وهْجُ نار

رسالة إلى خائن وناكر معروف…

نشرت

في

Ouvrir la photo

جاءني أحد أصدقاء الجزء الأول من العهد الذي يسمونه بائدا (اظنّ ان عهدهم هو البائد عكس ما يزعمون) واقصد عهد بورقيبة رحمه الله …أتاني هذا الصديق في حالة تشبه وضع البلاد مع صندوق النكد الدولي والمنظمات المانحة ومؤسسات التصنيف…التقيته في حالة تشبه دولة مطالبة بإصلاحات موجعة للخروج من أزمتها ولا قدرة لها على ذلك خوفا من تبعات ذلك…صاحبي هذا مطالب أيضا بالقيام بإصلاحات موجعة في تسيير شؤون بيته وآل بيته ماديا واجتماعيا، وكأني به لم يفلح…

<strong>محمد الأطرش<strong>

هذا الصديق جاءني شاكيا باكيا من ظروفه المادية ومن نكران جميل مرتبه له وقطعه لصلة الرحم بينهما…بدأ صديقي في سرد مأساته التي يعيشها كأغلب الناس في زماننا…نسيت ان أقول ان صديقي يعمل موظفا بشركة كان متوسط الدخل قبل 14 جانفي واصبح مصنفا بــــ“C”  وهي درجة تعني أن مخاطر التخلف عن السداد عالية للغاية  منذ سنتين وأكثر تقريبا… يقول صديقي: “عيد الأضحى على الأبواب…فواتير الكهرباء والماء غير الصالح للشراب والهاتف والأنترنت وبعض الديون المتخلّدة ليس طبعا من صندوق النكد الدولي لكن من صندوق نكد الدنيا كلها تنتظر خلف الباب…والمرتّب الظالم …لا يقبل البقاء شهرا كاملا بصحبتي فيتركني قبل حتى انتصاف الشهر دون حتى وداع ودون اعلام مسبق ودون قبلة وحضن وعناق…ودون ترك رسالة اعتذار تحت الباب…

“مرتبي كجميع مرتبات (الزواولة) خائن ومتآمر ولا يحترم (العشرة) ولا (الماء والملح)…مرتبي نسي كل ما فعلته من أجله…ومن أجل أن ينتفخ ويصل مستويات ما كان يحلم أن يصلها لولا تعبي ومعاناتي وتضحياتي…مرتبي نسي كل الأمراض التي أعانيها بسببه ومن أجله…مرتبي نسي أني عانيته صغيرا وتابعت نموّه حتى أصبح أكبر منّي…وكأني به متزوّج من أربع فلو لم يكن كذلك لماذا يقسم الشهر بين جيبي وبعض الجيوب الأخرى …فمن عانى من أجله؟…ومن سهر الليالي يخدم الوطن والأهل والبلاد ليستكرش هو ويكبر وينتفخ…؟”

 سألته: “وماذا تريد مني وأنت تعلم أن حالي لا يختلف كثيرا عنك يا صديقي؟” … قال: “جئتك فقط لتكتب لي رسالة شكوى إلى الخائن وناكر المعروف مرتبي، أنت تعلم أنى أعاني من نقص حاد في النظر ولست قادرا على مسك القلم وكتابة الرسائل” … ضحكت وقلت “رسالة إلى مرتبك؟؟؟ أتظنّ أن مرتّبك سيكترث لحالك وسيقرأ رسالتك وسيرأف بحالك يا (منجوه) كفاك هراء؟” … نظر حوله ثم قال: “أكتب ما سأمليه عليك وافعل ذلك من أجلي أنا صديقك ألست كذلك؟”… قلت: “بلى هات ما عندك يا مجنون”… وبدأ في سرد رسالته فقال: “إلى الطاغية وخائن الأمانة مرتبي عليه اللعنة…” … قاطعته ضاحكا: ” الطاغية …أأصبح مرتبك في نظرك طاغية؟؟”…  قال: أكتب ولا تقاطعني حتى أكمل رسالتي ولن أطيل عليك اطمئن … وعاد إلى الإملاء:

