جور نار
سأحدثكم عن شهاب المهتّلي … أو كيف نُطوّع القانون لخدمة الناس وليس العكس
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriيُقفل اليوم الإثنين 15 أوت في حدود منتصف الليل مسار التوجيه الجامعي لسنة 2022 من خلال قيام الطلبة الجدد غير الرّاضين عن توجيههم الأوّل، بمحاولة تعديل مسارهم والسعي إلى الحصول عن شعبة جامعية تتلاءم أكثر مع ميولاتهم الدراسية والتكوينية أو مع مشاريعهم المستقبلية أو كذلك مع أوضاعهم الاجتماعية والعائلية…أو كل هذا معًا.
وسأنطلق من وضعيّة واقعية دالّة عشتُها شخصيا في بداية الألفية الجديدة والتي ظلت محفورة في ذاكرتي لطرافتها ودلالاتها، وعلاقتها العضوية بما يحدث اليوم في مجال التوجيه وإعادة التوجيه الجامعيين.
راجعني سنة 2001 شابّ يتكلّم العربية بصعوبة، اسمه شهاب المهتلّي، أصيل جهة منزل تميم على ما أعتقد وعرض عليّ وضعيّته المتمثلة في كونه عاش رفقة عائلته بألمانيا إلى غاية سنة اجتياز امتحان الباكالوريا، وقد تابع دراسته الثانوية في شعبة علمية (تُعادل شعبة الرياضيات لدينا) باللغة الألمانية أساسا. بطبيعة الحال. مكّنته وزارة التربية آنذاك ونظرا إلى خصوصية وضعيته من “إجراءات استثنائية” تُراعي عدم حذقه للعربية ولا للفرنسية، فقد تمّ الالتجاء على سبيل المثال إلى أستاذ ألمانية ترجم له موضوع الفلسفة وقدّم شهاب تحريرا باللغة الألمانية ليتولى فيما بعد أستاذ الألمانية ترجمته لأستاذ الفلسفة الذي أسند له عددا بناءً على ما استمع إليه شفويّا من زميله…
وهكذا بالنسبة إلى عديد الاختبارات الأخرى. صُرّح بنجاح شهاب المهتلّي في امتحان الباكالوريا وانطلقت رحلة توجيهه الجامعي المُضنية لأنه بملمحه اللغوي ذلك لا يمكن أن يدرس إلا بشعبة الآداب والحضارة الألمانية التي لم تكن توجد آنذاك إلا بكلية الآداب بمنوبة قبل توسّعها لتُبعث في حي الخضراء والمكنين وقابس ومدنين… لكن مجموع نقاطه لم يسمح له بنيل هذه الشعبة-المُنقذة (بالنظر إلى الصعوبات التي واجهها في امتحان الباكالوريا، وبالتالي حصوله على معدل غير مرتفع وبالنظر أيضا إلى طاقة الاستيعاب المحدودة المفتوحة في شعبة جامعية يتيمة وطنيا… قعُيّن في إحدى الشعب التقنية بالجنوب..
لم تكن تربطني بوزارة التعليم العالي في تلك اللحظة أية علاقة إدارية أو رسمية ولكن وجود شخص أُجلّه وأكنّ له احتراما خاصا على رأس الإدارة العامة للشؤون الطالبية هو أستاذ الانكليزية بالجامعة التونسية السيد بشير الأمين هو الأمر الذي شجّعني على تكوين ملفّ مع عائلة شهاب المهتلّي وعرضه رأسا على سي بشير (متّعه الله بموفور الصحّة والنجاح في تأثيث مدوّنته المتميّزة الباحثة في أصول “كلمات من اللهجة التونسية جاءتنا من ضفاف البحر الأبيض المتوسط وما وراءها“https://qamus-tunsi.blogspot.com) الذي أصغى إلينا جيدا وتصفّح محتوى الملفّ وأبدى امتنانا كبيرا لوزارة التربية التي بذلت مجهودا استثنائيا في التعاطي مع وضعية هذا الشاب التونسي العائد من أوروبا … ووعد بأن يعرض الموضوع على وزير التعليم العالي ساعتئذ ويُراجعنا في الأمر.
بعد أسبوع تقريبا، وقع إعلامنا بأن الشاب المعني تمّ قبوله بشعبة الألمانية بكلية الآداب بمنوبة. كانت فرحتي شخصيا تضاهي أو تفوق فرحة عائلة هذا الطالب الجديد الذي عاد إلى بلاده فوجد إدارة مرِنة ومتفهّمة ومُرحّبة بأبنائها بخصوصياتهم واختلافاتهم وتنوع مساراتهم. لم ألتقِ شهاب المهتلّي بعد تلك اللحظة ولست مطلعا على التفاصيل التي ميّزت مساره الجامعي، ولكنّي متأكّد أنه درس جيدا وتميّز ومضى بعيدا في تحقيق ذاته ونحت مستقبله.
قد يعترض عليّ بعضكم قائلا “ولكن ما قيمة حالة معزولة من جملة عشرات الآلاف من الحالات العادية الأخرى ؟! “
بالنسبة إليّ، وعلى عكس ما يتصوّره بعضنا، عدد مثل هذه الحالات الخاصة جدا يُقدّر بالعشرات إذا لم يكن بالمئات، وبالتالي فهو محمول علينا جميعا وعلى الدولة وأجهزتها بصورة خاصة أن نعتني بها ونُصغي إليها وأن يُكسر أنف القوانين والضوابط والمقاييس والإجراءات المحنّطة والسياسات المُنمّطة في سبيل تعهّدها واجتراح الحلول الملائمة حتى لا تظل على حافة الطريق. ومن ناحية أخرى، فإنه يكفي أن يفشل أي نظام في إنقاذ شخص واحد حتى يحكم على نفسه بالعجز والقصور وانتهاء مشروعية استمراره لأن الفرد في نهاية المطاف هو محور أية سياسة ومنتهاها وغايتها.
