جور نار

رعاة البقر

نشرت

في

في الستينات كان لنا شغف كبير بأفلام الوسترن “رعاة البقر ” وحكاية الوسترن أي الغرب الأمريكي حكاية متشعبة ومزدحمة بالأحداث منذ القرن السابع عشر ..

<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

وللتذكير وبإيجاز ..الغرب الأمريكي كان مسرحا لصراعات عديدة بين متساكنيه وبين المستعمرين من انجليز في البداية وبين متساكنيه الأصليين وكلّ من نزح إليهم طمعا في ذهب كاليفورنيا وحتى بين متساكنيه وبتشجيع من السلط الأمريكية والتجار الوافدين من ولايات اخرى للسيطرة على خامات هذا الغرب ..هذا باختصار شديد لواقع منطقة الغرب على امتداد أكثر من قرنين ..حروب وصراعات والبقاء فيها كان دائما للأقوى …

من ثمة نشأت فكرة افلام الوسترن والتي و بأسلوب سينمائي درامي دوّنت مجموعة ضخمة من تاريخ رعاة البقر في الغرب الأمريكي حيث التسلّط على فئة ما من هؤلاء الرعاة وردّ الفعل من بعضهم انتقاما لاحد المتضررين والمنكوبين … ولعلّ العديد منّا يتذكّر جيّدا جون واين كأبرز ممثل في بدايات الوسترن ثمّ تتالت الأسماء مع كلينت إيستوود وشارل برونسن وهنري فوندا وغيرهم ..ومن منّا لا يتذكّر “حدث ذات مرّة في الغرب” Il était une fois dans l’Ouest أو الطيب و السيء والقبيح Le Bon, la Brute et le Truandللمخرج الايطالي الكبير سيرجيو ليوني بإبداعات واضع الموسيقى التصويرية انيو موريكوني …

أفلام رعاة البقر أحالتني عديد المرات إلى أوضاعنا عبر التاريخ و لحدّ هذا اليوم ..دويلات يقوم على رعايتها راع ما، أي حاكم وعادة ما يتصرّف مع رعيته كبقر .._اي كول و إلاّ كسّر قرنك _ ..وبقدر ما يزداد الظلم بقدر ما يظهر واحد من الكاوبوي من الرافضين للظلم والظالمين والظلام …ويتفاعل معه بقية البقر ليتحولوا إلى جيش نطّاح لا يُبقي ولا يذر، أي إلى ثورة … وهنا أعني ثورة حقيقية لا تلك التي زعموا أنها ثورة فتحطمت أحلام الثائرين على حجر لصوصية الحكام ووحشية حاشياتهم …أليس هذا هو تاريخنا كدويلات عربية مع تقديري لبعض الاستثناءات القليلة عبر هذا التاريخ ؟؟

في تلك المعارك بين الرعاة والبقر تختلط الأوراق في كلّ مفاصل الدولة، يختلط الصالح بالطالح والظالم بالمظلوم وكلّ يدّعي أنه وحده مالك الحقيقة ..لنأخذ مثالا حيّا نعيشه هذه الأيام ..الحدث هو حلّ المجلس الأعلى للقضاء وكالعادة تعالت أصوات مهللة واخرى مندّدة …دعوني أطرح رؤية متواضعة لحلّ مثل تلك الإشكالات والتي يمكن إسقاطها على كلّ القطاعات الأخرى _ اقتصاد إعلام رياضة إلخ …

