جور نار

زمن التفرعين

نشرت

في

ذات سنة في اواسط الثمانينات وفي يوم من ايام (الأيام) كتبت مقالا كان عنوانه “ارجوكم لا تصدّقونا بسرعة” قناعتي كانت ومازالت ومازلت مصرّا على انّه ..لا احد منّا يملك الحقيقة …

<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

اذ انّ كلّ ما تعلمته ولحدّ الان، استنبطته في البداية من مقولة سقراط العظيم في اخر حياته (علمت انّي لا اعلم شيئا) وزادت قناعتي وانا استمع الى الاغنية اليتيمة للممثل الفرنسي جان غابان (الآن عرفت) والتي ختمها بـ”الان عرفت اني لم اعرف شيئا” .وفي الاخير ترسّخت نهائيا هذه القناعة بتلك الاية القرآنية في سورة الاسراء (وما اوتيتم من العلم الا قليلا) ..ولكلّ واحد منّا ان يعتنق هذا المعنى سواء فلسفيا او فنيا او دينيا ..لكن الثابت انّ هنالك اجماعا على انّه مهما اتسعت دائرة معرفتنا فاننا فقراء امام الحجم الهائل لمحيط المعرفة وكنوزها …

من هذه الزاوية مثلا انا مندهش لحدّ الرفض من اولئك الدعاة الذين يحاولون ايهامنا بانهم اعتى المفسرين واعتى المفتين .. من اين لهم هذا ؟؟ والاغرب بوه على خوه في استشهاداتهم بالسلف …وكأنّ ليس في هذا السلف الصالح سلفا غير صالح ..او لكأنّهم رسل وانبياء وكفر ان لا نصدقهم ..ومحاولة منّي في فهمهم وفهم ما يدّعون اصبحت احترم فقط من يُنهي حديثه عن اسلامنا وديننا وسنّة رسولنا بقوله (والله اعلم) لأنّ في ذلك اقرارا باحقّية الشكّ عند المتلقّي اوّلا وتماهيا مع ما كتبته يوما في جريدة الايام وتحت عنوان “ارجوكم لا تصدقونا بسرعة”

قلت هذا يومها وفي (الايام) لسببين اوّلهما اننا فعلا نحن في ميداننا الاعلامي لا نمتلك الحقيقة ..وكلّ همّنا البحث عنها مع الاخر وبكلّ تواضع …وحتى تعاليقنا على ما يحدث يجب الا تخرج عن دائرة الانطباعات والتي نترك فيها المجال مفتوحا للاخر الذي قد يتفق معنا فيها وقد يختلف … وثانيهما هو تحذير غير مباشر للعديد ممن يكتبون او يذيعون او يصورون لاهداف رخيصة . ورجوت قرّائي ان لا يصدقونهم ولا يصدقوني انا ايضا بسرعة … تماما كذلك الخطيب على المنبر وهو يدعو للاخرين بالرحمة والغفران دون ان يبدأ بنفسه …

قلت كان ذلك في اواسط الثمانينات .. والان وبعد قرابة الاربعين سنة كيف اصبح المشهد ؟؟ حتى اكون موجزا المشهد اصبح مقرفا وخطيرا .. فهو في جلّه حتى لا اظلم البعض على قلّتهم امّا مجموعة من قالبي الفيستات _ او مجموعة من الفراعنة الجهّال ..او فروخ اخر الزمن .

الصنف الاوّل كانوا في الصفّ الاوّل منذ بورقيبة وجتى خنّار ما بعد جانفي 2011 ..هذا القطيع صالح لكلّ زمان رغم انّه طالح ..الصنف الثاني هم جُهّال لانهم يتصورون انهم وحدهم من يملكون الحقيقة … اذن هم تماما كفرعون (انا ربكم الاعلى) والصنف الثالث مجموعة من الفروخ سنّيا بدعوى حقّ الشباب في التواجد اعلاميا …طبعا من حقّ الشباب ان يتواجد في كل الميادين .. اما كيفاش ؟ بوه على خوه ؟؟ اين تكوينه معرفيا ؟؟ اين تكوينه مهنيا ..؟؟ اين ذلك الصنف من الشباب الطموح والمتواضع وذي الكفاءة شكلا ومضمونا ؟؟.

جلّ الشباب في المنابر الاعلامية يمثلون اسوأ فصائل الشباب لكأنّ وجودهم في المنابر الاعلامية اصبح موضة من موضات الاعلام …لا و عد تغلط وبعد حلقة او اثنتين يولّي يبمبي ..ويسمح لنفسه بالتطاول على الاخرين …انا هنا لا اعني بالاخرين من سبقهم في الميدان .. تي طزززز فيّ وفي امثالي ..بل اعني التطاول على كبار المفكرين وطنيا ودوليا وانسانيا …لا تندهشوا من هؤلاء ان ياتونا يوما بمداخلة من نوع (تي شكونو هو افلاطون او المهاتما غاندي او عبدالوهاب اللي مكسّرين روسنا بيهم؟) …

معناه الفقر والفرعنة .. الجهل والفرعنة … الفراغ والفرعنة ..اليس هو بزمن التفرعين وعلفاضي ؟؟…

20 اكتوبر 2022

تعليق واحد

صن نار

Exit mobile version