وسأعرض عليكم فيما يلي ـ وفي علاقة بموضوع التوجيه بالذات ـ جملة من المفارقات الموجِعة التي نعيشها هذه الأيام بسبب سياسات دولة تحرص بصورة شكلية على تطبيق قوانين تطحن الأفراد وتشمت في خصوصياتهم المُعيقة وتمتنع بصورة إرادية عن بذل أي جهد استثنائي يخدم الناس ويخفّف العبء عن عائلاتهم الرازحة تحت نير معيش يومي ثقيل وماحق :
ماذا يعني أن تحجِب وزارة التعليم العالي جملة من الشعب الجامعية (ودون أدنى إعلام مُسبق للرأي العام الوطني والطلبة الجدد بصورة خاصة، وما عليك إلا أن تكتشف ذلك بنفسك أثناء تعمير بطاقة إعادة التوجيه على الإنترنت عندما تعترضك عبارة “اختيار خاطئ” الطّاردة) ولا تعرضها في إعادة التوجيه أو النقلة ؟ والحال أنه حقّ مشروع ولا نزاع فيه خاصة بالنسبة إلى من يستجيب لشرط مجموع النقاط من ناحية، ومن لديه أوضاع اجتماعية أو عائلية غاية في التعقيد والحدّة من ناحية أخرى ؟
وماذا يعني أن تُحجب الشعب التي تتطلب اختبارات من إعادة التوجيه (حتى مع توفّر شرط مجموع النقاط) بدعوى أن أعضاء اللجان المكلّفة بإجراء الاختبارات أنهوا عملهم في بداية شهر أوت وتقاضوا أجورهم وعادوا إلى شواطئهم ولا يمكن بأي حال أن يعودوا لإجراء الاختبار مجدّدا (هكذا !)…والأغرب من هذا أن وزارة التعليم العالي تفسح المجال لـــ “أصحاب المواهب والمهارات الاستثنائية” ليلتحقوا ينفس هذه الشعب في نهاية شهر أوت (السياحة والصحافة والسينما والموسيقى والمسرح والتصميم…) بعد مواعيد التئام اللجان المذكورة ؟
وماذا يعني أن يوجد تلاميذ متميّزون جدا في الرياضات المختلفة وينتمون إلى جمعيات مدنية جهوية ووطنية ولكنهم أحرزوا شهادة الباكالوريا في غير شعبة الرياضة أو أحرزوها في باكالوريات أخرى ولم يسعفهم شرط مجموع النقاط من الحصول عليها فيحرمون من الالتحاق بالمعاهد العليا للرياضة والتربية البدنية المنتشرة في أربع ولايات ؟
وماذا يعني أن يحصل تلميذ على باكالوريا تقنية وتنقصه نقاط قليلة في اختصاصات تكنولوجية هي في صميم ما تدرّب عليه في المرحلة الثانوية مثل الهندسة الكهربائية والهندسة الميكانيكية والميكاترونيك … ويُزجّ به في شعبة الفرنسية أو التاريخ أو المحافظة على الممتلكات الثقافية وترميمها…بدعوى “الاحتكام الصارم إلى المقاييس الموضوعة في المجال” ؟ والجميع يعلم مُسبقا أن أعداد هؤلاء في اللغة الفرنسية تحديدا تحوم حول مستوى الصفر وأن مصير هؤلاء “التائهين” هو الانقطاع ومواجهة أدغال الحياة الموحشة.
وماذا يعني أن نُرسل طالبة جديدة من تونس الكبرى (ومن أبويين مُربيّين وبالتالي لا يمكن أن يصنف مطلبها ضمن الحالات الاجتماعية) إلى إحدى مدن الجنوب لتدرس اختصاصا يوجد مثله تماما في جهتها الأصلية ولكن مجموعها تنقصه نقطة أو نقطتان ؟ وماذا يعني أن يتمّ التذرّع بالاختلال المحتمل في طاقة استيعاب الشعب المعروضة للتناظر والكل يعرف أنه بعد انطلاق السنة الجامعية، تكون أغلب المؤسسات الجامعية تعمل بنصف طاقتها أو ربعها أو حتى عشرها وأدنى ؟ وماذا يعني أن يتمّ التغافل رسميّا عن احتساب الآلاف من الطلبة الجدد الذين يختارون (لأسباب مختلفة) الالتحاق بالتكوين المهني والتعليم الخاص والدراسة بالخارج، في تعديل طاقة استيعاب التعليم العالي العمومي المحددة وفق مقاييس حديّة صارمة لا تشبه بالمرة عدم التحكّم بهذا التشتّت المريع في المنظومة الوطنية للتعليم والتكوين عموما ؟
وماذا يعني في النهاية إرجاء إصلاح هذه المنظومة التي تآكلت وباتت تتسبّب سنويا في مآس عديدة تُلقي بتداعياتها المدمّرة على مستقبل أجيال وتوازن عائلات وتماسك مجتمع بأسره ؟
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل يوم واحدفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 14 ساعة
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 17 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 21 ساعة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يوم واحد
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يوم واحد
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يوم واحد
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يوم واحد
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل يوم واحد
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
تعليق واحد