جور نار

زمن الحثالات …

نشرت

في

هناك يقين يكاد يكون بالاجماع يتمثّل في انّ العالم يعيش على كفّ عفريت …نعم في مشارق الارض ومغاربها نزاعات وحروب لعلّ ابشعها تلك المسلّطة على اهالينا في غزّة الحبيبة ..ونعم ايضا انّ تاريخ البشرية لم يخلُ في ايّة حقبة من حقباته من تلك الحروب ..

<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

ولكن نفس ذلك التاريخ علّمنا انّ عديد الحروب والنزاعات اورثتنا اوضاعا افضل ممّا كنّا عليه ..حروب التحرير مثلا من قيود المستعمرين اثمرت بلدانا تحررت من نير الاستعمار ..قد نختلف في تقييم تلك النتائج ولكن حتما علينا الاقرار بالعديد من ايجابياتها ..ولعلّ ابرزها خلق جيل جديد واع بالقيم الكونية في الحياة (الحرية والعدالة) … وهنا اذكر من الماضي القريب، الجيل الذي عاصر تونس مثلا منذ بداية الستينات وحتى بداية الالفية الثالثة ..جيل قاوم بما يملك من وعي ونضج كلّ من اعتدى على حقوقه “ما كبر في عينو حدّ” لا الزعيم بورقيبة ولا من خلفه زين العابدين رحمهما الله ..الجيل الطالبي انذاك في تونس العاصمة مثلا كان مثالا للانسان المقاوم ..واسالوا مقهى علي بابا والكامبيس وراس الطابية تروي لكم غضباته وصولاته ..

وفي تقديري المتواضع اعتقد انّ للتعليم واساتذته انذاك دورا مهمّا جدا في صقل شخصية الطالب ومن قبله التلميذ .. نعم لم يكن التعليم مجرّد وعاء لشحن الدارس بالعلم فقط، بل كان شاحنا لشخصيته حتى يصبح عضوا هاما في المجتمع يقوم بواجباته وأبدا ان يغمض عيونه على حقوقه وحقوق شعبه، بل ويتجاوز ذلك الى كونيّة الانسان ليناصر المظلوم ويقف بما يملك من ادوات ضدّ طغاة العالم ..والان اين نحن من ذلك الزمن ؟؟

قطعا لا انفي وجود فئة من فصيلة الواعين بالاوضاع ومن المقاومين لها ولكن والسؤال الذي اطرحه على الجميع ..ايّ مستقبل للاجيال القادمة ..لأحفادي واحفادكم وكم سيكون نصيبهم من الوعي والمقاومة ؟؟ بكلّ الم الدنيا اجيب ..انا لست متفائلا بالمرّة …وهنا انطلق من مقولة اجتماعية هامة وهي “الانسان ابن بيئته” … فهل البيئة التونسية بل والعربية عموما باستثناء البيئة الفلسطينية، قادرة على انجاب هذا الجيل الواعي المقاوم ؟؟ اشكّ جدّا في ذلك.

لا المنظومة التعليمية (الهشّة) ولا المنظومة الاسريّة المتفككة .. ولا المنظومة المجتمعية غير المبالية ..ولا المنظومة الاعلامية العابثة والمدجّنة، قادرة على نتاج سويّ لأبنائنا واحفادنا .. والأنكى انّ هؤلاء الابناء والاحفاد سيكونون هم اكبر الضحايا واولاهم ..لانّ المجتمعات التي تنتفي فيها قيم الحرّية المسؤولة والايمان بالعدالة للجميع والنضال من اجل هذه القيم، تصبح مجتمعات استهلاكية روّادها في ذلك الحثالات .

ولننظر حولنا لنعرف هذا الكمّ الهائل من الحثالات ..

حثالات السياسة والسياسيين، حثالات الغناء والمغنين ..حثالات الرياضة والرياضيين ..حثالات الاعلام والاعلاميين ..مع تقديري واحترامي لبعض الاستثناءات ..والاستثناء ان قلّ سيصبح الشواذّ هم القاعدة …نعم نحن نعيش حقبة مُريعة من زماننا ..انّه زمن الحثالات

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version