تابعنا على

جلـ ... منار

دلالات تمدد “داعش” في إفريقيا الوسطى

نشرت

في

في سبتمبر 2020، حسم “موسى سيكا بالوكو” -زعيم إحدى الجماعات الإرهابية المتواجدة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية- الجدلَ حول هوية تنظيم داعش في قلب إفريقيا. لقد أضحى فصيل بالوكو جزءًا من المشروع العالمي للدولة الإسلامية.

<strong>د حمدي عبد الرحمن <strong>

يقول زعيم داعش الإفريقي الجديد بكل وضوح: “لم يعد هناك شيء اسمه القوات الديمقراطية المتحالفة بعد الآن.. نحن ولاية، ولاية إفريقيا الوسطى وهي ولاية واحدة من بين الولايات العديدة التي تتكون منها الدولة الإسلامية”. وقد تم التوكيد على هذا التحول والتمدد الإرهابي في العمق الإفريقي بعد قيام وزارة الخارجية الأمريكية، في 10 مارس الماضي، بتصنيف فرع الدولة الإسلامية في جمهورية الكونغو الديمقراطية كمنظمة إرهابية أجنبية، كما تم تصنيف قائد المجموعة “موسى بالوكو” بشكل خاص باعتباره إرهابيًا عالميًا. ولعل ذلك يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة الجماعات الجهادية العنيفة في وسط إفريقيا، والجدل حول ارتباطاتها بالمشروع الجهادي المعولم، والسياق الذي ظهرت فيه، ودلالات ذلك بالنسبة لاستراتيجية الحرب على الإرهاب.

“دعشنة” النشاط الإرهابي:

من الواضح أن فصيل بالوكو في شرق الكونغو قد أصبح جزءًا من شبكة الإعانات المالية لتنظيم داعش في سنة 2016، وذلك قبل نحو ثلاث سنوات من الإعلان الرسمي عن تأسيس “ولاية إفريقيا الوسطى”. ففي أفريل 2019، أعلن داعش عن أول هجوم من نوعه في جمهورية الكونغو، وهو الهجوم الذي تم تنفيذه عبر “القوات الديمقراطية المتحالفة”. وفي جويلية من العام نفسه بث التنظيم شريط فيديو لزعيمه “موسى سيكا بالوكو” يعلن فيه مبايعة زعيم داعش -آنذاك- “أبو بكر البغدادي” الذي وصفه بخليفة المسلمين. عندئذ ازدادت أنشطة داعش الإرهابية في الكونغو، حيث بلغ عدد ضحاياه من المدنيين الذين فقدوا حياتهم في عام 2020 وحده نحو 849 مدنيًا. كما أنه تمكّن في أكتوبر 2020 من الهجوم على أحد السجون في جمهورية الكونغو مما أدى إلى هروب أكثر من 1300 سجين.

ويمكن تفسير الغموض الذي أحاط بحقيقة الاصطفاف الأيديولوجي والتنظيمي لفصيل “بالوكو” في الكونغو مع التنظيم العالمي لداعش بعوامل ثلاثة أساسية: سوء الفهم المستمر المتعلق بالاستراتيجية العالمية لتنظيم داعش ولا سيما الشعار الذي يردده دومًا بأنه باقٍ ويتمدد، وعدم الوصول إلى المصادر الأولية (ولا سيما الخطب والبيانات الصادرة عن تنظيم الدولة الإسلامية والقوات الديمقراطية المتحالفة، والمقابلات مع مقاتلي الحركة الإرهابية الحاليين والسابقين)، والمخاوف المبررة بشأن الآثار السياسية المترتبة على إعلان معقل جديد لداعش وسط إفريقيا. ومما يؤكد هذا المنحى في التفسير هو إعلان دولة الكونغو الديمقراطية انضمامها للتحالف الدولي لمحاربة داعش لتصبح العضو رقم 80.

