جلـ ... منار
محمد حسنين هيكل: روح جديدة في السينما المصرية *
نشرت
قبل 4 سنواتفي
أريد أن أسجل أن هناك طلائع روح جديدة في السينما المصرية!
لست من هواة الأفلام.. ولا أنا ناقد سينمائي.. وإنما أحسست بهذه الروح الجديدة وأنا أشاهد فيلما مصريا لأول مرة منذ سنوات!
والفيلم المصري الذي رأيته هذا الأسبوع هو: صراع في الميناء!
ولقد رأيت فاتن حمامة بعد أن كبرت.. فإن آخر مرة رأيت فاتن على الشاشة كانت عندما ظهرت مع محمد عبد الوهاب طفلة في فيلمه القديم: دموع الحب.. منذ ما يقارب خمسة عشر عاما!
ولقد دخلت الفيلم مصادفة.. وخرجت منه وفي عزمي ألا أنكر الشهادة.. وأن أقول كلمة حق..
وأنا لم أر فاتن حمامة شخصيا في حياتي..
وكذلك لم أر زوجها.. وبطل فيلمها.. عمر_الشريف.
بل إن رأيي في عمر الشريف من مجرد رؤية صورته في الصحف لا يرضيه كثيرا.. ولو كان لي أمر عليه لأخذته من يده إلى أقرب حلاق وطلبت منه أن يحلق له شوشته التي ينكشها على مقدمة رأسه.. فتوة وشبابا!
وكذلك لا أعرف كاتب القصة أو واضع السيناريو أو مخرج الفيلم..
ولكن الحق أني خرجت معجبا بكل هؤلاء.. بفاتن حمامة التي أدت دورها ممثلة رائعة.. وبعمر الشريف برغم شوشته المنكوشة على رأسه. وبكاتب القصة وواضع السيناريو.. وقبل هؤلاء جميعا.. بمخرج الفيلم.
لم يكن الفيلم كما تعودنا أن نرى دائما قصة بنت الباشا الهاربة مع سائق سيارته..!
ولم يكن الفيلم رقص بطن.
ولم تكن فيه أغان تحشر بين المشاهد والسلام!
إنما كان الفيلم قطعة من صميم الحياة.. قطعة فيها فكرة.. ولها روح. ووراءها هدف..
ولقد خرجت من الفيلم وأنا مؤمن أن الدولة يجيب أن تغير سياستها تجاه السينما المصرية.. ما دامت السينما المصرية قد بدأت تغير اتجاهها أيضا!
لقد كنت حزينا لمأساة السينما المصرية. وأنا أكره أن تضمحل السينما المصرية كفن.. وكصناعة!
ولقد سمعت واحدا من السينمائيين هذا الأسبوع يقول لي:
“لماذا لا تعطينا الهيئات الرسمية من التسهيلات ما تعطي من تسهيلات لمخرجي السينما الأجانب الذين يصنعون أفلاما في مصر؟
تصور مثلا مدى التسهيلات التي أخذها هوارد هوكس وهو يخرج قصة بناء الهرم. تصور هذا وتصور بعده تجربة وقعت لي..
كنا نريد تصوير مدخل محكمة مصر في فيلم من الأفلام.. وتقدمنا بطلب إلى رئيس المحكمة..
وبعد أيام أحال رئيس المحكمة الطلب إلى وكيل وزارة العدل..
وبعد أيام أحال وكيل وزارة العدل الطلب إلى وكيل وزارة الداخلية..
وبعد أيام أحال وكيل وزارة الداخلية الطلب إلى إدارة المباحث العامة..
وبعد أيام أحالت إدارة المباحث العامة الطلب إلى وزارة الإرشاد..
ورأت وزارة الإرشاد أن الأمر من اختصاص وزارة العدل ما دام الغرض هو تصوير واجهة المحكمة.
وهكذا أحالت وزارة الإرشاد الطلب إلى وكيل وزارة العدل..
وبعد أيام أحال وكيل وزارة العدل إلى رئيس المحكمة..
وبعد أيام أشر رئيس المحكمة على الطلب بالرفض..!
غير معقول!
“إن طلائع الروح الجديدة في السينما المصرية.. تستحق التشجيع..
دعونا لا نضيع الوقت.. ولا نترك الفرصة للإهمال!”..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذا المقال نشر في مجلة آخر ساعة، بتاريخ 11 ـ 2 ـ 1956
—فيما بعد تعرف الأستاذ بالفنانة فاتن حمامة، وبالمخرج يوسف شاهين..
فيلم: صراع في الميناء، قصة واخراج: يوسف شاهين، سيناريو: محمد رفعت
فيلم: دموع الحب: مقتبس من رواية “ماجدولين أو تحت ظلال الزيزفون” للكاتب الفرنسي ألفونس كار و قام بتعريبهامصطفى لطفي المنفلوطي، بطولة: محمد عبد الوهاب و نجاة علي، اخراج: محمد كريم..
