تابعنا على

منبـ ... نار

ويل لتونس من التونسيين !

نشرت

في

لا أريد أن أكتب نصا حزينا ولكن بلادي تصر أن تبث فينا الحزن في كل مرة. في العام الماضي والوضع الوبائي والاقتصادي شبيه بما هو عليه الان. كان الأمل في اللقاح والمرور بسلام من فترة وبائية صعبة تدهورت خلالها حال التونسيين غير الموظفين والذين لا يتقاضون رواتبهم من الدولة، منهم العمال والفاتحون لمشاريع واعمال حرة وأصيب عدد كبير بالوباء وأغلبية موتى الكورونا كانت من نصيب من تقدموا في السن.

وأذكر جيدا كيف كنت بصدد التحضير لأطروحتي كمثل هذا اليوم واسترجعت المثل التونسي الجميل الذي يستدعي الأمل في الأزمات قلت يومها:”لعل فيها خير” هاني في الدار باش نزيد نركز في الخدمة…

<strong>د أمل الهاني<strong>

كان الوضع حينها في انخفاض نسبي لعدد الإصابات كما عدد الوفيات، و كانت تباشير الأمل تفوح في أرجاء الوطن. كتبت آنذاك نصا عن أهمية التقدم العلمي وضرورة تشغيل الكفاءات العلمية سيما وأننا من المتميزين والناجحين في المجال الطبي، شهادة يعترف بها الداخل والخارج التونسي. كان نصي نقدا لسياسة هذا البلد الذي يهمش الطلبة والدكاترة والباحثين ويدفعهم للهجرة والرحيل بحثا عن كرامة معنوية ومادية لأن العالم والباحث لا يجد هنا قيمة ولا عمل فكأنما منّ عليه الله بحب البحث والاجتهاد ليجازى بصفعة مدوية تنذر بتعاسة هذا المحيط المدمّر للواقع وللحلم.

لا أريد أن أكتب نصا حزينا ولكن الوضع فعلا حزين. وأنا أستذكر كل ذلك وجدت أن الوضع لم يتحسن بل ازداد كارثية وازداد ألما… اليوم نحن البلد الأول عربيا وإفريقيّا في نسب الأموات بسبب الكورونا، والدولة،,نفضت يديها من كل شي,، في السنة الماضية أعلنت الحجر العام ووزعت منح بـ200د للعائلات المعوزة فحصل البعض عليها والبعض لم يحصل على مليم واحد فيما تحصل بعض الميسورين على مبلغ المسعدة هذه!

عمت الفوضى وانفلتت زمام الأمور وتذمر الناس من هذه المنح الضئيلة التي لا تسدد ثمن إيجار بيت، برغم الاقتطاعات الآلية المجحفة من أجور الموظفين والمتقاعدين والمساعدات الدولية والتبرعات الاتية من شخصيات ثرية ومشهورة. مليارات الدولارات التي عبأت خزينة الدولة، ولغرابة الأمر لم يتغير شيء!، فبالكاد جهزت المستشفيات باللوازم الطبية والوقائية وهي الأخرى على حافة الفقر والحاجة، ولعل وسائل التواصل الاجتماعي كانت خير وسيط اخباري بما يجري في أصقاع البلاد، فبغض النظر عن هذا الجهاز “الجاسوسي” العالمي الضخم، الذي يعرف عنا كل كبيرة وصغيرة، إلا أنه كان ذا فائدة في زمن الثورات وحرية التعبير عن الرأي، فأشرطة الفيديو التي يصورها عامة الناس في المستشفيات والمنازل والشوارع وينشرونها خاصة على الفيسبوك مشفوعة بشهادات حية عن معاناتهم الإهمال والاقصاء والظلم، كانت نبضا صادقا خاليا من التنميق الإعلامي والنقاشات المزيفة، نبضا آتيا من عمق هذا الواقع الشعبي المرير الذي يعكس إدارة سياسية فاشلة تعاقبت علينا عقودا تلو أخرى، كشفت ضعف الدولة وفشلها الذريع في بناء مؤسسات صلبة قادرة على إدارة الأزمات.