“إلى الطاغية وخائن الأمانة مرتبي عليه اللعنة…

أما بعد،

لقد احتضنتك ورعيتك حتى كبرت، وأصبحت قادرا على توفير كل مستلزماتي عيشي وعيش عائلتي، تواعدنا بالوفاء وعدم نكران الجميل وأقسمنا ألا نفترق حتى الموت…فماذا فعلت؟ وكيف تخون الودّ وتهجر جيبي إلى جيوب أخرى…ثم كيف أصبحت بهذا البخل ألم تكن ملازما جيبي حتى آخر الشهر فكيف اليوم تخونني وتهرب إلى جيوب أخرى لم تعان من أجلك ولم تحفظ ودّك…يوم كنت طفلا وقبل الفطام…أأصبحت من اللئام…؟؟ أهكذا تواعدنا؟ أهكذا تخون الأمانة؟ تخيّل أيها الطاغية أنه مكتوب على الظرف حين استلمك “مدّة الصلاحية عشرة أيام بعد فتحه ليس أكثر”… فأين تذهب بقيّة أيام الشهر يا طاغية العصر…؟؟ أهكذا تواعدنا؟ أتعلم أنك تذبحني كل شهر من الوريد إلى الوريد…أين كلامك المعسول وجلستك الرائعة في جيبي وفي جيوب أبنائي قبل 14 جانفي أنسيت تلك الأيام؟…لم تكن في تلك الأيام ضخما وكبيرا ومنتفخا كما أنت اليوم لكنك كنت قادرا على ما لا تقدر عليه اليوم ببطنك المتدلي ومؤخرتك التي تتدحرج خلفك كأنها عربة قطار عائد من الغرب الأمريكي أيام ابراهام لنكولن وبوفالو بيل…؟

 أنسيت؟ أنسيت كيف كنت تسمح لي بمبلغ بسيط يوم السبت لشراء كل مستلزمات أسبوع كامل من الخضر والغلال، وأضيف عليه مبلغا آخر لحم ضان ودجاج وأحيانا سمك “القاروص” لكامل الأسبوع؟ أنسيت يا طاغية العصر…أين حبّك وودّك…وايامك الجميلة يا سفّاح؟؟ أتدري أني لم أقدر على شراء كبش عيد هذه السنة لأحفادي يا ابن …يا ابن جيبي…استغفر الله فأنت لست ابن حرام فأنا لا آكل المال الحرام …قل لي اين تذهب بعد العشرة الأوائل من كل شهر…؟ اين تقضي العشرة الأواخر من كل شهر…واين تنام وسط أيام الشهر…يا سفاح العصر…ستقول لي لماذا تلومني ولا تلوم الأسعار التي أصبحت من نار؟ وسأقول لك…

أعرف وأعلم ارتفاع الأسعار، لكن أنسيت أنك أصبحت أضعاف أضعاف ما كنت عليه أيام كنّا سعداء يا كبير الطغاة…أتنكر أن حسين العباسي وبعده الطبوبي وقبلهما جراد رحمه الله نفخوا في جسدك وصنعوا منك فرعونا عملاقا جبّارا طاغية…لا يقدر على المكوث في جيبي يوما واحدا…عليك اللعنة…نفخوا فيك ونسوا أن ينفخوا في قدرتك الشرائية…نفخوا فيك وتركوك تعاني من هشاشة العظام وفقر الدم…نفخوا فيك وغدروا بمن وعدوهم بالتشغيل فأصابتنا لعنة العاطلين والمعطلين الذين استبشروا خيرا بما حدث…أتعلم أنت يا أبا دينار انك اكلت مالا حراما… أكلت مال الايتام والمساكين…المخدوعين…فكيف تقبل بأن تنتفخ إلى ذلك الحدّ على حساب من وعدوهم بالتشغيل والعيش الكريم…يا لئيم…واليوم تغدر بجيوبنا وتهجرها وتغيب ولا نعلم أين تغيب وتذهب يا طاغية…والخوف كل الخوف أن تغيب لأشهر أو لسنوات…وتعتبرنا من الأموات…

في الأخير…عليك اللعنة… “

نظرت إلى صديقي وقلت وأنا أكاد أنفجر من الضحك “هل انتهت الرسالة إلى مرتبك (المغبون) يا مجنون؟؟؟” … قال “نعم وما رأيك؟” قلت: رسالة مجنون إلى مرتّب مطحون…ثم نظرت إليه ضاحكا وأضفت “أتدري بماذا سيردّ عليك مرتبّك إن قرأ رسالتك هذه حقّا؟؟” … قال “بماذا؟؟” … قلت “سيغني لك  ما غنته نبيهة كراولي…

“انت اللي جفيت وجبدت روحك مني

طريق السلامه وخاطري متهني

انت اللي جفيت وخاب فيا ظنك

وخسرتني ماعاد نقرب منك

لا جريت لا حاولت نسأل عنك

عن خاطرك ما تهيب دمعه مني…”

قام منتفضا…وقال عليك اللعنة أنت ومرتبي…وغادر …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version