قد يتصوّر البعض أن الخروج إلى الشارع للاحتجاج أو للتنديد أو للمناصرة هو نوع من استعراض العضلات الحزبية أو الجمعياتية لفرض اختيار معيّن، ويبقى مقبولا إن كان من يقف وراءه دعما وتنظيما هو حزب معارض يسعى إلى تعديل أوتار السلطة …أما أن يكون المنظّم هو حزب من الحزام الحكومي فهو أمر محيّر ويجعلنا نبحث عن الهدف الحقيقي من تنظيم هكذا مسيرة وعمّا تبحث النهضة من وراء ذلك.
الواقع أن حركة النهضة تُعامل من لدن بقية الأحزاب حتى من بين حلفائها في السلطة ومن بعض المعارضين وحتى من وسائل الاعلام كشرّ لابدّ منه، وما ملأ مسامعنا منذ مدّة هو أنّ الحركة في تراجع كبير حسب وكالات سبر الآراء المتعدّدة … ونحن نعتقد أن الحركة انتهزت هذه الفرصة لمعرفة حجم شعبيّتها والردّ على كلّ خصومها ومنافسيها، وذكاء النهضة يكمن في حسن اختيار عنوان المسيرة وهو الدفاع عن مؤسّسات الدولة والمسار الديمقراطي واحترام الدستور لتأمين المسار الثوري.
في المقابل وغير بعيد عن النهضة تجمّعت مسيرة حزبية أخرى لحزب العمال بقيادة زعيمه حمّة الهمامي ترفع شعارات ثورجية مختلفة عن شعارات الخصم الأيديولوجي. مسيرتان مختلفتان شكلا وحجما ومضمونا جاءتا في نفس التوقيت وهنالك من تساءل عن سبب توافق التوقيت وتقريبا المكان وعبّر عن تخوّفه من الانفلات والتصادم ولكن والحمد لله أن سارت الأمور تنظيميا على ما يرام وهو مكسب أخر يحسب لتونس الثورة التي أصبح من الممكن أن يلتقي فيها الضدّان في نفس المكان والزمان دون اصطدام أو عنف وهي صورة جميلة لثورة فتيّة …
ولكن إذا نظرنا إلى الأمر بأكثر عمقا نجد فيه بذور تفرقة وتشتّت وعدم الرغبة في السير في نفس الاتجاه بنفس الإرادة والرغبة وبنفس الرؤية ولو في خطوطها العريضة أي أن يؤجّل الاختلاف إلى ما بعد الخروج من عنق الزجاجة نحو برّ الأمان. بالإضافة إلى هذا التنافس الحزبي نجد أن السيد رئيس الجمهورية قام بزيارة فجئية إلى إحدى المناطق ليلقي كلمة يعيد فيها تقريبا نفس ما تعوّد على ذكره في كلّ لقاءاته السابقة ..
هي زيارة لم تجلب معها جديدا سوى التّأكيد على أن قيس سعيد أصبح طرفا أساسيا في الصراع السياسي القائم في البلاد، وله دور غير خفيّ في اشعال نار الفتنة والحرص على ديمومتها … وهو ما يعطي صورة قاتمة وغير مريحة ويؤجّل حركة الإقلاع ويعطي صورة غير مطمئنة لشركائنا الأجانب من أشقّاء وأصدقاء، وخاصّة المستثمرين الذين لا أحد فيهم يرغب في القاء أمواله داخل حفرة من الرمال المتحرّكة… للتذكير، الرمال المتحرّكة تبتلع كل من يطؤها !.