 لا أريد أن أكتب نصا حزينا ولكن الواقع محزن ومخز… اليوم استذكر ما مرّ وأتأمل ما يجري فازداد حزنا. ضحايا بشرية تقع فريسة للوباء والمصحات فارغة من أسرة الإنعاش ومن أجهزة التنفس، الموت يحصد والدولة عاجزة عن إنقاذ مواطنيها، قال لي طبيب ذات يوم، “فما ناس ماهياش متع موت”، لا أريد أن أذكر ولكن المشاهد تنهمر أمامي، تتراكم، أصبح للخوف أيضا حيز كبير في نفوسنا، فقد ولى عصر الطاعون، عصر حصد الضحايا دون شروط مسبقة، فاليوم يأتيك خبر ضحايا الكورونا من أعمار ومستويات صحية مختلفة فصغير السن معرض للموت و ذو الصحة الجيدة معرض كذلك…

 ومن المضحكات المبكيات أن هذه الكورونا قد أفرزت سلالات عديدة وأصبحنا نتحدث عن المتحول الهندي والإفريقي والبرازيلي والبريطاني وهلم جرا من الفيروسات المتحولة، وصراحة إن كلمة متحول بالذات تربكني فأهوائي السريالية وخيالي الغرائبي يرمي بي إلى عالم من البشر المتحول كمصاص الدماء وزومبي آكل البشر وأجساد أخرى هجينة عادة ما تضمر شرا وشراسة، وها أنني اليوم أعيش زمن المتحولات الفيروسية التي لا تقل شرا ولا شراسة عن الكائنات اللاواقعية والافتراضات الخيالية.

 وحقيقة أنني لا أجد إجابة واحدة ولا كافية عن سبب المتغيرات الطارئة والمفاجئة لما يجري في الأرض عامة وما يطرأ على الإنسان خاصة، فتتهافت التساؤلات وتتقاذفنا الأجوبة غريبة مغتربة عن بعضها البعض، فتخميني العقلاني العاقل يرجح الكفة لميزان العلم وضرورة دراسة الظاهرة في علاقة بالمتغيرات العضوية لسلالات من الحيوان والكائنات المجهرية وآثارها على جنس البشر والجسد البشري المتأثر بعوامل المناخ والطبيعة، ثم ترمي بي حيرتي في مطبات الأسئلة الوجودية في ذهول تام أمام هشاشة الإنسان، محور الأرض، هل هو فعلا محور الأرض؟ ماذا لو خططت الفيروسات لامتلاك الأرض وأصبح البشر لعبة في أيادي لا يعلمها غير الفيروس؟

 أعود إلى رشدي وألقي بنظرة جدية حول الصراعات الدولية وهيمنة الامبريالية المتوحشة ولعبة تصفيف وتصفية البشر وفق مقاييس مصلحة رأس المال، فتتراءى الخطة الشريرة والهدف الاجرامي وراء قتل الضعفاء وكبار السن بتصنيفهم كأعباء مادية وأجساد عاطلة عن العمل ثم في مرحلة ثانية القضاء على أكبر عدد ممكن من البشر كافة لتضخيم رأس المال ولمزيد من التحكم في العالم! ناهيك عن سوق اللقاح ودكاكين المتاجرة بترياق الخلاص … فهذا لقاح فايزر وآخر لقاح استرازينكا وسبوتنيك وكورونافاك والقائمة تزيد من كل حدب وصوب.

 في العام الماضي فُتحت سوق الكمّامات والغاسول الطبي واحتكرت المواد وبيعت بأسعار مرتفعة وتوفرت الآن بأسعار مراقبة نوعا ما وبوفرة وسخاء ياسبحان الله وليس هذا فقط، فقد توفرت كذلك أجهزة الاختبارات السريعة للكشف عن عدوى الوباء وأصبحت تباع هي الأخرى في الصيدليات والكل يدفع لأن المستشفيات العمومية عاجزة عن الاهتمام بالجميع، أجهزة اختبار وانعاش ولقاح ودواء وخدمات… كثير هذا على بلاد انهكتها أيادي النهب والسرقة وضعف ساستها ..