السياق والتطور:

من المهم فهم السياق التاريخي والاستراتيجي لتطور القوات الديمقراطية المتحالفة منذ عام 2015، عندما بدأ التحول في فكرها الجهادي. إنه تاريخ معقد، حيث إن الجماعة، على الرغم من اسمها الذي يحمل صبغة ديمقراطية وعلاقاتها بالمجتمعات غير المسلمة والجماعات المسلحة، كان لديها دائمًا أجندا إسلامية متشددة معلن عنها، والتي أخذت منحى جهاديًا متطرفًا وعنيفًا بمرور الوقت. لقد أظهرت الجماعة التي نشأت على يد مجموعة من الضباط الأوغنديين المنشقين، عبر تاريخها، استعدادها لتشكيل تحالفات، والاستفادة من الدعم الخارجي لتعزيز أهدافها. وفي نهاية المطاف أصبح فصيل رئيسي من الجماعة بقيادة “موسى بالوكو” جزءًا من منظومة داعش العالمية. 

ترتبط الجذور الحقيقية لنشأة داعش وسط إفريقيا إلى السياق الأوغندي أوائل تسعينيات القرن الماضي حينما قامت جماعة التبليغ بزعامة “جميل موكولو” بمحاولة الاستيلاء على مسجد كمبالا القديم. وعلى الرغم من أن هذه الجماعة لم تكن تتبنى فكرًا جهاديًا عنيفًا في ذلك الوقت فإنها كانت ذات ميول سلفية أصولية. على أن “موكولو” استطاع التحالف مع جناح مسلح يسمى “المسلمون الأوغنديون المقاتلون من أجل الحرية”. بيد أن هزيمة هذه الحركة على يد الجيش الوطني عام 1995 اضطرها إلى اللجوء إلى الكونغو. وقد استطاع “جميل موكولو” برعاية من نظام الإخوان المسلمين الحاكم في السودان -آنذاك- التحالفَ مع الجيش الوطني لتحرير أوغندة وإعادة تسمية الجماعة المسلحة لتصبح القوات الديمقراطية المتحالفة.

لقد ساعدت الطبيعة الجغرافية لمنطقة شرق الكونغو التي تموج بعشرات التنظيمات المسلحة العنيفة جماعة “موكولو” على إعادة البناء والتأسيس. وابتداء من عام 2003، فرضت قيادة القوات الديمقراطية المتحالفة تفسيرًا صارمًا للشريعة الإسلامية على سكان المخيمات واللاجئين، واستفادت من بناء شبكات وعلاقات مع المجتمعات المحلية. على أن زعيم الجماعة بدأ يتبنى نهجًا عنيفًا ربما للضغط على السكان المحليين وترويع قوات الأمن الحكومية. يقول في خطاب له عام 2014: “حتى عندما يروننا في القرى ونحن نمر، يجب عليهم إبلاغ القوات المسلحة الكونغولية بهذا الأمر. إذا رآك المدنيون، اقتل المشركين منهم كما يقاتلونك. اذبحهم وقطع رؤوسهم على الفور. لا تُعْطِهم فرصة ثانية. لا تتردد في قطع رؤوسهم”. على أن نقطة التحول الفارقة تمثلت في اعتقال “جميل موكولو” في تنزانيا عام 2015، وتولِّي “موسى بالوكو” قيادة القوات الديمقراطية. تحت قيادة “بالوكو” تبنى التنظيم المسلح عقيدة ومنهج تنظيم داعش، ولا سيما الإطار الفكري، لتبرير نشاطه الإرهابي وتأطيره من الناحية الأيديولوجية. اتضح ذلك في حملات التنظيم الدعائية ووسائط التواصل الاجتماعي منذ عام 2017. على سبيل المثال، بعد ساعات من اقتحام سجن كانغباي، في 20 أكتوبر 2020، وتحرير أكثر من ألف سجين بما في ذلك 236 من مقاتلي الجماعة، تبنى داعش الهجوم، وتم ربط الهجوم بعملية “تحطيم الجدران” العالمية من أجل تحرير السجناء المهمين من السجون. منذ أفريل 2019، أعلنت وحدات الإعلام التابعة لتنظيم داعش المركزي مسؤوليتها عن أكثر من 110 عمليات مسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. 

