لمدة ثلاثة أيام، كان رئيسنا ضيفا على مصر الشقيقة و حظي هناك بحفاوة لافتة … و شخصيا، يفرحني أن تُذكر تونس بخير و أن يكرّم لدى الأشقاء أو الأصدقاء أي رمز من رموزنا … هذا في الحاصل، على الأقل عندي و عند أمثالي ممن لا أعرف عددهم و لا هويتهم الفكرية و لا أي مشروب يشربون …
و لكن … لنرجع إلى نظرية المغيربي و نتخيل ثلاثة أنواع من التونسيين كيف يرون الزيارة …
الأول، إسلامي (متشدد أو متوسط التشدد أو فوق المتوسط أو قريب من الحسن أو حسن جدّا في التشدد):
“هذه الزيارة شؤم و خيانة و تطبيع و مساندة للانقلاب الدموي الفاشي الاستئصالي إلخ إلخ” و زاد عليها أحدهم ببكائية نائحا: “يا روح مرسي” (على وزن يا روح ماما) و كلام متفجّع آخر لم تفكر فيه حتى أرملة الرئيس المصري السابق رحمه الله …
و الثاني، قومي عربي (متشدد أو متوسط التشدد أو فوق المتوسط أو قريب من الحسن أو حسن جدّا في التشدد):
“زيارة مباركة بإذن الله من أخ لأخيه و من محبّ لمحبيه و من عروبي أصيل إلى أهله و ذويه” … و لم أطّلع إلى اليوم على بيان من حركة الشعب التي عندنا … و لكني أتوقع ـ بحكم التوجه الفكري و أيضا التقارب مع قصر قرطاج ـ أنها لن تخرج عن هذا الإطار مع إضافة توابل أخرى و فلافل من فئة “جبهة واحدة للتصدي لأعداء الأمّة” و “يوم مشهود (و هي في الواقع ثلاثة) في تاريخ قضيتنا على درب الوحدة العربية التي لا ريب فيها” … آه نسيت شيئا … “الويل للخونة و الخيانة” ممن يعارضون هذه الزيارة طبعا …
و الثالث، براغماتي تونسي، و لكن وطني (متشدد أو متوسط التشدد أو فوق المتوسط أو قريب من الحسن أو حسن جدّا في التشدد):
“زيارة مهمة خاصة مع شريك مباشر لنا في حل الأزمة الليبية و ما انجرّ عنها سابقا من خطر إرهابي، و ما سينجرّ عنها حاضرا و مستقبلا من مصالح لكل بلدان المنطقة “… و قد عبرت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عن هذا الموقف إجمالا منذ البارحة على إحدى الفضائيات المصرية …
ثلاثة مواقف، لن أضيف عليها موقف الذين بلا موقف و لا رأي و لا اهتمام حتى و لو طاحت دار في الملاسين …
لكن الأهمّ من كل هذا …
الجوانب البروتوكولية تأخذ وقتها القصير و تمضي … و نحن و الرئيس قبلنا شكرنا المصريين على كرم وفادتهم … و الأشقاء بدورهم شكروا قيس سعيد على زيارته لهم خاصة في هذا الظرف الصعب الذي يهدد أمنهم المائي … و بالمناسبة، ما من تونسي شريف و يحب تونس حقا، إلا و يقف دون تردد مع شعب مصر في قضيته العادلة … و هذه نقطة تكلم فيها الرئيس باسم 90 بالمائة من التونسيين …
كل هذا جيّد، و لكن الأجود منه أن تترجم هذه الكلمات و الخطب و عبارات التوادد إلى أفعال و مبادرات جادة … أن نرى قريبا ذلك الخط البحري رادس ـ الإسكندرية الذي وعد به الرئيسان … و أن لا يحتجز أحد صيادين مصريين في مياهنا، و لا صيادين تونسيين في بحار مصر و ليبيا و الجزائر … بعد الحصول على التراخيص طبعا … و أن تنشط السياحة و التجارة و الثقافة و كل البينيّات الطيبة بين بلدينا … و أن يكون حضورنا في المنتظم الأممي عنصر إسناد لملف الحق المصري، كما للشقيقة حضور في أكثر من محفل، و من المطلوب أن يكون صوتها معنا، كما صوتنا معها …
إذن الأفعال هي التي ستجعلنا نقول بوركت هذه الزيارة … أو نقول كفانا استعراضا فولكلوريا مما تعوّد به الزعماء العرب طيلة القرن الماضي … و لم يكن ينقصه سوى مخرج في حرفية و بهلوانية و لعبة أضواء الفنان سامي اللجمي !