أعود للقضاء والقضاة ..من منّا ينكر وجود قضاة شرفاء في ذلك القطاع ..ألم يكن بإمكانهم كرعاة لهذا الدولاب أن يختاروا منهم عشرة قضاة يشهد الجميع بعدالتهم وباحترامهم لشرف المهنة، فيقومون أوّلا بفضح كلّ القضاة غير الشرفاء والذين انحازوا لحلفائهم وأسيادهم ومموليهم عوض الانحياز للشعب وللعدالة …البيت ينظّفه ساكنوه .. ثم يؤسسون لمجلس قضاء أعلى بعيدا عن أيّ انتساب لأيّ كان بما في ذلك ما يسمى بالقوى الدولية وهي أكبر كذبة يروّجها أعداء الشعب _ اللي زعمة زعمة ثويرين قدّ الدنيا _ ونخبة زادة كان ما عجبكش _ وهم ينفخون رؤوسنا صباح مساء و ينذروننا بعدم رضاء أمريكا وأوروبا عن مواقفنا …

قلت هي كذبة كبرى لماذا ؟ لأنّ أصحاب هذه القوى لو هدّدهم حاكم رشيد بائتلاف مع الروس أو الصين لركضوا بكلّ قواهم آسفين وملحلحين بينا ومباركين حلّ البرلمان وحلّ المجلس الأعلى للقضاء وكلّ الأجزاب والجمعيات ولأصبح حاكمنا عنوانا بارزا لديموقراطيتهم الوهمية ..هذه البلدان التي ذكرتها هل نددت يوما بتعسّف وجبروت وظلم واستبداد الاسرائيليين ؟؟ هذه الدول هل تدخلت يوما في شؤون قطر التي لا تملك مفصلا واحدا من آليات الديموقراطية ..وما قلته عن تهديدنا لتلك الدول بالانضمام إلى حلف آخر ليس فعلا رومانسيا ..لقد فعله البعض قبلنا ونجح فيه ..بشار في سوريا ..الجزائر الشقيقة ..إذن خرافة الدفاع عن الديموقراطية في تونس وعن الدستور وعن حقوق الإنسان لا يمكن أن تكون درسا من غرب يشهد ماضيه وحاضره أنه أخبث كاذب في هذه الأمور …

ما أقوله عن القضاء أقوله عن الإعلام عن الرياضة عن الاتحاد العام التونسي للشغل عن منظمة الأعراف عن الهايكا عن كلّ المنظمات والأحزاب دون استثناء .. كلّها في حاجة إلى ترتيب البيت بأناس شرفاء، الشرفاء في الحكم هم رعاة الشعب ..الشرفاء هم القادرون في كلّ القطاعات على تنظيف بيوتهم الداخلية ..ولأنني انتميت لقطاع الإعلام منذ 1972 اعتبرت دائما انّ الإعلامي الشريف هو من يصدح بصوته عاليا ليقول لا لأيّ زميل أو مسؤول ينضمّ إلى منظومة فاسدة لا تدافع عن الحقيقة كلّ الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة ..ومهما كانت الإغراءات وهذا ما كان لي طيلة حياتي المهنية …

أقول هذا بعيدا عن تقمص دور البطولة لأنّ هنالك من هم مثلي وأكثر شراسة منّي وأنا مدين للعديد مهم بما اأنا عليه الآن عندما قرأت من سبقني كمحمد قلبي وكالطاهر الفازع وكمجمد الماغوط وحمدي قنديل ..عرفت أن هؤلاء هم القدوة ..هذا ماضيا أمّا حاضرا فأنا موقن كلّ اليقين أنّ في القطاع حاليا هنالك من هم مثال للنظافة ولشرف المهنة ..عددهم يتناقص يوما بعد يوم والبعض منهم أصبح في خانة “كان شريفا يومًا ما” ولكنهم موجودون …

أختم بالقول وأنا هنا أتوجه لمن حكمونا ولمن يحكمنا الآن وفي كلّ القطاعات ذون استثناء ..قدركم ان تكونوا رعاة ولكننا لسنا بقرا ..نحن بشر …نعم بشر رغم أنفكم …ولكن سنتحوّل يوما ما إلى آدميين شرسين وأكثر شراسة في نطحنا من البقر ..فاحذروا الايام ..احذروها جيّدا لأنّ للظلم جولات وللحق والشعب جولة النصر …

10 فيفري 2022

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version