جلـ ... منار

دلالات تمدد “داعش” في إفريقيا الوسطى (ج 2)

نشرت

في

….. وتعود جذور ولاية إفريقيا الوسطى في موزمبيق إلى جماعة تُعرف محليًا باسم الشباب، والتي ليست لها صلات معروفة بالفصيل الصومالي من الشباب المجاهدين المرتبط بالقاعدة والذي يحمل الاسم نفسه. رفضت حركة الشباب، المعروفة محليًا باسم “أنصار السنة والجماعة”، علمانية الدولة، وتبنت الأيديولوجيا السلفية ورؤية متشددة للشريعة الإسلامية وضرورة تطبيقها في مقاطعة كابو ديلغادو.

<strong>د حمدي عبد الرحمن <strong>

ولعل ذلك يماثل النشأة الأولى لفصيل الشيخ “جميل موكولو” السلفي في أوغندة أوائل تسعينات القرن الماضي. خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2015، تأثرت حركة الشباب الموزمبيقية بالأفكار الإسلامية المتشددة من قبل الدعاة القادمين من شرق إفريقيا، ولا سيما تنزانيا وكينيا والصومال. ولعل ذلك هو الأمر الذي مهد الطريق لإنشاء الجناح الحالي لداعش في موزمبيق. تبنت حركة الشباب نهجًا عنيفًا ابتداء من عام 2015 وقامت بأول عمل عنيف كبير في أكتوبر 2017 عندما هاجمت مركز الشرطة والمباني الحكومية الأخرى في موسيمبوا دي برايا، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا. على أن هدف الجماعة الخاص بالإطاحة بالحكومة وتأسيس دولة الخلافة الإسلامية لم يتضح إلا في جانفي 2018.

وتعود العلاقة بين حركة الشباب وولاية داعش في إفريقيا الوسطى إلى أفريل 2018، عندما أعلن بعض مقاتلي الشباب في موزمبيق مبايعتهم لداعش. ومع ذلك لم يتم الاعتراف رسميًا بالجناح الموزمبيقي لـداعش إلى جانب الفرع الكونغولي إلا في جانفي 2019. في عام 2020، توسّع جناح ولاية إفريقيا الوسطى الموزمبيقي بسرعة، وأظهر قدرته على شنّ هجمات متطورة سمحت له بالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي في كابو ديلغادو، بما في ذلك الاستيلاء في أوت 2020 على ميناء موسيمبا دا برايا الاستراتيجي. ومن المعروف أن التنزاني “أبو ياسر حسن” هو الذي يقود التنظيم في موزمبيق وهو على قائمة الإرهاب العالمية وفقًا لتصنيف الخارجية الأمريكية.

الدلالات والأسئلة الحرجة:

لعل فهم السياق العام للحركات الإرهابية العنيفة وكذلك المقاربات المختلفة لمحاربة الإرهاب يمثل مقدمة لازمة للنقاش والتحليل من أجل وضع السياسات العامة الصحيحة. لقد ابتُليت شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية شأنها في ذلك شأن منطقة شمال موزمبيق بمستويات متوطنة من العنف والتهميش الاجتماعي وتكالب الشركات الدولية من أجل الحصول على الموارد الطبيعية. على سبيل المثال، يشير مؤشر الأمن في شمال كيفو بالكونغو إلى أنه منذ عام 2018، وهو العام نفسه الذي ذكر فيه زعيم الدولة الإسلامية -آنذاك- “أبو بكر البغدادي” لأول مرة مقاطعة وسط إفريقيا، حتى عام 2021، شنت القوات الديمقراطية المتحالفة حملة متصاعدة من العنف ضد المدنيين. وخلال الفترة بين جانفي2019 و جوان 2020، قُتل نحو 793 مدنيًا، على الرغم من أن جماعات المجتمع المدني المحلية تشير إلى أن العدد الفعلي للضحايا أعلى من ذلك بكثير. 

وعادةً ما يتم تبرير العنف بشكل متزايد من خلال صعود نجم داعش في المنطقة. علاوة على ذلك، فإن الارتباط بـ”العلامة التجارية” لتنظيم داعش عبر شبكات الدعم والتمويل من المرجح أن يزيد من جاذبية مثلث الموت في شرق الكونغو والفراغ الأمني شمال موزمبيق للمقاتلين الأجانب والفروع الأخرى لتنظيم داعش في إفريقيا، مما قد يؤدي -بدوره- إلى مزيد من الهجمات على المدنيين.