الصورة تجمع الأستاذ هيكل مع فاتن حمامة وزوجها الدكتور محمد عبد الوهاب، بمزرعة هيكل في برقاش – خريف 2007
تصفح أيضا
جلـ ... منار
عودة ترامب.. تحديات ومخاوف!
نشرت
قبل أسبوع واحدفي
25 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionعبد الله السنّاوي:
يكاد العالم يكون اختلف تمامًا عما كان عليه قبل أربع سنوات حين جرت إزاحة دونالد ترامب من البيت الأبيض في انتخابات (2020).
بمجرد انتخابه مجددًا طرحت تساؤلات حرجة على الإقليم والعالم عن حدود التغيير في سياسات القوة العظمى شبه الوحيدة على المسارح الدولية والإقليمية المشتعلة بالنيران في أوكرانيا وفلسطين ولبنان.
يصعب التعويل على تعهداته الانتخابية بإنهاء تلك الحروب والتخلص بأسرع وقت من إرث سلفه جو بايدن. يقال عادة: “ترامب هو ترامب”. في لحظة إعلان انتصاره استعار من منافسته “كامالا هاريس” دعوتها إلى طي صفحة الصراعات الداخلية، التي تسببت فيها سياساته وهددت الديمقراطية في صميم معناها وأدوارها.
في نشوة النصر استشعر بأن حقًا استلب منه بالتزوير الفادح في الانتخابات السابقة عاد إليه دون أن يكون لديه دليل واحد أو شبه دليل.
هل يمكن أن تختلف سياساته في إدارة الدولة من الشقاق إلى الوحدة أم أننا في انتظار انفجارات أخرى ومشاحنات جديدة تضع المشهد الداخلي الأمريكي على حافة الخطر الداهم؟
هذا تحد أول يستدعي القلق المكتوم أو بعض الوقت حتى تستبين سياساته ومواقفه عندما يدخل البيت الأبيض في (20) يناير (2025)، حسبما تقضي الترتيبات المستقرة في نقل السلطة. الملحّ والضاغط الآن الطريقة التي سوف يتصرف بها في الملفات الدولية المشتعلة.
لم تكن لدى الأوروبيين رفاهية الوقت لانتظار ما قد يطرأ من تحولات وانقلابات جوهرية في الحرب الأوكرانية، أو تبعات التحلل من الالتزامات الأمريكية تجاه حلف الناتو ومستقبل الأمن في القارة وطبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.
دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية إلى الاعتماد على نفسها في ضمان أمنها. لم تكن تلك دعوة مستحدثة على توجهاته السياسية بعد صعود ترامب مجددًا، فقد تبناها وألح عليها أثناء فترته الرئاسية الأولى، التي تخللتها مشاحنات أمام الكاميرات بين الرئيسين وصلت إلى حد إهانة ماكرون. دعوته هذه المرة أقرب إلى إجراء احترازي مبكر خشية عواقب إنهاء الحرب الأوكرانية بتفاهم منفرد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون أخذ المخاوف الأوروبية في الاعتبار.
في تعليق لافت آخر دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى “السلام من خلال القوة”. كان ذلك تعبيرًا ملتبسا يعكس مدى قلقه البالغ من أية تحولات دراماتيكية مفاجئة عسكريًا وسياسيًا على المسرح الأوكراني. بوقت واحد تبنى خيار بايدن في استخدام قوة حلف الناتو بمواجهة روسيا دون أن يعارض خيار ترامب، لإنهاء الحرب بعدما أثبت الخيار العسكري عجزه عن تحقيق أهدافه.
لم يتردد القادة الأوروبيون الآخرون عن التعبير بصيغ أخرى عن فوائض القلق، التي تعتريهم إثر صعود ترامب مجددًا. المشكلة الرئيسية هنا أنه تعهد بإنهاء الحرب بمجرد التواصل مع بوتين دون أن تكون لديه خطة واضحة.
بدا الكرملين أكثر تريثًا، رغم تأييده الضمني لصعود ترامب. بتعبير وزير خارجيته أندريه لافروف: “سوف ننظر في أفعاله لا أقواله”.
الحرب الأوكرانية تحد جوهري يتعلق به مستقبل النظام الدولي، الذي أخذ يترنح بتأثير حربين متزامنتين، واحدة في أوروبا والأخرى بالشرق الأوسط.
كانت النزعة العسكرية المفرطة لدى بايدن أحد الأسباب الجوهرية لخسارة نائبته هاريس الانتخابات الرئاسية. لم تبدِ شخصية مستقلة عن إرثه، لا دعت إلى حل سياسي للحرب الأوكرانية ولا نددت بجرائم الإبادة الجماعية في غزة. باليقين فإن وطأتها أقل من ترامب بالنسبة للحرب في غزة، لكنها فشلت في اتخاذ مسافة عن بايدن الذي فقد شعبيته وصورته وأدخل الاقتصاد الأمريكي في دوامة التساؤلات الحرجة عن مستقبله مع زيادة نسب التضخم وارتفاعات الأسعار في الأسواق.