الجناح الموزمبيقي:

إن توسّع داعش في إفريقيا مدفوع باستراتيجية العمل مع الجماعات المسلحة المحلية التي يمكن أن تتحول إلى أذرع رسمية إذا استوفت المعايير التي وضعتها القيادة المركزية من أجل الحصول على الاعتراف الرسمي. وإذا تم قبول هذه الأفرع المحلية، فإنها تصبح مقاطعات تابعة لداعش، تمامًا كما أصبح فصيل من بوكو حرام ولاية غرب إفريقيا. ومن اللافت أن تسمية تنظيم إفريقيا الوسطى مضللة لأن كلًا من موزمبيق وتنزانيا ليستا جزءًا من وسط إفريقيا. وتتألف ولاية إفريقيا الوسطى من جناحين متميزين؛ الأول هو القوات الديمقراطية المتحالفة بزعامة “موسى بالوكو” في الكونغو، والثاني هي جماعة أهل السنة والجماعة (أو الشباب) بزعامة التنزاني “أبو ياسر حسن”، وهي مجموعة من المقاتلين متمركزة في مقاطعة كابو ديلغادو شمالي موزمبيق.

وبعد وقت قصير من ظهوره الرسمي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أعلنت ولاية إفريقيا الوسطى في جوان 2019 عن وجود فرعها الثاني في كابو ديلغادو، وهي المقاطعة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في موزمبيق، التي هي دولة يبلغ عدد سكانها المسلمين حوالي 18% من مجمل السكان. منذ ذلك التاريخ، واصلت الآلة الإعلامية لتنظيم داعش تبني الإعلان عن العديد من الهجمات التي نفذها الجناح الموزمبيقي. وعلى الرغم من عدم اعتراف الحكومة الموزمبيقية في روايتها الرسمية بالعنف الجهادي، حيث نَسَبَتْه إلى مجموعة من “المجرمين” العاطلين عن العمل، إلا أنها سرعان ما غيرت روايتها قائلة إن الجماعات الإرهابية تحاول التمدد والانتشار عبر أراضي موزمبيق….

 (يتبع)

ـ عن مركز “المستقبل” للأبحاث و الدراسات المتقدمة ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، الإمارات العربية المتحدة

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

لروحك السلام يا آخر العباقرة

نشرت

في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غادة السمّان:

ماذا يقال في رحيلك وقد قلتَ كلّ شيء.

يخجل القلب من نعيك، ويضيق الحرف برثائك، تفيض المشاعر حزناً وصدمة إنّما لا يتّسع الفضاء الالكتروني لترجمتها.. تربّطت أصابعي عن النقر على لوحة الحروف واحترقت دموعي غزارة في المُقل.

غبت أيّها المتمرّد الأوّل يا من نفضت الغبار عن فكرنا لنستنير وبقينا جهالاً!

هذا المقال أوائل البدايات في الصحافة كتبته في 2018 وكان من أجمل ما كتبت لأجمل من عنه كتبت

تأثّرت بك وانتظرت عودتك لأعاصر شيئاً من فنّك الأسطوري.

كان مقالي حلماً جميلاً لكنّك رحلت دونما وداع كما أعزّ أحبّائي.

ثقُل كأس الموت يا تمّوز، حرقته لاذعة ترفض التروّي فمهلاً على المواجع

شخصٌ بمثابة الحلم تتمنّى إدراك حقيقته و سبر عمق أغواره، إلّا أنّك إن نلت شيئاً عنه تجد أنّك لا زلتَ على البرّ المربِك، الأكثر حيرةً.

لطالما تمنيّتُ أن أفهم من هو؟وكيف يُفكّر؟ ومن أين يأتِ لنا بكلّ تلك الحقائق الصادمة؟ السّاخرة والآخذة.

لِمَ هو بهذا التعقيد وتلك السلاسة في وقتٍ واحد؟!

كلّما صعُبَ عليك فهمه هان، و كلّما هانت كلماته استصعبت.

ذلك السّهلُ الممتنع ممتلئٌ بالشغف وكثير البرود، أستمعُ إلى حواراته القليلة جدّاً فأتمنّى أن أجد لتساؤلاتي أجوبة..

