سنة ونصف منذ “انقلاب” الخامس والعشرين من جويلية، ونصف سنة منذ أن أقدم ساكن قرطاج بمفرده على تغيير نظام الحكم من خلال صياغة دستور جديد لا نعرف من كتب فصوله، ولا اين تمّت صياغتها…هل تغيّر حالنا نحو الأفضل كما يدّعون ويزعمون؟ لا…لا شيء تغيّر …
لا يزال المواطن التونسي ينتظر انجاز وعد واحد من وعود صانع تغيير الخامس والعشرين من جويلية…سنة ونصف ونحن نراوح مكاننا ولم نتقدّم ولو ربع خطوة إلى الأمام…سنة ونصفولا تزال البلاد منهكة، موجوعة من عملية سياسية عرجاء باتت غير قادرة على الخروج بالبلاد من الأزمات التي تحاصرها من كل جانب… سنة ونصف …والشعب يعيش على أمل كاذب…سنة ونصف والشعب يستمع إلى خطاب ناسف محبط لا يستثني أحدا…
سنة ونصف والفشل يرافق كل ما تعيشه البلاد…سنة ونصف ولا يزال بعضنا يصفّق للفشل والخديعة…سنة ونصف والبلاد تعيش إبادة شاملة لكل مكوّنات المشهد السياسي التي سبقت “الانقلاب”…سنة ونصف وتونس تعاني من أخطاء الجالسين على كراسي الحكم …سنة ونصف والشعب يستمع إلى نفس الكلمات والتعابير في خطب سياسية مزاجية لم تغيّر شيئا من حالنا…سنة ونصف ولا أحد ممن يحكمون البلاد لملم بعض شجاعته ليقول “أنا فاشل ولست قادرا على انقاذ البلاد والخروج بها من الوضع المخزي الذي تعانيه”…
سنة ونصف ولا همّ لمن يقود البلاد غير محاربة من يخالفونه الرأي ولا يصفقون لما يأتيه… سنة ونصف والدولة دون برنامج اقتصادي واجتماعي واحد يخرجنا مما نحن فيه…سنة ونصف ومن يقود البلاد يقصف معارضيه بكل أسلحة الإبادة السياسية الشاملة، والخطب الملغومة الناسفة، عوض احتوائهم ليكونوا سندا له في معالجة أوضاع البلاد المأساوية…سنة ونصف وجمهور ساكن قرطاج يغطي الفشل بتبريرات واهية وشيطنة كل ما سبق …سنة ونصف ومن هم حول ساكن قرطاج يحوّلون وجهة الشعب من فشل إلى فشل أكبر للتغطية على فشل آخر…سنة ونصف وساكن قرطاج يصرّ على أن كل هذا الشعب يريده ويدعمه ويسانده وأنه معبود الجماهير…
سنة ونصف ونحن نتبادل الاتهامات والقصف العشوائي دون أن نحكّم العقل والمنطق لحظة واحدة…سنة ونصف وساكن قرطاج لم يخطب خطابا واحدا يدعونا للانفتاح على بعضنا البعض، رغم اختلافاتنا حفاظا على وحدة هذا الوطن ومصالحه…سنة ونصف ولا أحد منّا احترم اختلاف الآخر ووجود الآخر ورأي الآخر ومشروع الآخر…ورؤية الآخر…سنة ونصف ورئيسنا لم يلتفت يوما إلى الحاضر والمستقبل واكتفى بمحاربة ومحاسبة ومحاكمة الماضي ومن حكموا في الماضي…سنة ونصف وحكامنا لم يأبهوا لآلام الشعب…وأحزان الشعب… وأوجاع الشعب… ودموع الشعب… سنة ونصف والمنغّصات تعوّض الأفراح…سنة ونصف والانكسارات تعوّض المسرات…سنة ونصف والاخفاقات تعوّض النجاحات…سنة ونصف والفواجع والتوتّر بدائل لراحة البال والاستقرار…سنة ونصف واليأس والإحباط يعوّضان الأمل والأمنيات…