 إذن مرحبا بالمهربين وعاقدي الصفقات المشبوهة، ولتستثمر الشركات الكبرى وتحتكر وتبيع وتقبض الأموال قبل أن تنقبض الأرواح، هنيئا لكم بهذه الصفقة الوبائية الرائعة فأنتم أيضا فيروسات بشرية، استثمار في المرض في الوباء في الإنسانية، توحش بشري وانهيار كامل لمقومات الدولة السيادية، صفقات تدار ولقاح يتقاطر حسب قيمة وحجم الدفع…

 اليوم سمعت، في الرابع من شهر جويلية، أن عدد الموتى قد بلغ 180 من كل الأعمار والأعمار (المقصوفة) هذه المرة ليست بيد الله وحده. بل صار الموت بيد الدولة. بالمرض المنتشر والإهمال، يموت هنا الانسان.

أكمل القراءة
تعليق واحد

تعليق واحد

    اترك تعليقا

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    منبـ ... نار

    مفارقات تونسية… إلى متى يُؤجّل قرار إلغاء امتحان “الباك سبور”؟

    نشرت

    في

    رئاسة الحكومة تتخّذ إجراءات ردعية بخصوص الشعارات الإرهابية والعنصرية في  "دخلات الباك سبور"

    تعيش تونس هذه الأيام، وخلال كامل الفترة من 15  إلى 27 أفريل 2024، على وقع ما يُسمّى بالباك سبور، ونغتنم فرصة الاهتمام العام بهذا الموضوع ومواكبته من قبل العائلات التونسية ووسائل الإعلام المختلفة،  لنقدم ملاحظاتنا ومقترحنا حوله،  لعلنا نساهم بذلك، في فتح النقاش العام حول الإشكاليات المطروحة، يحدونا الأمل في التعجيل باتخاذ القرار الرسمي الملائم، الذي طال انتظاره وهو إلغاء “اختبار آخر السنة في التربية البدنية والاقتصار على نتائج التقييم المستمر أثناء السنة الدراسية”.

    <strong>د مصطفى الشيخ الزوّالي<strong>

    ويتضمن هذا المقال تذكيرا بنماذج من الآراء والمعطيات الموضوعية المتداولة في الدراسات التربوية والتقارير الرسمية، والتي من المفروض أو  تُقنع الرأي العام  والمسؤولين بضرورة التعجيل بالقرار المقترح وبغيره من القرارات، ولكن، وفي سياق “انحلال الروابط الصلبة”، كإحدى السمات المميزة لحياتنا المعاصرة في “زمن السيولة”، كما يعرفه عالم الاجتماع الشهير زيغموند باومن، يتواصل التأجيل لهذا الأمر، كما يتواصل الـتأجيل لقرارات أخرى، لا تقل أهمية، قد تناولنا بعضها في دراسات علمية وتقارير رسمية أو  مقالات رأي حول “مفارقات تونسية” أخرى.[1]

    أولا: نبدأ بالتذكير  بما حصل  سنة 2010 ،( في زمن “الصلابة” الرسمية التونسية)، فقد صدر  قرار إلغاء اختبار التربية البدنيّة لآخر السّنة وجاء ذلك بناء على تقرير من وزارة التربية والجهات الأمنيّة، حيث اتّخذ مجلس الوزراء يوم 20 أوت 2010 قرار إلغاء اختبار آخر السّنة في التربية البدنيّة: “حفاظا على سلامة التلاميذ والتوقّي من السلوك غير الحضاريّ، داخل المؤسّسات التربويّة وخارجها.  وقد برّرت الوزارة هذا القرار-كما جاء على لسان وزير التربية آنذاك- بثلاثة أسباب، هي:

    1. ارتفاع تكلفة الامتحان (3 ملايين دينار): ويحسن تخصيصُ هذه الأموال لتهيئة الملاعب واقتناء التجهيزات الرياضيّة.
    2. سبب بيداغوجيّ يتمثل في كون الأعداد المتحصّل عليها في اختبار آخر السّنة هي دون معدّلات المراقبة المستمرّة،
    3. سبب وقائيّ وأمنيّ، بعد تفاقم ظاهرة السّلوك المخلّ داخل المؤسّسات التربويّة وخارجها، بمناسبة تنظيم اختبار آخر السّنة في التربية البدنيّة.

    ولئن استبشر عدد كبير من الأولياء ومديري المؤسّسات التربويّة بهذا القرار، فقد لاقى نقدا ورفضا من قبل نقابات التعليم ومدرّسي التربية البدنيّة الذين رأوا في القرار تهميشا لمادة التربية البدنيّة.

