصلوا الهتاف باسمك إلى يوم الناس هذا…ولا يغرنّك من واصلوا التصفيق لما فعلت إلى حدود الساعة هذه…فهم أول من سيقفز من القارب يوم يغرق…ولا يغرنّك من يواصل الصراخ بـــ”الشعب معاك يا رئيس”…فهم من سيقولونها لمن سيأتي بعدك يوم يخرجون عليك…وعلى حكمك…مولاي أتعلم أن من خرجوا يوم 25 جويلية لم يخرجوا لبيعتك…ولا لتنصيبك ملكا عليهم…خرجوا لأنهم خُدعوا في من أوصلوهم إلى الحكم…خرجوا لأنهم جاعوا…خرجوا لأنهم هُمّشوا…خرجوا لأنهم فقدوا فلذات أكبادهم في البحر…خرجوا لأن من يحكمهم كذب عليهم…خرجوا لأن من وضعوا فيه ثقتهم خدعهم وخان أمانتهم…خرجوا لأنهم فقدوا الأمل في إصلاح أوضاعهم…خرجوا لأنهم أُحبطوا…خرجوا لأنهم ظُلموا كثيرا…وصبروا كثيرا…مولاي أعرفت الآن لماذا خرجوا…
لكن لتعلم مولاي أيضا أنهم لم يخرجوا لكي يحكمهم من يظن أنه الوحيد الذي يملك الحقيقة…وأن الحقيقة تحت إمرته…وأنه الوحيد الذي يعلم ما يصلح بالبلاد وما ينفع العباد…ولا يحقّ لمخلوق أن يقاسمه ذلك…ولا أن يناقشه ذلك… هم لن يقولوا لك “لا” يوم تعاقب الفاسد…إن فسد حقّا….ولن يمنعوك من ملاحقة مخرّب إن خرّب حقّا…ولن يقولوا لك “لا” إن كشفت تلاعبا بالبلاد…إن حصل فعلا…لكنهم يرفضون أن يُظنّ بكل الشعب سوء…هذا الشعب قد يصفّق لك طويلا إن تمّ إيقاف فاسد …لكن سيطالبك غدا بتشغيل ابنه العاطل….هذا الشعب قد يقبّل بعضه يدك إن أوقفت من خانوا البلاد والعباد…لكنه سيطالبك غدا بما يشبعه من جوع…هذا الشعب قد يهتف باسمك ليلة كاملة إن أقنعت دولة شقيقة بأن “تُهديك مليون جرعة من تطعيم الكوفيد” لكنه سيطالبك صباحا بأن تخفّض في أسعار المواد الأساسية لأنه اصبح غير قادر على ثمنها…هذا الشعب سيسعد كثيرا إن أعفيت وزيرا أفسد في الأرض…لكنه سيطالبك غدا بتوفير تجهيزات حديثة للمنظومة الصحيّة التي تآكلت…أعرفت مولاي ماذا يريد الشعب…هذا الشعب لا يعلم إلى حدّ الساعة ماذا فعلت مع المنظمات المانحة وهل أنهيت المفاوضات المعلقة…ويريد أن يعلم ماذا فعلت في خلاص أقساط ديون دولتنا…وماذا فعلت في الأجور فهل ثمة ما يكفي لخلاصها لبقية هذه السنة…وهل تمّ إعداد قانون المالية التكميلي؟…هذا بعض مما يريد الشعب أن يعرفه…فلا تهمل الأهمّ وتكتفي بالمهمّ…
مولاي…الشعب لن يغنيه إن هددت…ولن يشبع إن غضبت…ولن يُشفى إن صرخت…ولن يصبح غنيا إن رفعت صوتك في التلفاز…ولن يجد شغلا لابنه العاطل إن أعفيت…وأقلت…وأطردت…وشرّعت…وجمّدت…مولاي…أتريد أن يحبك هذا الشعب… كل الشعب…فمن يصفّق لك اليوم ليس كل الشعب كما أوهموك…إن كنت تريد حقّا حبّ هذا الشعب خاطبه بما يريد وليس بما تريد …أو بما يريد بعض من بايعوك …فالشعب لم ينتخبك لتفعل ما تريد…كيف تريد…متى تريد… ولم ينتخبك ليسمع فحش الكلام من أتباعك….ولم ينتخبك ليحاكم ممن بايعوك ظلما على صفحات الفايسبوك …أغلب الشعب انتخبك قطعا للطريق أمام خصمك…فلا تنس مولاي هذا…فمن أوهموك اليوم بأن كل “الشعب يريد”…سيخرجون عليك غدا ويقولون “الشعب يريد”…يوم لا تفعل ما يريد…وأعلم مولاي أن الخمرة لا تذهب بكل العقول…