جور نار

رسالة إلى صانع التغيير الثاني … هل سـتأتي بالتغيير حقّا، أم أوهموك بأنك قادر عليه ؟!

نشرت

في

خرج الجميع …وصرخ الجميع…وقفز الجميع طربا، وفرحا بما قرره صانع التغيير الثاني قيس سعيد، وكنت منهم من الفرحين فقط لأني أعتبر المشيشي أخطر رجل جلس على كرسي القصبة…

<strong>محمد الأطرش<strong>

كيف لا يسعد هؤلاء جميعا…ولا يخرجون دون مراعاة لبروتوكول التباعد الجسدي ولبس الكمامة، أقول كيف لا يسعدون والرجل خلّصهم من عقدة، ومن خصم لم يقدروا عليه منذ خروج صانع التغيير الأول إلى الأماكن المقدّسة …صانع التغيير الجديد تمكّن من الإيقاع بكل من هم حوله واستحوذ على السلطة بكل تفاصيلها حتى إشعار آخر…وهو الأمر الذي كان يتمناه ويريده منذ زرعوا في رأسه فكرة الترشح لكرسي قرطاج…

صانع التغيير الثاني يحلم دائما بأن يكون مثل بورقيبة وأن يترك أثرا في تاريخ البلاد يذكرونه به بعد آلاف السنين…سيسألني بعضهم ويقول كيف تمكّن من الإيقاع بجميع من هم حوله…وسأقول وهل ولدت أحداث الخامس والعشرين من هذا الشهر لقيطة؟ فلكل أحداث من يرعاها ومن يسهر على حمايتها حتى تكبر …لكن هل فكّر صانع التغيير أنه بما أتاه ساهم أيضا في نشر الوباء بين صفوف أتباعه، وأن حراك ذلك اليوم وتفاعل الجماهير ليلا، بعد سماعها بغزوة صانع التغيير الثاني، ستكون نتائجهما على مستوى نشر الوباء أسرع ألف مرّة من نتائجهما على مستوى إصلاح حال البلاد والعباد…ألم يأت صانع التغيير الثاني ما أتاه خصومه حين خرجوا في استعراض لأتباعهم ومناصريهم، وانتقد ما أتوه في أكثر من تدخل ومن خطاب…ألم يتعامل هو أيضا بشعار “الغاية تبرّر الوسيلة”…ألن تسجّل الآلاف من الإصابات بعد أيام قليلة باسمه …ألم يكن هو السبب فيها؟

أعود لأقول اسعدت قرارات صانع التغيير الثاني أغلب سكان البلاد…ولهم ألف حقّ في أن يسعدوا بالأمر، كيف لا وهم فقّروا…وهمشوا…وأحبطوا…وأرهقوا…وبعضهم مات…وبعضم يحتضر…ولم يسعدوا يوما بما وعدهم به من حكموا البلاد منذ عشر سنوات ويزيد…كيف لا وهم ابتلوا برئيس حكومة اختاره صانع التغيير الثاني، لا يفقه في شؤون الدولة، وفشل في درء الأسوأ في ما يخصّ الحدّ من انتشار وباء الكوفيد…لكن هل حقّا سيسعد هؤلاء الذين هللوا بقرارات سيادته بإصلاح حالهم وحال البلد…أم هي فقط مزحة جاءت على لسان مولانا …

هل يعلم صانع التغيير أنه لم يخرج النهضة ومن معها من الحكم ولم ينقذ الشعب منهم ومن وعودهم الكاذبة…هل يعلم أنه في حقيقة الأمر أنقذ النهضة وكل من سيخرجون معها من الحكم من تبعات الفشل الذي سيتحمل تبعاته هو….ولا أحد غيره …ولا أحد معه…ألا يعلم صانع التغيير الثاني حقيقة الوضع الاقتصادي بالبلاد…ألم يعلموه بأن حالنا أقرب إلى الإفلاس المعلن منه إلى الإصلاح …أسيكون قادرا على تحقيق معجزة لم ينجح في تحقيقها جهابذة الاقتصاد والمال والأعمال…هل كان صانع التغيير الثاني على وعي بالورطة التي خلّص منها حركة النهضة …ألم يدرك أن النهضة ومن معها قد يجلسون على الربوة يشاهدونه وهو يعاني من تبعات فشله…ألم يكن من الأجدر تحميلهم جميعا مسؤولية ما نحن فيه لا أخْذ تبعات كل هذا الفشل عنهم.