    لاحقا، وفي سياق ما يمكن تسميته بالنتائج  المنحرفة” أو “غير المأمولة” لثورة 17 ديسمبر 2010/14 جانفي 2011، صدر سنة  2012، “قرار عودة اختبار التربية البدنيّة لآخر السّنة” دون معالجة الإشكاليات التي أدّت إلى إلغاء هذا الاختبار.

    للتذكير أيضا، فقد تم خلال دورتي 2020 و2021، إلغاء الباك السبور واحتساب المعدل السنوي للتربية البدنية كعدد نهائي في امتحان الباكالوريا في كافة المعاهد العمومية والخاصة، وذلك بسبب الحجر الصحي وأزمة الكوفيد19.

    ثانيا: حول انعكاسات امتحان “الباك  سبور” على التنظيم البيداغوجي والحياة المدرسية [2]

    1. توقف دروس التربية البدنيّة منذ منتصف شهر أفريل ، بسبب تجنيد جميع مدرّسي المادّة في لجان الامتحان .
    2. تعدد التجاوزات ومظاهر الإخلال أثناء سير الامتحان والسّعي إلى التحيّل على التراتيب، فترى عددا من المترشّحين الذين ضمنوا معدّلات سنويّة في التربية البدنيّة مرتفعة يقومون بتقديم وثائق تعفيهم من اختبار آخر السنة، وصنفا آخر اختار الإعفاء من دروس التربية البدنية طيلة السّنة الدّراسيّة ولكنّه يريد المشاركة في اختبار آخر السّنة لجني بعض النقاط التي قد تكون ثمينة عند احتساب العدد النّهائي.

    ثالثا: حول العادات والطقوس التي انتشرت قبل إجراء الاختبار وبعده:

     ويتمثل ذلك في إقامة نوع من الحفلات والاستعراضات أمام المعاهد وفي الشّوارع، تعطل حركة المرور وتتحوّل في عديد المرات إلى  مآس وحوادث مرور خطرة. وفي ما يلي فقرات واردة في وسائل إعلام مختلفة وبمواقع الكترونية تناولت هذا الموضوع ، وهي تؤكد وجود شبه إجماع على خطورة الظاهرة في المجتمع التونسي:

    1.      ” احتفالات بها بكثير من الصخب وتتوجّس منه إدارات المؤسّسات والسّلط الجهويّة والمحليّة لما يرافق احتفالات التلاميذ به من تجاوزات خطرة…” 
    2. ” أسوأ هذه العادات هي (الكُورتيج) :“استعراض السيارات”حيث يخرج التلاميذ في استعراض بالسيارات يجوبون وسط المدينة  و شوارعها إضافة إلى الألعاب النارية و الشماريخ، عادتان تأتيان في المرتبة الثانية للائحة العادات السيئة حيث يعمد عديد التلاميذ إلى الاحتفال بالـ”فلام”و الألعاب النارية …”
    3. دخلة الباك سبور …وفاة تلميذ باكالوريا بعد سقوطه من نافذة السيارة خلال احتفاله مع أصدقائه…”
    4. “الآن وقد تمّ تسجيل وفاة التلميذ ( والتلميذة)… على إثر حادثي مرور خلال احتفاليات (الدخلة) الملعونة في الباك سبور…متى يتمّ التدخّل ومنع هذه الظاهرة الخطيرة.”

    رابعا: انتشار الدروس الخصوصية في “الباك سبور” وتحوّلها إلى “عنوان فساد”

    لاحظنا في السنوات الأخيرة، استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية في “الباك سبور”، وذلك رغم غلاء أسعارها، فقد صرّح وزير التربية بتاريخ 16 أفريل 2019 ، أنّ”5  أيام دروسا خصوصية في (الباك سبور) بـ700 دينار” [3].  كما صرّح الوزير نفسه، بتاريخ 21 ماي 2019، أن :  “باكالوريا الرياضة في شكلها الحالي هي عنوان الفساد وهي  لا تحمل أي معنى …. من موقعي كوزير للتربية …. لا أسمح لنفسي بمباركة أشياء أعرف جيدا أنها غير مقبولة وغير معقولة . فهل يعقل مثلا أن يتحصل 99 بالمائة من التلاميذ في الباكالوريا رياضة على أعداد فوق 18 من عشرين، هناك تضخيم غير مقبول للأعداد التي تسند للتلاميذ على خلفية الدروس الخصوصية في الرياضة، ولو كانت هذه الأعداد تسند لها ميداليات ذهبية لكانت تونس بطلة العالم في الرياضة…”[4]

