أحمد شوقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ
وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي
جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي
إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي
جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ
دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ
وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ
وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري
وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ
وَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ
لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ
عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ
وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ
رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ
بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ
غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ
أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ
وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ
أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ
لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ
عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ
وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ
تَكادُ لِروعةِ الأَحداثِ فيها
تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ
وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ
… بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني
وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا
بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ
وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ
كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ
فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي
وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ
نَصحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا
وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ
بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حياةٍ
فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحقُّ
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا
إذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا
وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لأجيالٍ حَياةٌ
وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ
بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ
وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