‎ زياد الرّحباني اعترافات مشاكسة عمّا يجول في خاطره، يفاجِئُكَ ببساطة مفرداته وصعوبة تقبّلها في آن، حين يقول ” أنا مائة ألف شخصيّة فايتين ببعض” ويذهلك بحقيقةٍ أمرّ.

‎مضيفاً “بعد 5 دقائق من ولادتك رح يقرّروا دينك، جنسيتك، مذهبك، طائفتك، ورح تقضّي عمرك عم تدافع بغباء عن إشيا ما اخترتا”!! حتّى أنّه علّق وانتقد تغيير التوقيت حيث قال ساخراً:

‎” كل سنة بتقدموا السّاعة وبترجعوا لورا 10 سنين”.

هل هو بهذه العبقريّة التي يبدو عليها أم نحن بتنا جهالاً، لكثرة ما خذلتنا المعرفة في هذا الوطن الكئيب.

لماذا لا نرى ما يراه و نفقه ما يقوله، ونفكّر ولو قليلاً بنهجٍ يماثله؟!!

ليس زياد الرّحباني ذلك الموهوب، المؤلّف المسرحيّ أو الكاتب والملّحن الموسيقيّ فقط.

بعيداً وباستحقاقٍ جدير بالاعتراف يرتقي إلى مكانة المفكّر العبقريّ، والناقد الأشدّ لذعاً بمختلف ميادين الحياة.

هو مَن لا تفوته فائتة في السياسة والأدب والفن والموسيقى والمجتمع ودائماً ما يُفصّلُ اعتراضات واتّهامات للجميع دون استثناء..

إنّه المشاكس الحذر، الصامت طويلاً ولكن إن حكى، أبكى التخلّف وأحبط مفاعيل الجهل، وصبَّ لينَ الزّيت على أفواه النار.

من هنا فإنّ المسرح اللّبناني في غياب زياد ناقصٌ وعند مستوى خطِّ الفقر!!

إلّا أنّه يغيب فجأةً وينقطع عن محبّيه عمراً. ليمنَّ علينا مؤخراً بعودةٍ خجولة أطلق فيها الوعد بالبقاء.

وها نحن هنا بعد سنوات من القطيعة المجحفة تلك، لا نُريدُ رحبانيّات متفرّقة، بل تتملّكنا رغبةٌ جامحة بلوحةٍ عنوانها فيروز وزياد الرحبّاني يغنيّان معاً، ويكسران كبرياء أفقٍ مثقّلٍ بانحطاط موسيقيّ!

ها هو المجنون العبقريُّ يحطّم صومعته ويُلقي علينا بسحر التراتيل.. بذكاءٍ فطري يضبطُ التوقيت الذي يراه مناسباً. مهما انتظرنا يبدو العناء مستحقّاً أمام جنون العظمة.

حين تدرك أنّ وحدَها النّسور من تغرّد خارج السّرب، وحين تقرّر تعود إلى أحضان فيروزها لتصبح الأغنية صلاة..

أكمل القراءة

جلـ ... منار

دفاعا عن ماجدة الرومي

ردّاً على مقال: حين يعلو الجهل ويخفت الإدراك الموسيقي

نشرت

في

جمال فياض

في زمن تتكاثر فيه الأقلام المتطفّلة على النقد الفني، وتختبئ وراء قناع “المحبة الصامتة” لتبثّ سمًّا باردًا في جسد الإبداع، يطلّ علينا مقالٌ “غير ودّي” عن حفل السيّدة ماجدة الرومي في “أعياد بيروت”، لا يحمل من الحسّ النقدي سوى مفردات طبية سطحية ومصطلحات صوتية غير واضحة أو مبررة ومبتورة السياق.

