سألتني حفيدتي “لماذا لا يضحك الرئيس ولماذا هو دائم الصراخ…أنا أخافه حين يخطب…أنا لا أحبه” قلت أنا أيضا لا أحب الرئيس وأخافه…وأخاف على تونس منه…هكذا كانت بداية حواري مع حفيدتي التي واصلت لتقول: “هل يجب أن أحب الرئيس جدّي؟” قلت لا بُنيتي الدستور لا ينصّ على حبّ الرئيس أو كرهه…الدستور ينصّ فقط على حبّ الوطن…والوطن ليس الرئيس…الوطن ثابت خالد إلى الأبد…والرئيس متحوّل…
أي نعم…أنا لا أحب الرئيس…سيسألني بعضكم لماذا؟ سأقول…لا أحب الرئيس لأنه ومن خلال ما يأتيه لا أرى أنه يحبني…فماذا سأقول غدا لو سألني أحفادي حين يكبرون ويعرفون الحقيقة، لماذا ساندت رئيسا انقلب على شركائه…وانفرد بالحكم؟ ماذا سأقول لهم لو سألوني كيف رضيت بأن يحكم البلاد شخص انقلب على شركائه، فقط، لأنه يريد تعديل الدستور قصد توسيع قائمة صلاحياته…؟ ماذا سأقول؟
كيف لي أن أحب رئيسا لم ينجز وعدا واحدا من وعوده؟ كيف لي أن أحب رئيسا لم يسلم من لسانه خصم واحد من خصومه؟ كيف لي أن أحب رئيسا لا برنامج له غير ضرب خصومه ورفع الشعارات التي لا أحد يصدقها، ولا أحد يصفّق لها غير من لا يفقهون في الدولة وشؤون الدولة ومن كلفوا بمهمّة التصفيق؟ كيف لي أن أحب رئيسا لا برنامج له غير الخطب النارية الناسفة للخصوم؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا لم يأت إلى ساعتنا هذه بما يفيد البلاد والعباد؟ كيف لي أن أحب رئيسا أفسد علاقاته مع كل مكونات المشهد السياسي التونسي؟ كيف لي أن أحب رئيسا ما يأتيه يوحي بأنه سيقلب النظام إلى شبه نظام ملكي لا أحد يشاركه فيه الحكم؟ كيف لي أن أحب رئيسا يحارب المحاصصة السياسية في خطبه ويمارسها في تعييناته الجهوية والوطنية؟ كيف لي أن أحب رئيسا لا يعترف بكل من سبقوه في الحكم، وكأن كل شيء بدأ يوم وصوله إلى الحكم؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا اختار أن ينقلب على شركائه لينقذ نفسه ويستحوذ على كل السلطات التي لم يمكّنه منها الدستور، الذي به أصبح رئيسا، وبأحد فصوله انقلب على شركائه، ومنه يريد اليوم التخلّص؟
كيف لي أن أحب رئيسا أضاع الوقت على البلاد والعباد ولم يفعل أمرا واحدا يخرجها مما هي فيه؟ كيف لي أن أحب رئيسا لا يعرف أين يبدأ الحق وأين ينتهي، فكل ما يأتيه هو الحق…وكل ما يأتيه خصومه باطل وعلى غير حق؟ كيف لي أن أحب رئيسا يرى أن سعادة وازدهار البلاد في أن تكون كل سلطاتها في يد شخص واحد؟ كيف لي أن أحب رئيسا يريد أن يكون المتحدّث الوحيد باسم الشعب، والناطق الوحيد بما يريده هذا الشعب؟ كيف لي أن أحب رئيسا يكره الأغنياء ويرى أن جميعهم نهبوا البلاد، وأن عليهم إعادة الأموال المنهوبة إلى الشعب، أي شعب هذا الذي سرقه الأغنياء…كل الأغنياء؟ كيف لي أن أحب رئيسا يتصرّف وكأنه الملك أو السلطان، لا يقبل من يتحدّث معه ولا من يناقشه، فهو الوحيد الذي يتكلّم وعلى الجميع الاستماع لما يقول؟ كيف لي أن أحب رئيسا أصبح ضحية لأشخاص أحاط نفسه بهم، ووثق بهم، فاستطاعوا أن يعزلوه دون أن يدري عن الشعب، وعمن يمكن لهم إفادته ومساعدته عن كيف تدار شؤون الدولة؟