نعم…سنة ونصف ولم نسعد بابتسامة واحدة ممن يحكمنا تعيد إلينا الأمل في مستقبل أجمل وتنزع عنّا الإحباط واليأس المتوارث من سنوات الجفاف والقحط السياسي…
المواطن التونسي اليوم…المواطن المعدم…الفقير…الذي عاش طويلا يحلم بالتغيير…وعاش حلما لا يزال ينتظره…هذا المواطن لم يكن يعلم أنه كان فقط مجرّد أداة لوصول البعض إلى كرسي الحكم…كان أداة تلاعبت بها كل التيارات السياسية التي تناحرت من أجل الحكم والسلطة…جميعكم أخطأتم…وجميعكم أوصلتم الوطن إلى هذا الوجع …جميعكم تاجر بآلام الشعب وأحلامه البسيطة…جميعكم شاركتم في وأد كل أحلام الشعب…ألم يحن الوقت لنعيش معا رغم اختلافاتنا…ألم يحن …؟ هل من المفروض أن نكون على رأي واحد…ولون واحد…ومشروع واحد…وفكر واحد…لنسعد في هذا الوطن…ونطمئن على مستقبل أجيالنا القادمة؟ لا…وهل من المفروض أن نفكّر كما يفكّر السلطان…ويكون ذوقنا من ذوق السلطان…ونسعد بما يسعد السلطان…ونأكل ما يعجب السلطان…ليرضى عنّا السلطان وزبانية السلطان؟ لا… وهل من المفروض أن أقبل برأي السلطان…وأرضى بما يرضي السلطان…وأتنازل عن مبادئي لأسعد السلطان وحاشية السلطان؟ لا…فهل من الممكن أن نعيش معا رغم اختلافاتنا وتناقضاتنا؟ نعم…وهل من الممكن أن أعيش مع الآخر…واقبل برأي الآخر…وأخدم وطني مع الآخر رغم اختلافي مع الآخر؟ نعم…فلماذا إذن نشيطن الآخر…ونحقد على الآخر…لماذا نخاف الآخر…فالآخر ليس من وطن آخر؟
فيا رئيس البلاد وسلطانها وحاكمها الأوحد…يا حاكم القصور الثلاثة…من قرطاج إلى القصبة مرورا بباردو…ألم يحن الوقت لتخاطب شعبك انسانا…صديقا…أخا…رفيقا…وليس رئيسا، ولا سلطانا، ولا حاكما بأمره…ألم يحن الوقت لتشعر بما يشعر به شعبك الذي تقول إنه شعبك…ألم يحن الوقت لتشعر بفقر الشعب…ودموع الشعب…ووجع الشعب…ومعاناة الشعب…وجوع الشعب…وتعب الشعب…واحباط الشعب…وحزن الشعب…قبل أن تشعر بغضب الشعب…ألم يحن الوقت لتشعر بما يشعر به شعبك بعيدا عن التخوين والاتهام بالعمالة والتآمر…؟ ألم يحن الوقت لتستمع ولو للحظة لصوت العقل…والمنطق وما أكثرهم أصحابه في وطني؟
إلى والدي في ذكرى وفاته…
هاتف في مكان ما تحت الأرض يرنّ: “تررررن…ترررن…من معي؟”
أنا ابنك يا أبي …فقط أردت أن أطمئن عليك وأمي…هنا لا جديد يا أبي فوق الأرض…فحالكم هناك أفضل من حالنا هنا…وأنتم هناك لا وباء ولا ابتلاء…تحياتي إلى أمي وأبناء أخي…وبالله عليك لا تحدّث أمي بما جاء في هذا المقال فتحزن لحالنا فوق الأرض…وقل لها إني وابنائي…وإخوتي بألف خير…دمتم هناك في اسعد حال…ودام رضاكم…نسيت…أبي…أبي…لا تغلق الخطّ، بالله عليك يا أبي…إن اعترضك الرئيس الأسبق بن علي رحمه الله فبلغه تحياتي وقل له اننا هنا فوق الأرض …ينقصنا الماء…وبعض الخبز…وقد نصبح إن تواصل الحقد بيننا…لا خبز لا ماء…إنه ابتلاء يا أبي…ابتلاء…