    يبدو جليا  من خلال هذين التصريحين، أن الوزير قد كان يؤسس لحملة إعلامية، تمهيدا لاتخاذ قرار إلغاء “الباك سبور”، ولكن بعد أقل من سنة، تغيرت الحكومة وتغير وزير التربية، وتأجل اتخاذ القرار المذكور . ويبدو أن السبب الأساسي وراء التأجيل المستمر لاتخاذ  هذا القرار وعديد القرارات التي يحتاجها قطاع التربية في تونس منذ أكثر من عقد من الزمن، هو  عدم الاستقرار الحكومي وتعاقب أكثر من 10 وزراء على قطاع التربية منذ  2011.

    خامسا:  “دخلة الباك سبور”

    لا يفوتنا، في خاتمة هذا المقال، أن نُذكّر بنقطة إيجابية في “الباك سبور”، قد تدفع البعض إلى الدفاع عن استمرار هذا النوع من الامتحانات ونعني بذلك ما يمكن تسميته بـ”قصص النجاح في دخلة الباك سبور” والتي أكد  من خلالها التلاميذ في عديد الحالات، قدراتهم الإبداعية وتميزهم في التعبير عن حاجياتهم الأساسية وقيمهم الإنسانية أو احتجاجاتهم ومطالبتهم بحقوقهم. ومن المواضيع التي لاقت استحسان التونسيين وراجت في الاعلام: “تكريم الأساتذة والأولياء“،  “التحسيس ضد كورونا”، وآخرها الحضور البارز للقضية الفلسطينية في “باك سبور” 2024.

    لضمان المحافظة على هذه النقطة الإيجابية، يمكن التفكير في تطوير  فكرة “دخلة الباك سبور”، دون إجراء اختبار التربية البدنيّة لآخر السّنة، وذلكعبر اعتماد صيغة مشاريع عروض فنية ورياضية وثقافية، تُطبّق فيها بيداغوجيا المشروع، حيثيمكن الاستفادة من دروس فشل تجارب سابقة للوزارة في هذا المجال. نعني بذلك تجربة “التعلمات الاختيارية” (2003- 2006)  أو “”مادة إنجاز مشروع” (2006-2015) [5]. واستنادا للوثيقة الرسمية للتجديدين المذكورين، يمكن أن تتكون مجموعات من التلاميذ، تنطلق في تصور مشروع “دخلة الباك” وإعداده وتنفيذه،  بداية من السنة الدراسية للسنة الرابعة ثانوي، أو انطلاقا من السنة الثالثة ثانوي . يؤطر المشاريع مجموعة من المربين من اختصاصات مختلفة كالتربية البدنية والموسيقى والمسرح وغيرها، وبالتعاون والدعم من أطراف أخرى من العائلات والمحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمؤسسة التربوية كدُور الشباب أو الثقافة أو مؤسسات أخرى ( طبعا في سياق مشروع المؤسسة التربوية وتطبيق القانون المنظم له منذ 2004، وهو الأمر المنظم للحياة المدرسية، أو ربما القانون الذي ننتظر أن يعوّضه) يمكن كذلك أن تُرصد جوائز جهوية ووطنية لأحسن العروض التي يتم تقديمها في الاحتفالات المدرسية لآخر السنة إلخ إلخ…


    هوامش:

    [1] مثال ذلك دفاعنا عن قرار إلغاء الاعداديات والمعاهد النموذجية ، في مقالين منشورين بجلنار  وهي  “مفارقات تونسية ( 2)(28 أفريل 2022) و”مفارقات تونسية” (3) بتاريخ 22 جوان 2022

    [2]  معطيات هذا العنصر والعنصر السابق مستخلصة، أساسا، من دراسة حول “الباك سبور” منشورة بموقع “المدونة البيداغوجية” بتاريخ 26 أفريل2015.

