جور نار
سلوكات ضالّة في هذا الفضاء الأزرق
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriأرى أنه كما لطاولة الأكل آدابها، وللحديث أصوله، وللعلاقات البشرية نواميسها، وممارسة السياسة محاذيرها… فإن لهذا الفضاء التواصلي الجديد قواعد ضمنيّة أيضا نشرا وتعبيرا وتفاعلا تُحتّمُ علينا جميعا التقيّد بها واحترامها في سياق مدوّنة لا مرئيّة نستدلُّ بها ونُؤطّر وفقها سلوكاتنا وتهويماتنا درءًا للانتصاب الفوضوي وتسوّر حيطان الغير وهتك ستر أعراض الناس.
وقد أصبح الأمر ملحّا حسب اعتقـــادي خــاصة في ضوء اعتبــارين أســــــــاسيين هما :
أولا تحوّل فضاء الفايسبوك إلى “دار مْقام” يقضّي بعضنا بين صفحاته ونوافذه وفيديوهاته الوقت الطويل حتى يخيّل إليك أن المستعمل يُخيّم داخله ليلا نهارا حتى وهو يُعالج تخليص سمكته المشويّة من أشواكها أو يقود سيّارته أو يُلقي درسا واعظا، وثانيا لأنه غالبا ما تتحوّل هذه المساحة المنذورة أصلا للتقليص من حجم اتساع العالم والتبادل المثمر والتعبير المرح والجاد على حدّ سواء…تتحوّل إلى بؤرة للتوتّر وشد الأعصاب وحطّ المعنويات والإساءة للناس وهتك الأعراض وتفريغ جميع أحمال النفايات والعقد النفسية. ونتيجة لذلك، كثيرا ما نعثر من حين لآخر على تدوينات لأشخاص محترمين وأصحاب مواقف مشرّفة ومؤسّسة يعبرون فيها عن ضجرهم وقرارهم بمغادرة هذا الفضاء دون رجعة.
أردت أن أتقاسم معكم هذه المرة بعض ما يُزعج ويُعكّر مزاجنا ونحن نتصفّح ما يكتبه أو يعلق به الناس على بعضهم البعض، مُكتفيا بما هو صارخ فيها ومُسيء ويتعارض مع أبسط قواعد العيش الافتراضي المشترك… مع الاعتذار سلفا لكل الذين سيعتبرون أنفسهم معنيّين بما سأقول لآنني معنيّ مثلهم ببعض الزلاّت وسوء التقدير ولأنني كذلك لا أقصد الإساءة المتعمّدة لأيّ كان ولا أستحضر أسماءً بعينها وأنا أؤثّث هذه الورقة.
- لا تُشهر سوى مظاهر السعادة المجانية غير المُكلفة
كثيرون هم الذين يحاولون جاهدين صباحا مساءً شدّ انتباه الناس إلى حجم الرفاه الذي يعيشونه وجودة الأكلات التي يطهونها أو يتناولونها في أفخر المطاعم وإلى منسوب سعادتهم الباذخة، متجاهلين أن الثراء موحشٌ والأموال بذيئةٌ ورغد العيش وقِحٌ أحيانا عندما يتم إشهارُ كل ذلك أمام أعين أغلبية شعبية تتحسّس جيوبها جيدا قبل الإقدام على شراء السّردين وبعض حبّات الماندرين. وإذا لم يكن لديك رصيد تستمدّ منه بعض القيمة الذاتية غير سجلّ الأطباق الغذائية باهظة الثمن من قبيل لحم الفيليه بالبهارات الهندية والكافيار والسّوشي … فاعلم أن أثرى أثرياء العالم لا يُفشي أطباقه ولا ينشر منابع سعادته الخاصة لأن المعنى الحقيقي بالنسبة إلى كثيرين منهم، يحاولون العثور عليه في أروقة الفنون والعروض الموسيقية الراقية والاستثمار في أعمال يعتبرونها ذات قيمة انسانية مضافة.