إن الحديث عن انتقال الصوت من طبقة الـ”Soprano Lyric” إلى “Mezzo-Soprano” أو حتى إلى “Alto” هو كلام صحيح علميًا من حيث التدرج الطبيعي لأي صوت بشري، لكنه يصبح مضللاً عندما يُطرح كأداة للطعن، لا كظاهرة بيولوجية طبيعية يعرفها كل دارس حقيقي لفسيولوجيا الصوت. فحتى مغنّيات الأوبرا العالميات ينتقلن تدريجيًا في طبقاتهن مع التقدم بالعمر، دون أن يُعتبر ذلك سقوطًا فنّيًا، بل نضجًا صوتيًا وإعادة تموضع ذكي للريپرتوار.

أما مصطلح “Tremolo” الذي استخدمته الكاتبة، (وليتها شرحت لنا نحن البسطاء اللي فهماتنا على قدنا معنى المصطلح الذي زودها به أحد المطرودين من حياة الماجدة) وهي استخدمته على عماها فأساءت فهمه على ما يبدو. فالـTremolo ليس عيبًا صوتيًا بالضرورة، بل أسلوب تعبير ديناميكي مقصود في الأداء، يُستخدم في الموسيقى الكلاسيكية والشرقية، ويُضفي بعدًا دراميًا على الجملة الغنائية، لا سيما في الأعمال العاطفية أو الإنسانية. لكنه يتحوّل إلى “اهتزاز غير إرادي” فقط في حالات مرضية مُثبتة طبيًا، وهو أمر لا ينطبق على الماجدة ولم تثبته أي جهة موثوقة في حالة السيدة ماجدة، بل استنتجته الكاتبة بإذن نقدية هاوية غير مؤهلة سريريًا أو أكاديميًا.وربما بأذن مستعارة ، من شخص ما !!

إن وصف الكورال بـ”العكّاز الصوتي” يعبّر عن جهل صارخ بوظيفة الكورال في الموسيقى الكلاسيكية والحديثة وكل الأغاني على حد سواء. الكورال ليس ترميمًا لعيوب، بل جزء أساسي من البنية الهارمونية، يعمل كدعامة جمالية وتعبيرية، سواء في موسيقى “باخ” أو أغاني فيروز أو إنتاجات اليوم الحديثة. حتى أم كلثوم ختمت حياتها الفنية بأغنية فيها كورال ومسجلة في الستوديو، وهي أغنية “حكم علينا الهوى”، فهل غرام بليغ حمدي بإضافة الكورال على أغلب ألحانه كان “عكازاً” لوردة وعبد الحليم وكل من لحّن لهم؟ استخدام الكورال لا يعني ضعفًا بل انسجامًا مع شكل موسيقي راقٍ يسمّى “الهارموني الكورالي”.

أما التلميح إلى أن السيدة ماجدة الرومي “تصارع للبقاء”، فذاك تعبير درامي هابط يتنافى مع اللياقات كما مع حقيقة ما رأيناه وسمعناه: فنانة قديرة تتحكّم بمسرحها، تدير الفرقة بوعي موسيقي عالٍ، تؤدّي بجملةٍ صوتية مدروسة تحترم مساحة صوتها الحالية، وتوظّف إمكانياتها التقنية بإحساس رفيع دون أن تفرّط بكرامتها الفنّية. ذلك يسمّى في لغة الموسيقى “interpretative maturity” أي النضج التعبيري، وليس انهيارًا كما يحاول البعض التسويق له بلغة “فيسبوكية” مستهلكة.

وأخيرًا، المقارنة بين ماجدة وصباح وفيروز مضلّلة وغير دقيقة. فكل صوت حالة مستقلّة، وكل مدرسة غنائية تُقاس بمعايير مختلفة. وإن كانت فيروز قد اختارت الابتعاد، في مرحلة ما بعد السبعين ،فذاك قرار شخصي لا يُفرض كنموذج على الأخريات. لأن أم كلثوم ظلّت تغني حتى العقد الثامن من عمرها، وهي راعت كما هو معروف طبقاتها الصوتية منذ بلغت الستين من عمرها. وهذا ما ما فات كاتبة المقال ذكره.

نحن لا نصفّق من دون وعي، بل نُصغي بفهم. وما سمعناه من ماجدة في “أعياد بيروت” كان صوتًا لا يزال يُغنّي بروح تُحسن استخدام تقنيات الـVibrato Controlled، وتعرف متى تُمسك بالجملة ومتى تُسلمها للمرافقة الموسيقية، دون أن تفقد شخصيتها الأدائية.