استثمر ترامب في فشل بايدن، ونجح في الفوز براحة لم تكن متوقعة. كسب إلى صفه قطاعات من الأمريكيين السود رغم سجله السلبي، الذي استدعى احتجاجات واسعة نشأت في زخمها حركة حياة السود مهمة. كما نجح في اجتذاب كتل محافظة خارج نطاق حزبه الجمهوري أقلقها تركيز منافسته على الحريات الجسدية بمن فيهم عرب ومسلمون.
كانت المفارقة الأفدح توزع الصوت العربي والإسلامي بين المرشحين بذريعتين مختلفتين، أحدهما بالتصويت العقابي ضد إدارة بايدن وهاريس لدورها في الحرب على غزة والتواطؤ الكامل بحرب الإبادة.
وثانيهما، بالرهان على أن يلتزم ترامب وعده الانتخابي، الذى أطلقه بولاية ميتشيغان المتأرجحة، بإنهاء حربي غزة ولبنان.
كان ذلك تحليقا في فراغ الأهواء. بدت حكومة بنيامين نتنياهو الأقصى يمينية في تاريخ الدولة العبرية، هي الأكثر ابتهاجًا بفوزه. حسب تعبيره فإن فوز ترامب يعني إعادة القوة للتحالف الأمريكي الإسرائيلي، كأنه كان مهتزًا على عهد بايدن، الذي وفر لآلة الحرب الإسرائيلية كل ما تحتاجه من تسليح ودعم استخباراتي وغطاء سياسي منع ملاحقة قادتها أمام المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب أخطرها الإبادة الجماعية. وحسب وزير الأمن القومي المتطرف اتيمار بن غفير فإنها فرصة لتحقيق النصر المطلق دون أن يكون لديه أي تصور يتعدى التقتيل والإبادة والتجويع والتهجير القسري للفلسطينيين.
الحرب في لبنان أخطر على واشنطن ومصالحها من الحرب على غزة.
هذا استنتاج مرجح في ما تنشره الصحافة الأمريكية، رغم ما يقال عن تفاهمات بين ترامب ونتنياهو تقضي باستخدام كل ما يلزم من قوة لحسم الحرب على غزة حتى يمكن إنهاؤها فور دخوله البيت الأبيض ويكون ذلك إنجازًا يحسب للرئيس العائد.
في كل الأحوال لا يمكن تجاوز الحقائق على الأرض، في لبنان وفلسطين. القضية الفلسطينية تستعصي على الإلغاء، إلى حد نفي مشروع الدولة الفلسطينية وعدم الاستعداد للاعتراف بأية حقوق سياسية لشعبها.
إننا بقرب محاولة جديدة لإلغاء الأثر السياسي والمعنوي لعملية السابع من أكتوبر (2023) وما جرى بأثر حرب الإبادة في غزة من أوسع موجة تضامن شعبية دولية مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطني بالمقام الأول والأخير.
يصعب تخيل حدوث هذا السيناريو بعد كل ما جرى. ولا هو سهل ومتاح العودة إلى صفقة القرن بصورة أو أخرى بالتوازي مع الضغط الهائل على دول رئيسية في الإقليم كالسعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون أي مقابل سياسي.
إننا بقرب ابتزاز سياسي ومالي جديد تعترضه الحقائق الفلسطينية، التي ثبت دومًا أنه يستحيل تجاوزها.
ـ عن “الشروق” المصرية ـ
وفاء سلطان:
البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.
فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،
ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به
أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.
في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما
فردّ على الفور:
بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.
قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!
فردّ: أخاف من الله
قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟
لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.
عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.
الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.
نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.
الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى
دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم
بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.
الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته
أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق
ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس
فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين
جلـ ... منار
“هابرماس”… والعدوان على غزّة
نشرت
قبل أسبوعينفي
17 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionعبد الله السيد ولد اباه*:
“يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.
لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.
ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!
لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.
لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.
ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.
وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.
ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟
العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.
الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .
وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”
لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.
كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟
لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 18 ساعة
ورقات يتيم… الورقة 92
- اقتصادياقبل يومين
النكهة التونسية في الصالون الدولي للشكلاطة والمرطبات
- اجتماعياقبل يومين
غدا الاثنين… انطلاق امتحانات الثلاثي الأوّل
- ثقافياقبل يومين
اختتام أيام قرطاج المسرحية
- ثقافياقبل يومين
قريبا… “أيام سينما الجبل” بعين دراهم، والسينما التونسية إلى أين؟
- صن نارقبل يومين
الذكاء الاصطناعي و إدارة المشاريع بتونس
- صن نارقبل يومين
مستبقا صراعه مع الصين… “بايدن” يمهّد لخلفه “ترامب”، الطريق نحو إفريقيا
- صن نارقبل يومين
“الأونروا”: أكثر من 415 ألف نازح بغزة يحتمون في مدارسنا