- لا تصوّر نفسك وأنت تؤدّي واجبك الذي تتقاضى أجرا مقابله
تُلاحَظ هذه الظاهرة بصورة خاصة في عدّة مجالات مهنية (ربما لإحساس خفي لدى أصحابها بالضّيم وعدم الاعتراف المجتمعي بالمجهود الذي يبذلونه) وتتمثل في عرض صور إشهارية لدروس وورشات ومساحات تنشيطية وفعاليات مختلفة، تندرج كلها في صلب ما هم محمولون على أدائه إزاء تلاميذ أو طلبة ليس من حقّنا إيتيقيّا أن نعرّض ملامحهم ولباسهم وأنواع أحذيتهم وارتسامات وجوههم للعموم خاصة عندما لا نطلب منهم الموافقة الصريحة سلفا. وفي هذا السياق، يجدر التنويه بمن يؤدّون مهامّ دقيقة جدا وذات نفع اجتماعي ووطني ثابت مثل الأطباء والممرضين الذين يهِبون الحياة كل يوم وأعوان الديوانة الذين يحبطون في كل لحظة عمليات تهريب الكابتاغون وأسلحة الإرهاب والاغتيال إلى حدود وقت غير بعيد والأمنيين الذين يطاردون فلول الإجرام ليلا نهارا … ولكنهم يمتنعون عن عرض كل ذلك مرئيا في الساحات العامّة.
- للمرض والموت حُرمة لا يجوز انتهاكها
لا أحد يشكّ في أن بعض الناس يُقدمون على تصوير مرضاهم أو موتاهم (نعم حدث ذلك أكثر من مرّة للأسف) من منطلق إبداء الحبّ والتعلّق والتعبير عن الوجع إزاء وضع مقدّر لا نستطيع إزاءَهُ شيئا، ولكن بعضهم يفعل ذلك أيضا للقول “ها قد تحمّلتُ عبءَ أداء الزيارة وعدتُ فلان أو فلانة في المستشفى أو في المصحة”… وهو أمر لا يستقيم لأن الحزن يُعاش بشكل حميمي والألم الذاتي غير قابل للتقاسم والشخص الذي كان في يوم من الأيام قويّا ووسيما وفي كامل ألقه وعنفوانه لا يرضى أن نُظهره للناس وهو معتلّ وهزيل ومُنهك.
- المطالبة بالمحاسبة والمساءلة شيءٌ، أما التشفّي وتلويث أعراض الناس فذلك شيءٌ آخر
مناخ الإيقافات المُهيمن على كل مظاهر الحياة الأخرى في ربوعنا أمرٌ لا يبعث على الابتهاج والارتياح لأنه يعكس خللا ما في سلوكنا كتونسيين وشُبهات إجرام وتواطؤ وضلوع في الإرهاب والتآمر على بلدنا ووحدته وهذا في حدّ ذاته – لو تأكّد- مؤشر خطير (لا يتواتر كثيرا مثله في باقي بلدان العالم) على أن التونسيين لا إسمنت يوحّدهم سوى ترصّد ما يمكن شفطه ولهفه في غفلة من أجهزة رقابة مُخترقة. وبالتالي فإن الوضع الطبيعي هو أن نتقاسم العيش في بلد يكون فيه الإجرام استثناءً والاعتداء على خزينة الدولة خيانة وطنية مُوجبة للتجريد من الجنسية. المتهمون لهم حرمة هم أيضا ولهم عائلات وأبناء وصداقات ومن ثبت تورّطه منهم أو تلطّخت يداه بدماء الأبرياء ما عليه إلا أن يدفع ثمن ذلك. (تحضرني في هذا السياق، قصّتان موجِعتان : قصّة بعض من أجواري “الأتقياء جدا” وزّعوا الحلويّات يوم اغتيال الشهيد شكري بلعيد في فيفري 2013، وقصّة صديق عزيز عليّ له على هذي البلاد أفضال كثيرة وعطاءات جزيلة نكّلت به الجريدة المشبوهة “الثورة نيوز” في 2011 ونسبت له قصورا وعقارات وحسابات بنكية خيالية… والحال أنه مازال إلى اليوم يُسدّد أقساط القرض الذي اشترى به شقة متوسّطة المستوى في حيّ للموظفين بالعاصمة).
