رسالة من عاطل مؤبد إلى أمير المؤمنين وغيرهم … قيس بن المنصف بن محمد سعيّد
أطال الله عمره وأبقاه ذخرا للأمة…وشاهدا على الغمّة…
نشرت
قبل 4 سنوات
في
مولاي ساكن قرطاج الغريب العجيب…
أنا مواطن تونسي يتنفس بصعوبة…ويأكل أحيانا…ويشرب كثيرا حتى لا تشعر معدته بالفراغ فتصرخ من شدّة الجوع…أرسل لك كتابي هذا وأنا أسأل الذين يدافعون عن النظام …ماهي انجازات هذا النظام خلال عشر سنوات أو يزيد…
أسأل “المطبّلين” لساكن باردو…والمصفقين لساكن القصبة الأعرج …وأتباعك المساكين الذين يتغنون باسمك وكأنك الفاروق… أسأل ما الذي أصابهم؟ فأنا العاطل الذي يصرخ منذ عقدين وجعا وجوعا …أنا الموعود بالجنة منكم…وممن يحكمون…ألم تصرخوا كثيرا…وطويلا يا مولاي ..ألم تقولوا إن القادمين سيصلحون … وكأن الذين قبلهم كانوا يخربون وهم لا يدركون …لكن ماذا رأينا منكم مولاي…ومن القادمين…لا شيء غير الخراب…وكأني بالقادمين جاؤوا ليخرّبوا أماكن لم تخربها معاول السابقين …
مولاي…
أتدري أن كل عاطل عن العمل اليوم يعيش على حلم رسالة تُعلمه بانتدابه…رسالة تعلمه بأنه حي يرزق…يتنفس …أتدري هذا أم أن الغرف المظلمة التي تراها ولا نراها تمنعك من التفكير في هذا…أتدري مولاي أن وراء كل عاطل عائلة تموت بالتقسيط…مع تأجيل التنفيذ… وبقية الشعب ينظرون للمرتب البسيط… وما يفعلون به …هل سيأكلون منه أم يكتفون بتسديد دفعات التقسيط …وأنت ماذا فعلت…لا شيء…لا يهمّك أمرهم…ولا أمر عائلاتهم…ولا أمر موتهم…أنت تبحث يمنة ويسرة عن طرق تعطّل بها كل مفاصل الدولة فقط لأنك تحلم بأن تكون الحاكم الأوحد…الآمر الناهي…سلطان زمانك…حجاج زمانك…
مولاي…
أتدري مولاي أن هناك اليوم من يحترف البطالة بعقد غير محدّد…أتدري مولاي أن العاطلين أنواع…هناك عاطل متربّص…وعاطل منتدب…وعاطل على ذمّة التحقيق…وعاطل برتبة سجين…وعاطل ينتظر دوره لإعلان وفاته عاطلا…وأنت مولاي ماذا فعلت لهؤلاء العاطلين؟…لا شيء…غير عراكك اليومي مع ساكن باردو …وحربك المعلنة على ساكن القصبة…هل بما تأتيه سيحبك الشعب…سيعترف بك رئيسا…سيقول عنك خيرا…سيسعد بعهدك…لا أظنّ …
مولاي…
أتدري أن “العاطلين” مثلي هم بمئات الآلاف…ولن يهمهم ما تأتيه…ولا معاركك الوهمية…والأشباح التي تراها…كما لن يهتموا بمعاركك مع ساكن القصبة فهم يدركون أنه أفشل من جلسوا على ذلك الكرسي…لكن ألم تكن أنت من اختاره ليجلس هناك…ألم تكن ترى فيه ذلك الابن الوفي المطيع الذي لا يرفض لك طلبا…واليوم كيف انقلب إلى ما هو عليه…أتدري أنهم لن يهتموا لزياراتك إلى مصر…ولا إلى الفراعنة…لأنهم يعلمون اليوم جيّدا أنها مجرّد تفاصيل سخيفة في حربك ضدّ خصومك…وضدّ من يقفون أمام رغبتك في التربع على العرش…وحيدا…
مولاي …
أتدري أن بعض من صفقوا لك طويلا كانوا إلى وقت غير بعيد ينتظرون ثمرة تعبهم…وثمن ايصالك إلى كرسي قرطاج…أتدري مولاي أنهم اليوم خاب ظنّهم وعرفوا أنك عاجز…عن الفعل…وعن إتيان شيء لصالحهم…هم على يقين أنك لن تحرّك ساكنا لأنك لن تقدر على ذلك…ولا أنت “مؤهل” لذلك…لن أطيل رسالتي هذه…ولن أبلغك أكثر…عن حقيقة ما ينتظرك…فهم أوهموك بصلاحيات واسعة …لكن أنت تعلم مولاي أن “تلك حدود الله”…وأنك عاجز إلى يوم يبعثون…
مولاي…
هذه رسالة مواطن عادي إلى رئيس غير عادي…رسالة مواطن عاطل عن الحياة… يتنفس بالتقسيط وبترخيص مسبق من الحكومة…ينتظر قرار موته قبل انتدابه…ليموت ولا أحد يرثيه …ولا أحد يبكيه…عاش مكبّلا بالأحلام وبالأوهام…لم يذق طعم الحرية خارج حدود غرفة نومه… لا يجيد ولا يفقه معنى البروتوكول فاعذر له ما أتاه في رسالته …عاطل مؤبد… مفكّرته خالية من المواعيد المصيرية…لا يملك هاتفا… ولا يعرف رقم هاتف مسؤول كبير…لأنه لا يريد أن يصاب بأوجاع الظهر المزمنة… فالسجود لغير الله يؤلمه…
مولاي…
إن وصلتك رسالتي…فأعلم …أني مواطن لا يحبك…ولن يحبّك…