“المشاهد غير الأخلاقية التي تتنافى مع هذا الشهر الكريم”
هذه هي الحجة التي تتخفى وراءها بعض الهيئات التعديلية للإعلام العربي لمنع بثّ بعض المسلسلات الرمضانية
و كأن لا شيء يخدش الحياء غير مشاهد القبل التلفزية
أ ليست رؤية ربّ عائلة يجول بقفة فارغة داخل الأسواق خادشة للحياء ؟
أ ليس مشهد امرأة و أبنائها يلتقطون قوتهم من القمامة خادشا للحياء ؟
أ ليس تعنيف زوج لزوجته أمام أبنائها و شتمها و ضربها و رميها في الشارع خادشا للحياء ؟
أ ليست صورة موظف نائم متكاسل متلكّئ في عمله أو صورة زميله الغائب عن مكتبه و عشرات المواطنين بانتظاره خادشة للحياء ؟
أ ليست سلوكيات التحيل والسرقة و الرّشوة و الاحتكار والغش في الميزان وفي البضاعة خادشة للحياء ؟
أليست تجارة الأسلحة و التهريب و ترويج المخدرات و النّشل و القتل و السّرقة خادشة للحياء ؟
أ ليست صور جثث الحارقين و الفارّين من جحيم البلاد مرميّة على الشواطئ خادشة للحياء؟
أ ليست مشاهد انتظار الحافلات المحطمة و القطارات المتهالكة في المحطّات البائسة خادشة للحياء؟
أ ليست هذه الصور و غيرها هي ما تنقله الدراما التلفزية و تعكس به الواقع العربي ؟ فلم لا تخدش حياءنا غير مشاهد الحبّ و الأحضان و القبل ؟
أ ليست هذه القنوات التلفزية هي نفسها التي تعرض يوميا على الصائمين برامج طبخ تتحدى طاقاتهم الشرائيّة و تضع أمامهم موائد و أطباقا مزينة لا يحلمون حتى بتذوّقها في زمن لم يعد فيه الكثيرون قادرين على توفير قوت يومهم أمام
الترفيع المتواصل للأسعار و مستويات التضخّم غير المسبوقة و فقدان الكثير من المواد ؟
أ ليس خادشا للحياء أن يستيقظ المواطن يوميا على خبر زيادة جديدة في أثمان المنتجات و انحدار مستمر لقدرته الشرائيّة؟
أليس خادشا للحياء ارتعاش الأيدي و هي تمتدّ إلى الجيوب الخاوية ؟
أليس خادشا للحياء تبخّر الأجرة ( لمن استطاع إليها سبيلا ) قبل انتصاف الشهر ؟
أ ليس خادشا للحياء رؤية الحسرة و القهر و ضياع الأمل في أعين العاطلين عن العمل ؟
أليس خادشا للحياء انكسار قلوب الأطفال أمام واجهات محلات الألعاب و الملابس ؟
أ ليس خادشا للحياء أن تطلبوا منا مقاطعة الخضر و الغلال و اللحوم ؟
أ ليس خادشا للحياء و الذكاء أن تطلبوا منا أن نتشارك في ركوب السيارات للتنقل في دولة قانونها يمنع “الكوفواتيراج”، و يعاقب من يمارسه ؟
أ ليس خادشا للحياء و الأمل أن يرى المواطن بلاده تنهار و تتفكك أمامه ؟
أ ليس خادشا للحياء و الذكاء أن لا نجد في الطبقة السياسيّة كاملة من يقدّم الحلول و يسارع بالإنجاز؟
أ ليس خادشا للحياء و الذّكاء أن لا يقترح علينا الوزراء سوى مقاطعة البضائع و ترشيد الاستهلاك و التحكم في النّفقات ؟
هل أتينا بكم لتتقمّصوا دور الحكيم و تقدموا لنا هذه النّصائح (التي نطبقها يوميّا) ؟
هل أتينا بكم لتتهمونا بأنّ سلوكنا الاستهلاكيّ هو السبب في اختفاء السلع و ارتفاع الأسعار ؟
هل أتينا بكم لتحيلونا من وضع الضحية إلى وضع المتّهم و من وضع المظلوم إلى وضع الظالم ؟
المواطن ليس مطالبا بالحل..و باستنباط الحل… و ما على المسؤولين إلاّ أن يبتكروا حلولا حقيقيّة ناجعة بعيدا عن طلاسة و طبشور أحد الولاة.