    [3]  https://www.guideparents.tn/article

    [4] https://ar.espacemanager.com

    [5]  تناولنا  هذا الموضوع  في  كتابنا ” المدرسون والتجديد” ويمكن الاطلاع على تقديم الكتاب من الصديق منصف الخميري بالمدونة البيداغوجية  بتاريخ 6 مارس 2022 وكذلك على الفصل الأول من الكتاب بنفس المدونة  في 4 تواريخ متتالية بداية من 29 جانفي 2023

    أكمل القراءة

    منبـ ... نار

    تكريما لروحك يا “جاد”… أعلِنُك رئيسا رمزيا

    نشرت

    في

    Ouvrir la photo

    توفيق العيادي:

    كان جاد نصيرا للمرضى والعجّز والفقراء ولم يطلب يوْما نصرتهم لكسْب أو منصب أو مغنمٍ له، وقد هبّ الناس لتوديعه لأنهم أحسّوا فعلا بعظيم خسارتهم في موته.

    Ouvrir la photo
    توفيق العيادي

    لم أعرف جاد الهنشيري إلا عن طريق الصدفة ومن خلال برامج تلفزية دُعِيَ لها ضيفا كممثل للأطباء الشبان، ولم ألتقه مطلقا، فقط استمعت إليه أكثر من مرّة وهو يُلقي بهمّه الذي هو همّ الفقراء على مسامع التونسيات والتونسيين، ويقطفُ من روحه أمَلاً يُرسِله لهم جميعا درْءً لأحزانهم التي فاقت كل معايير القيس وأدوات الأكيال والأوزان، وثـقُـل عليْهم حِمْلُ الهموم التي ناءتْ بها الأعناق، والمرارة على محيّا جادٍ بادية لا تُخطئها العين ويتدفّق الصدّق من بين موجات صوته المَغْصوص كَغُصَصِ كل الشباب الحالم على هذه الأرض، ولا تخلو غصّة جاد من معنىً يؤطّره مبدأ أساسيّ يشُدّ الحلم وينير الطريق ويُحفّز على المسير وتجشّم الصّعاب، مبدأ فحواه أنه : ” بمقدورنا أن نكون أفضل .. يجب أن نكون أفضل”، رغم الاستهجان والاعتراف بحجم الفساد الذي نخر معظم القطاعات والفئات في هذا الوطن.

    لكَمْ نحن في حاجة ماسّة إلى شابّ جادٍّ كما “جاد” يتوهّج عزما وحبا وصدقا، ولسنا في حاجة إلى “عـتْـڤـة” قديمة كما بعض من فاق السبعين وغنِم من العهديْن ويريد اليوْم أن يستزيد … مات “جاد” رحمه الله وأغدق على أهله وصحبه الكثير من الصبر والسّلوى. لكنّ القِيَم التي حملها جادّ وحلُم بها وحمّلها لمنْ بعْدِه من الصّحْب والرّفقة، لا تزال قائمة، فأمثال جاد من الشباب الأوفياء والخلّص للوطن بكل مكوّناته سيّما البسطاء منهم، موجودون بالعشرات، بل بالآلاف وفي كل ربوعه، وما على الوطن إلاّ أن يَجِدّ في طلبهم والبحث عنهم وأن يُصدّرهم مواقع الريادة والقرار ،وإن حَجَبَهُمْ عنّا تعفّـفهم،

    إذا كنا نريد فعلا المضيّ في الطريق المفضي إلى المشروع الحرّ وجبَ أن نغادر خصومات كسب العواطف واِستمالة الأهواء ونعراتِ التحامق، ونمضي في تسابق نحو كسب العقول وتهذيبها وتنظيفها من كل الشوائب العالقة بها لعهود .. ولذلك أقول للمشتغلين بالسياسة والمتكالبين على استدرار الشعب لتدبير شأنه العام والاستحكام برقابه، إن السياسيّ الناجح هو الذي يُبينُ للناس ما فيه من فضائل وما هو عليه من إقتدار وليس نجاح السياسي رهين عرض نقائص الخصم والتشنيع عليه وتعظيم مساوئه وإن كان له فيها نفع.