السكوت الذي دعا إليه كاتب المقال باسم “المحبّة”، هو صمت الجاهلين. أما المحبّة الحقيقية، فهي أن نعرف الفرق بين الهبوط الصوتي، وبين إعادة توزيع القدرات وتكييف الأداء بما يليق بمقام الفنّ النبيل…

بكل مودة الزمالة…

شكراً ، لمن كتب بالسرّ، ومن نشر في العلن

أكمل القراءة

جلـ ... منار

النصر والهزيمة في حرب الـ (12) يوما!

نشرت

في

عبد الله السنّاوي

كان مثيرا ولافتا أن طرفي الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي امتدت لـ(12) يوما، يعتبر نفسه منتصرا.

فور وقف إطلاق النار خرج الإيرانيون إلى شوارع وميادين طهران يحتفلون بالنصر، يرددون الهتافات، ويتعهدون بمواصلة القتال في جولات أخرى.

عبد الله السنّاوي

بذات التوقيت، سادت التغطيات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية نزعة انتصارية إجماعية.

ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” كلمة أطلق عليها “خطاب النصر”.

من الذي انتصر حقا؟!

أسوأ إجابة ممكنة إصدار الأحكام بالأهواء، وتنحية الحقائق جانبا.

إنها جولة في صراع طويل وممتد، تليها جولات أخرى بعد وقت أو آخر.

القضية الفلسطينية جوهر ذلك الصراع.

لم تكن من أعمال المصادفات عودة الزخم مرة أخرى إلى ميادين القتال في غزة فور وقف إطلاق النار على الجبهة الإيرانية.

“حان وقت التركيز على غزة لإنهاء حكم حماس واستعادة الرهائن”.

كان ذلك تصريحا كاشفا للحقائق، أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي “إيال زامير” في ذروة دعايات النصر.

إنهما حرب واحدة.

هكذا بكل وضوح.

أكدت المقاومة الفلسطينية المعنى نفسه في عملية مركبة بخان يونس، أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى والمصابين، وأثارت الفزع في صفوف الجيش الإسرائيلي.

لا يمكن إنكار مدى الضرر الفادح، الذي لحق بالمشروع النووي الإيراني، جراء استهدافه بغارات إسرائيلية وأمريكية مكثفة ومتتالية.

هذه حقيقة.. لكنه يستحيل تماما أي زعم إنها قوضته، أو أن أمره انقضى.

لم يتمالك الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، الذي انخرط بصورة مباشرة وغير مباشرة في الحرب على إيران، أعصابه فأخذ يكيل الشتائم المقزعة لمحطة “سي. إن. إن”، على خلفية تشكيكها في روايته.

“إنها حثالة”!

لم يكن لديه دليل قطعي أن العملية الأمريكية، التي استهدفت ثلاث منشآت نووية، “أصفهان” و”ناطنز” و”فوردو” الحصينة في أعماق الجبال، حققت أهدافها.

حسب تسريبات عديدة فإن السلطات الإيرانية نجحت في نقل اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزية من تلك المنشآت قبل قصفها بقاذفات (B2) إلى أماكن أخرى آمنة.

التسريبات شبه مؤكدة بالنظر إلى عدم حدوث تسرب إشعاعي، أو تلوث بيئي إثر تلك الضربات، التي استخدمت فيها قنابل عملاقة لأول مرة.

يصعب التسليم بـ”الإنجازات” الإسرائيلية في ضرب المشروع النووي الإيراني دون فحص وتأكيد.

بقدر آخر فإنها لم تحقق نجاحا يذكر في تقويض المشروع الصاروخي الباليستي، الذي أثبت قوته التدميرية ودرجة تقدمه، التي ألزمت الإسرائيليين البقاء في الملاجئ لفترات طويلة.

قبل وقف إطلاق النار مباشرة بدت الضربة الصاروخية في بئر السبع، تأكيدا أخيرا على درجة عالية من الفشل الإسرائيلي في إضعاف القدرات الإيرانية.