- في الخطاب المُستخدم من قِبل مستعملي الفضاء الأزرق
___لا تُنهي النقاش من جهة واحدة : عندما تُنهي تدوينتك بتعبير “قف انتهى“، ذلك يعني ببساطة أنك أصبحت نبيّا، وكلامك يشبه الوحي أو الحديث المقدّس الذي لا يقبلُ تعقيبا أو تنسيبا أو تشكيكا. وعليه، من الأفضل أن تختم فكرتك النسبيّة بالضرورة بالقول “هذا رأي يحتمل الخطأ وسوء التقدير طبعا“.
___هذا الفضاء الذي أفنى مئات المهندسين أعمارهم في تطويره ليس ساحة لتصفية حساباتك مع الحْمَاوات والسّلايف ! تدوينات كثيرة تملأ الفضاء الأررق تبدأ بــ “قالوا ناس بكري” مصحوبة بمثل شعبي مُلغّم بالمعاني الحافّة وتنتهي بكلمة “مقصودة” أو “أقولها وأمضي“… بنيّة التعبير عن ردّة فعل ظلت مكتومة لم تعرف طريقها لمغادرة حلق صاحبتها لحجم الإحراج الذي قد تسبّبه أو مراعاة لابن عزيز إذا كان المستهدف كنّة مشاكسة.
___لا تقل “أنا لست مسؤولا عن فهمك لما قلتُ” ! لأن أصول التواصل المتّزن والسّوي تجعل المتكلّم مسؤولا عمّا يقول صياغة وفهما وتأويلا… تماما كما تقولُكَ ملامح وجهك دون وعي منك أحيانا. ألم يقل كبير الاتصاليّين واتسلافيك “جُعِل الكلام للتستّر على الواقع… لكن التعبير يكشفُه ويُعرّيه“.
- اجعلوا منشوراتكم منسجمة مع عناوين الصفحات “المتخصّصة” وصوركم متناغمة مع طبيعة الظرف الذي أملى ظهوركم.
كثيرا ما تعترضنا صفحات لها مجال اهتمام مخصوص مثل “صفحة محبّي غارسيا ماركيز” على سبيل المثال ولكن لا يتردّد من يُديرها في تأثيثها بخبر تسعير الموز أو تهريب الأبقار نحو الجزائر، أو نشر خبر “حلّ المجالس البلدية” في صفحة متخصصة في التعريف بالأغاني التونسية القديمة ! أو تلك الفتاة التي كتبت “فلسطين دم في الشرايين رحمك الله يا شيرين” ولكن عوض أن تضع صورة الصحفية الفلسطينية الشهيدة وضعت صورتها الخاصة مُبرزة تقليعة شعرها وأحمر شفاهها.
ملاحظة أخيرة في شكل تضرّع ورجاء : لا تُكثروا من صورة النبتة أو الشجرة التي تنبثق من بين شقوق الصخور الكلسية وترفقونها بمقولة نيتشة “إن الإنسان مثله مثل الشجرة، كلما رنا إلى الأعالي وإلى النور إلا ونحت جذوره في الأرض“، وكذلك صورة البنت الفقيرة التي تبيع زهورا بريّة على قارعة الطريق مرفوقة بعبارة “كان جات راقصة ملاهي أو فنانة راهو عندها آلاف من اللايكات” ! أو كذلك إرفاق صفة الشراسة بالنقابيين المتوفّين رحمهم الله جميعا لأن الشراسة والضّراوة مكانها الطبيعي هو الغابات والبراري.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 13 ساعةفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
استطلاع
صن نار
- اقتصادياقبل ساعة واحدة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 5 ساعات
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 5 ساعات
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 5 ساعات
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 6 ساعات
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 6 ساعات
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
- صن نارقبل 6 ساعات
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
- صن نارقبل 7 ساعات
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!