    ونذكّر السياسي أيضا أن الجدارة بالحكم لا تتوقّف عند حدّ الفوز بالتفويض من الإرادة الشعبيّة عامة كانت أو مطلقة، كما أن النوايا الطيّبة لا تكفي لمزاولة السلطة، بل يبقى صاحب السلطة في حاجة إلى تأكيد شرعيّته بحسن إدارة الحكم الذي ينعكس وجوبا على أحوال الناس، وهذا لا يتمّ لهم بواحدٍ بل بكثيرين ومن أمثال “جاد الهنشيري” تضحية وصدقا ومروءة …

    رحل جاد وبقي أثره فينا، وتكريما لروحك يا “جاد” واِنحيازا لكلّ قيَمِ الجدارة والصدق والإنسانيّة والجدوى، والتي مثّلتها باقتدار، أعْـلِنُـكَ “رئيسا” رمزيّا وشرفيّا بالغياب لهذا الوطن الحزين … ليطمئن السياسيون، فـ”جاد” لن ينهض من غيبته الأبديّة، وستكون قيمه تقضّ مضاجعكم كلّما اجتمعت لشخصٍ خشية أن يُبعثر حسابات الرّبح مِمّا تمِزّون من دماء الوطن.

    أكمل القراءة

    منبـ ... نار

    هل تتخلص تونس من مكبلات صندوق النقد الدولي و تبحث عن مصادر بديلة؟ (2)

    نشرت

    في

    Compétitivité des exportations en Afrique La Tunisie classée 2 ème Tunisie

    عرفت تونس أزمات اقتصادية ومالية متفاقمة بعيد ثورة 14 جانفي، وتتالت هذه الأزمات و امتدت آثارها السلبية الى اليوم رغم القطع مع المنظومة البائدة إثر حراك 25 جويلية.

    <strong>فتحي الجميعي<strong>

    إلا أن الانتهازيين و أصحاب المصالح والسابحين عكس تيار النهوض بالبلاد عطلوا عملية الإصلاح وعملوا على إفشالها وذلك بكل السبل، فبقيت تونس رهينة الديون المتراكمة والمجَدْولة، وسياسات الجذب الى الخلف كالتهريب والمضاربة وتبييض الأموال. غير أن الإرادة الصادقة، والإيمان القوي بضرورة تغيير حال البلاد إلى الأفضل جعلها لا تنحني إلى الابتزازات، ولا تخضع للشروط.

    فرغم توصلها في أكتوبر 2022 الى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن الاتفاق النهائي تعثر تحت طائلة الشروط القاسية كرفع الدعم، خفض الأجور و بيع مؤسسات عامة متعثرة. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل تم وضع تونس ضمن القائمة السلبية لأول مرة من قبل هذا الصندوق، الأمر الذي صعب على بلادنا النفاذ الى الأسواق المالية العالمية.

    وتفاديا للوقوع في صدمات اجتماعية واقتصادية، نجحت تونس بفضل تطور صادراتها، وعائدات السياحة، وتحويلات التونسيين بالخارج، وتنويع شركائها التجاريين إضافة إلى اعتمادها على الاقتراض الداخلي، والاكتتابات المتتالية لدى بورصة تونس، وانخراط التونسيين في هذه العملية، وهو نوع من الوعي الوطني والدفاع عن حرمة تونس، و نتيجة لذلك تحقق توازن مالي لدى البلاد هذا من ناحية، و من ناحية أخرى أعطت درسا لصندوق النقد الدولي بإمكانية التخلي عن خدماته عند الاقتضاء وخاصة عند المساس بأمنها القومي.

    ورغم أن الفضاء الطبيعي  لتونس هو الفضاء الإفريقي والعربي والأوروبي باعتبار أن ثلثي المبادلات التجارية معه، إلا أنها عبرت عن انفتاحها على كل الفرص التي تمكن من تسريع وتطوير مناخ الأعمال ونسق النمو في اشارة إلى مجموعة “البريكس”.

    إن تونس  مازالت منفتحة على الحوار مع صندوق النقد الدولي لكن دون إملاءات أو شروط تهدد السلم الاجتماعي. وإن تعذر ذلك فتونس مستعدة للانضمام الى بريكس للحصول على التمويلات اللازمة.

    أكمل القراءة

    صن نار