كيف لي أن أحب رئيسا صدّق بعض من قدموا له معلومات واستشارات كاذبة وملغومة كانت السبب في أخذ بعض القرارات الخاطئة، التي قد تضرّ لاحقا بشعب مطحون لم يجد من يشعر بمعاناته؟ كيف لي أن أحب رئيسا يعرف جيدا معاناة الشعب، ويكشف عن ذلك في كل دروسه الوزارية عفوا في كل مجالسه الوزارية، ويقبل بأن يستمر هذا الوضع على ما هو عليه بما يروّج عن قانون مالية سيزيد من أوجاع الشعب وآلامه؟ كيف لي أن أحب رئيسا يريد تمويل ميزانية الدولة بما في جيوب الشعب وبما ادّخرُوه في أرصدتهم البنكية؟ كيف لي أن أحب رئيسا صدّق من أوهموه بأن للدولة أموالا بالمليارات نهبها رجال الأعمال، وأخرى مهرّبة هرّبها هؤلاء أيضا؟ كيف لي أن أحب رئيسا صدّق كل ما يقال له عن أحوال البلاد الاقتصادية وعن أوضاعها المالية، إلى درجة أنه لا يزال يصرّ أن البلاد غنية ولا تخشى من الفقر؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا كثر في عهده الذي لم يتجاوز الستّة أشهر التخوين والتهويل والأحداث المفبركة، والروايات الخيالية وسياسات الإلهاء، وتحويل وجهة الشعب بالإعلام والقوادين والأتباع والمصفقين؟
كيف لي أن أحبّ رئيسا لم يلتفت إلى يومنا هذا لمشاكل الشعب الحقيقية، في الصحّة… والتعليم …والتشغيل… والعيش الكريم… والكرامة والعدالة ورفع المظالم… وغلاء الأسعار والمحسوبية في الانتدابات… والتوريث في الشغل والحرقة والتهميش؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا لم يع إلى يومنا هذا أن هذا الشعب هو وحده من يدفع ولا يزال ضريبة عشر سنوات من الحكم غير المسؤول؟ كيف لي أن أحب رئيسا لا يحرّك ساكنا أمام رغبة أتباعه في الانتقام والثأر وإقصاء كل من حكموا البلاد منذ موت السكّير وقبله؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا ملأ بعضهم صدره حقدا على كل من سبقوه في الحكم، فحوّلوا وجهته من التفكير في انقاذ البلاد من أزمتها، إلى كيف يتخلّص من خصومه ويبعدهم عن طريقه قبل الانتخابات القادمة؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا أوهمه بعض من هم حوله أن كل ما يـأتيه عقلاني ومنطقي وحكيم، وكل من يعارضونه فيه هم على باطل؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا لم يع إلى يومنا هذا أن المناخ الاجتماعي على فوهة بركان، وأن الانفجار قادم لا محالة، وأن ظهر الشعب المطحون لامس الحائط ولا مفرّ من المواجهة في قادم الأيام والاشهر، إن لم يدرك الرئيس خطورة المرحلة؟