ثم تبدى الفشل فادحا في طلب إثارة الفوضى بأنحاء البلاد، تفضي تداعياتها إلى الإطاحة بنظام الحكم.

بحقائق الجغرافيا والتاريخ والحضارة، إيران ليست دولة صغيرة أو عابرة.

إنها مع مصر وتركيا الركائز الكبرى في حسابات الإقليم، مهما جرى لها، أو طرأ عليها من متغيرات سياسية.

بقوة إرثها التاريخي تحركت الوطنية الإيرانية لرفض الاستسلام بلا شروط لـ”السلام عبر القوة” حسب تعبير “ترامب”.

تحت الخطر الوجودي توحدت إرادتها العامة، بغض النظر عن أية تحفظات على نظام الحكم.

كان المواطن الإيراني البطل الأول في التصدي لتغول القوة الأمريكية والإسرائيلية.

أبدى الإيرانيون قدرة لافتة على الإحلال في مراكز القيادة والسيطرة تحت أسوأ الظروف، بعدما نال العدوان من قيادات عسكرية وعلمية ذات وزن ثقيل في الضربة الافتتاحية.

في حرب الـ(12) يوما تبدى شيء من التعادل الاستراتيجي، الطرفان المتحاربان تبادلا الضربات الموجعة.

فرضت السلطات الإسرائيلية تكتما مشددا على حجم الأضرار التي لحقت ببنيتها التحتية والعسكرية؛ جراء الضربات الإيرانية، حتى لا يفضي النشر إلى زعزعة ثقة مواطنيها في قدرة جيشهم على المواجهة.

فاقت الخسائر الباهظة أية طاقة على الإفصاح، لا عرفنا عدد القتلى والمصابين، ولا ما هي بالضبط المواقع الاستراتيجية، التي استهدفت، ومدى الضرر الذي لحقها.

المعلومات المدققة من متطلبات إصدار الأحكام.

بصورة عامة تقارب الحقيقة فإننا أمام حالة “لا نصر ولا هزيمة”، غير أن إسرائيل يمكن أن توظف مجريات الحرب لإثارة اليأس من كسب أي معركة ولو بالنقاط.

بدا المشهد الختامي ملغما بالتساؤلات الحرجة.

وجه الإيرانيون ضربة رمزية لقاعدة “العديد” الأمريكية، لتأكيد حقهم في الرد على العمل العسكري الأمريكي داخل أراضيهم ضد ثلاث منشآت نووية.

أُبلِغت مسبقا السلطات القطرية باستهداف القاعدة القريبة من العاصمة الدوحة خشية ردات فعل سلبية.

نُقِلت إلى الأمريكيين فحوى الرسالة الإيرانية.

كان ذلك عملا احترازيا، حتى لا تفلت الحسابات، في وقت توشك فيه الحرب على الانتهاء.

وصفت الضربة الإيرانية بـ”التمثيلية”.

الأقرب للحقيقة، إنه سوء تقدير فادح، لم يكن له لزوم، أو ضرورة، أربك البيئة العربية العامة المتعاطفة مع إيران، كما لم يحدث من قبل.

أثارت الضربة الرمزية شكوكا وظلالا لا داعي لها.

بقوة الحقائق كانت الحرب على وشك أن تنتهي.

الخارجية الإيرانية تشترط وقف الهجوم الإسرائيلي قبل العودة إلى المفاوضات مرة أخرى.

والحكومة الإسرائيلية تطلب وقفا فوريا لإطلاق النار، تحت ضغط الترويع، الذي ضرب مواطنيها، إذا ما وافقت طهران.

الجانبان المتحاربان يطلبان لأسباب مختلفة وقف إطلاق نار.

هكذا توافرت أمام “ترامب” فرصة للتخلص من عبء الحرب على شعبيته.

لم تكن إسرائيل مستعدة لأي اعتراف، بأنها لم تحقق أهدافها من الحرب، لكن الحقائق وحدها تتكلم.

أكمل القراءة

صن نار