وعد مولانا بتعيين رئيس حكومة يكون تحت إمرته…وهو المسؤول الوحيد منه وعنه…فالرجل إذن سيكون وزيرا أول أو “طرطورا” في القصبة، يعود إلى مولاه في قرطاج كلما عزم على إصدار قرار أو إمضاء وثيقة…وهذا ما كان يقع في عهد بورقيبة العظيم وبن علي الوطني رحمهما الله…لكن مع فارق كبير هو أن كلاهما يدرك ويعي جيدا ما يفعل…فهل يدرك حقّا مولانا حقيقة وحجم الورطة التي وقع فيها…ألم يكن من الاسلم إعفاء المشيشي سبب كل مصائب البلاد الأخيرة، والعمل على تشكيل حكومة انقاذ وطني تجمع الجميع وتحملهم مسؤولياتهم أمام الشعب… وتجنيب نفسه تحمّل تبعات فشل كبير وخراب معلن لا محالة، لم يكن هو سببا فيه …فهل ستحاسب النهضة عمّا فعلته بالشعب منذ وصولها الحكم في وضح النهار وخلسة ومن وراء الستار…؟ كيف ستحاسب وهي لن تكون شريكا في حكومة سيكون رئيسها الفعلي صانع التغيير الثاني؟

هنا وجبت معرفة كيف يفكّر صانع التغيير الثاني وماذا يريد…مولانا كان منذ يومه الأول في قرطاج يريد سلطات أوسع، وصلاحيات أشمل لذلك أعلن الحرب على الجميع، وعلى الأشباح، ولم يغفل عن ذكرهم في كل خطبه…كما يريد أيضا أن يؤسس لمستقبل يكون أفضل له..فهل كانت معركة صانع التغيير من أجل انقاذ البلاد فعلا أم من أجل افتكاك صلاحيات أوسع له، ليكون مثل بورقيبة عقدته وعقدة كل من جلسوا على كرسي قرطاج؟ ماذا كانت وعود مولانا وقراراته مساء يوم “الخرجة” وأقصد الأحد الماضي؟ لم يتحدث عن الأزمة…ولا عن كيف سيخرج البلاد منها…ولا عن وسائل الإنقاذ المتوفرة لديه مع الدول الشقيقة والصديقة…وكأنه فعل كل ما فعله فقط من أجل معاقبة بعض الخارجين عن القانون من النواب ومن المسؤولين…وكأنه أراد أن يعطي درسا للنهضة لن تنساه، درسا يكسب به تعاطف وودّ كل الذين كرهوا النهضة وقياداتها وهم أغلبية سكان هذه البلاد…

فهل بمجرّد رفع الحصانة عن أعضاء مجلس النواب ستخرج البلاد من أزمتها؟ وهل يكفي أن تمنعهم من السفر حتى تحدّ من انتشار وباء الكوفيد؟ فقرارات صانع التغيير لم تخرج من إعفاء وتجميد ورفع وتولّ… وكأن البلاد تعيش في أرغد العيش، وكأن الإفلاس هو فقط مجرّد فزّاعة، وكأن الشعب ينعم بإنجازات وعدوا بها فتحققت…فالإعفاء كان لمن خرج من جلبابه وعن جلبابه وهو الأمر الذي أحييه رغم تأخره كثيرا…والتجميد كان لعمل مجلس النواب فالمجلس هو عدوه الأكبر والمعلن، وهو الوحيد القادر على عزله، والرفع كان لحصانة النواب والغاية منه تصفية حساب طويل مع العديد منهم من الذين قالوا فيه وعنه وله ما لم يقله مالك في الويسكي و”البوخا”…هل ذُكرت كلمة “تنمية”….هل ذُكرت تعبيرة “انقاذ وطني”…هل ذُكرت تعبيرة  “تعامل اجتماعي سليم مع ضحايا الكوفيد”…هل ذُكرت كلمة واحدة تهمّ شأن المواطن المسكين المغلوب على أمره…قد أوافقه الرأي في ما يفعله بالمجلس لأنه فعلا حاد عن مهمته الأصلية واصبح فاصلا فكاهيا يتندّر به الشعب في المقاهي…لكن هل تحدّث عن أسباب الأزمة…وعمن تسبّب فيها…هل تحدث عن وعود بعض الدول في مساعدتنا للخروج منها…لا شيء من كل ذلك…

خلاصة القول…صانع التغيير الثاني يريد خدمة مستقبله بما أتاه قبل مستقبل هذه البلاد…فلا تنتظروا أسماء كفاءات كبيرة في حكومته فهي فقط ستكون لأصدقائه ومن ساهموا في حملته…فهل يعلم أحدنا ما سيفعله مولانا خلال شهر واحد فقط حاكما بأمره في البلاد…لا، لن يفعل شيئا…وستطول المدّة …وستطول أكثر…وستصل إلى أكثر من سنة ونحن تحت حكم مولانا الحاكم الأوحد…ولن تخرج البلاد مما هي فيه…فهل سيكون على الأقل ديمقراطيا…وهل سيسمح لنا بنقده وبالحديث عنه وعن فشله القادم…هل سيسمح بنقد عمل حكومته…كلها أسئلة نطرحها اليوم لرئيس سيجمع كل السلط بين يديه …ويدرك جيّدا أنه سيفشل في مهمته لا محالة.

فيا صانع التغيير الثاني…هل ستغيّر شيئا…أم هم فقط أوهموك بأنك قادر…ولست بقادر..

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version