كيف لي أن أحبّ رئيسا لم يقرأ دروس الماضي جيّدا، ولم يدرك أن تأخر خروج الشعب على حاكمه ليس جبنا ولا خنوعا ولا حنينا لحكم الرجل الواحد وسلطة “الماتراك” ولا كرها في خصومه، بل حكمة وخوفا على تونس من فوضى قد يستفيد منها من يقتاتون من الفوضى والخراب؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا لم يعرف خطورة أن يجوع شعبه، عليه وعلى الدولة وعلى مستقبل الوطن والأمّة؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا يعتبر كل من يعارضه “إخوانيا” من أبناء الغنوشي وفاسدا وانتهازيا وخائنا ومتآمرا وله أجندات خارجية ومدفوع الأجر، ويعتبره ناكرا للجميل وجحودا لا يفاخر بما أنجزه رئيس البلاد منذ استحواذه على حكم البلاد ورقاب العباد؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا يعتبر نفسه أقدر وأعلم من الجميع بما يجب أن يقوم به من أجل البلاد؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا لا يعترف بقامات البلاد ولم يفكّر في تشكيل هيئة من حكماء البلاد ينصحونه ويفيدونه بما لهم من تجربة، وخبرة، وتاريخ، ويستشيرهم في كل ما يفيد العباد والبلاد؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا يرى أنه أكبر من الدولة ومن قامات الدولة، ومن تاريخ الدولة، ويريد إعادة كتابة التاريخ لنفسه على مقاسه؟
كيف لي أن أحب رئيسا يعتبره البعض رسولا بقولهم “لا ينطق عن الهوى” وهو إنسان يصيب ويخطئ؟ كيف لي أن أحب رئيسا يفاخر ويعتبر تغيير يوم الاحتفال بذكرى انقلاب 14 جانفي إنجازا يحسب له ولعهده؟ كيف لي أن أحب رئيسا يعتبر إقصاء خصومه انجازا يعطيه الشرعية الكبرى ويجلسه ملكا على البلاد والعباد؟ كيف لي أن أحب رئيسا قد تشعل كل خطبه نار الفتنة بين أفراد هذا الشعب؟ كيف لي أن أحب رئيسا لا يحب أحدا من مكونات المشهد السياسي، وهو الذي كان شريكا لهم؟ كيف لي أن أحب رئيسا لم يظهر الحب لأي مواطن تونسي من شمال البلاد إلى جنوبها من غير أتباعه، فمن يكره حزبا يكره أتباعه، ومن يحقد على حركة يحقد على أتباعها؟ كيف لي أن أحب رئيسا لا يريد استخلاص تجربة المغفور لها “عشرية الخراب” بأخطائها وبفوائدها حتى لا نكرر هذه الأخطاء ونستفيد من الفوائد؟ كيف لي أن أحب رئيسا لم يأخذ العبرة من الذين سبقوه من الرؤساء السابقين فهل سينتظر أن يمر بنفس التجربة بتبعاتها واسقاطاتها؟
كيف لي أن أحبّ رئيسا أقام بينه وبين الجزء الأكبر من شعبه الذي لا ينتمي لتنسيقياته حائطا من الفولاذ الذي لا يمكن اختراقه؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا أحاط نفسه بمجموعة من المنتفعين ممن ينقلون للحاكم صورة مخالفة للواقع الذي يغلي خلف الجدار الفاصل بين الحاكم والمحكوم؟ كيف لي أن أحب رئيسا يرى في حجم من انتخبوه شرعية تسمح له بحكم البلاد والعباد كما يريد، وكيف يريد، وبالصيغة الذي يريد، وللمدّة التي يريد؟ كيف لي أن أحب رئيسا يصدّق من أتباعه من يوهمه بأن الشعب يأكل حتى التخمة…وسعيد بسعيّد ولا ينقصه شيء في ظلّ حكمه العادل، ولا يرغب في سماع من يقول له إن المجاعة على الأبواب والإفلاس يدق الباب؟ كيف لي أن أحب رئيسا لا يرغب في سماع أي صوت سوى صوت الوصوليين، ومن لا ينقلون له سوى ما يرغب هو في سماعه؟ كيف لي أن أحب رئيسا يصدّق من يقول له ومن يهتف باسمه قائلا إن الله اصطفاه وفضله على غيره من البشر تفضيلا…وأن حكمه سيدوم بإذن الله طويلا؟