هناك مخاوف مفهومة من أن الاعتراف بوجود ولاية إفريقيا الوسطى في كل من شرق الكونغو وموزمبيق قد تكون له آثار سياسية سلبية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى استجابات سياسية عسكرية لمكافحة الإرهاب والتي قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات في إقليم مضطرب، ويشكل مركبًا أمنيًا بالغ التعقيد والتشابك. ومع ذلك، فإنّ إنكار الدليل الواضح على وجود روابط بين داعش وكل من القوات الديمقراطية المتحالفة وأهل السنة والجماعة في كابو ديلجادو هو أمر يعيق، في أحسن الأحوال، النقاش الأكاديمي ويقف حائلًا أمام تبني سياسات ملائمة، وفي أسوأ الأحوال يتجاهل الأدلة الحاسمة التي يمكن أن تساعد في منع إراقة المزيد من دماء المدنيين. ينبغي أن يكون الجدل حول طبيعة تلك العلاقة بين داعش ومقاتليها في ولاية إفريقيا الوسطى وآثار تلك العلاقة. ثمة تساؤلات تتعلق بضرورة فهم ديناميات الأنشطة الإرهابية العنيفة على أرض الواقع. إن العنف في كل من شرق الكونغو وشمال موزمبيق هو أعمق وأكثر تعقيدًا من الحركات الجهادية العنيفة. وعلى أية حال فإن مواجهة هذا التهديد ستكون حاسمة لحماية شعوب المنطقة وإحباط جهود داعش للبقاء والتمدد عبر بوابة إفريقيا.

ختامًا فإنه طبقًا للدراسات والمصادر الأولية المعتبرة يمكن تتبع تطور كل من تنظيم “القوات الديمقراطية المتحالفة” وجماعة الشباب في شمال موزمبيق انطلاقًا من أصولهما الوطنية باعتبارهما ضمن منظومة جماعات التمرد ذات الأهداف الوطنية والتي تنجم عن مشاعر التمييز والاضطهاد ضد المسلمين إلى كونهما جزءًا من التنظيم العالمي لداعش، وهو ما يكشف عن رؤى وتحولات مهمة في أجندة داعش وسعيها من أجل بناء شبكات عبر وطنية لدعم عملياتها الإرهابية. 

ويمكن الخلوص إلى ثلاثة استنتاجات مهمة تساعد على فهم هذا التمدد الداعشي في الوسط الإفريقي؛ أولًا: من الواضح أن تطور الأنشطة العملياتية والاستراتيجية للقوات الديمقراطية المتحالفة تحت قيادة “بالوكو” وجماعة الشباب تحت قيادة “أبو ياسر حسن” يشير إلى أن كلًا منهما يسعيان إلى تنفيذ عقيدة ومنهج تنظيم داعش. ولعل تلك هي السمات الأبرز في إنتاج حملات الدعاية، ومحتوى الخطاب الإعلامي الخاص بولاية وسط إفريقيا. ثانيًا: هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن القوات الديمقراطية المتحالفة قد أقامت روابط اتصال مبكرة مع تنظيم داعش. كما أن هذه الجماعة المتمردة تتمتع بتاريخ من الروابط والعلاقات الخارجية، حيث استمرت في الاستفادة من شبكاتها عبر الوطنية للتمويل والتوظيف والخدمات اللوجستية. ثالثا: يُظهر اهتمام تنظيم داعش بأنشطة ذراعه الجديد في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وشمال موزمبيق من خلال رسائله منذ عام 2019، رغبةً في إثبات الوجود، وأنه باقٍ ويتمدد، على الرغم من الضربات الأمنية التي تلقاها وفقدانه السيطرة على الأراضي في جميع أنحاء سوريا والعراق.

ولا يخفى أن هذا التمدد الإرهابي لتنظيم داعش، وتزايد الجماعات الموالية له في جميع أنحاء إفريقيا؛ قد يعقد من جهود التعاون عبر الوطني لمكافحة الإرهاب، فضلًا عن استقطاب وتجنيد أعداد متزايدة من المقاتلين الأجانب من الإقليم وما وراءه بسبب جاذبية الخطاب الجهادي العنيف في ظل بيئة أمنية مضطربة وهو ما يهدد الاستقرار الإقليمي. ومن المرجح أن يؤدي مقتل زعيم بوكو حرام “أبو بكر شيكاو” على يد فصيل داعش المنافس بقيادة “أبو مصعب البرناوي” في أحد تداعياته إلى دعم قبضة داعش على المسرح الجهادي العنيف في غرب ووسط إفريقيا.

ـ عن مركز “المستقبل” للأبحاث و الدراسات المتقدمة ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، الإمارات العربية المتحدة

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version