كيف لي أن أحبّ رئيسا لا يدرك أن الشعوب حين تجوع وتُظلم وتُحرم من أبسط حقوقها تحمل في طياتها طاقة هائلة قابلة للانفجار في أية لحظة؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا لا يؤمن بأن الملك لا يدوم لأحد وأنه لو دامت لغيره لما آلت إليه؟ كيف لي أن أحب رئيسا انقطع عن الاتصال بمن يخالفه الرأي وبمن لا ينتمي لتنسيقياته واكتفى بملاقاة من هم معه ومن بايعوه فقط؟ كيف لي أن أحبّ رئيسا نسي محاسبة التاريخ ونسي أنّ من لم يترك إرثا ديمقراطيا عظيما لن كيف لي أن أحب رئيسا تخافه حفيدتي وهو يخطب…فكيف لا أخافه وهو يحكم…؟ كيف لي أن أحب رئيسا لم يعلن حبّه لهذا الشعب كل الشعب… بخصومه… بأعدائه… بمن لا يحبونه …وبمن يكرهون حتى مجرّد ذكر اسمه…؟تخلّده كتب التاريخ، ولن يُذكر اسمه في محافل التاريخ؟
في الأخير أقول هذا رأيي قد يتفق معي فيه عدد ممن انتخبوا الرئيس، وقد يختلف معي فيه عدد ممن انتخبوا الرئيس أيضا، هو استغلال شرعي لمساحة من الحرية مكنني منها دستور البلاد…قد يغضب مني الرئيس ويسجنني وحينها يكون لعدم حبي للرئيس ولخوفي مبررا ودليلا…وقد لا يغضب منّي الرئيس وحينها سأروي لحفيدتي أن الرئيس يضحك مثلنا…ويبتسم مثلنا…ولا موجب للخوف منه…
ولأنني لا أحبّ الرئيس أقول له، إن الحقد والكره والفتنة والانتقام والثأر والإقصاء كلها كلمات وجب حذفها من قاموسنا يوم نجلس على كرسي الحكم…وعليه أن يعلم ويشعر بما عاناه أغلب من انتمَوْا لمنظومة الاستقلال والتحديث منظومة بورقيبة وبن علي رحمهما الله بسبب الرغبة الجامحة في الانتقام…والحقد الذي امتلأت به بعض الصدور…عليه أن يعلم أن هؤلاء خسروا كل شيء…وخسرتهم البلاد بما لهم من تجربة…خسروا أنفسهم…وماضيهم وحاضرهم…ومستقبل أبنائهم….وأملاكهم…وما ملكت ايمانهم…وسُحلوا وأُطردوا من مراكز عملهم…وسُلبوا حقوقهم…وحُرموا من خططهم الوظيفية…وعاشوا الرعب تحت رحمة المحاكم الشعبية (رابطات حماية الثورة) فقط لأنهم كانوا يحكمون وينتمون لمنظومة حاكمة لم تكن بالسوء الذي روّجوه عنها…والأسوأ، والأغرب، والأكثر وجعا أنهم حُرموا من مآثرهم وما أنجزوه من أجل هذا الشعب وهذا الوطن…وأعاد التتار والوندال والمغول ومن معهم كتابة التاريخ على مقاسهم…فهل تريد أنت أيضا أن تفعل ما فعله التتار والوندال والمغول والبعض الآخر لمن سبقوهم في الحكم مع من سبقوك في الحكم ومن شاركوك فيه لفترة…هل تريد أنت أن تستحوذ على التاريخ كما استحوذت على الحكم بالانقلاب على من كنت تشاركهم الحكم؟
لا أظنّ أنك ستفعل…وأظنّ أن العقل سينتصر على المزاج…وأنك ستستمع إلى روح العقل…وتحب شعبك بكل من فيه…بمن لم ينتخبوك…ومن لا ينتمون إلى حزبك القادم سرا على أطراف قدميه…ومن يكرهون مجرّد الحديث عنك…ومن سيحاربونك في قادم الأيام على كسب ودّ الناخبين…لأنك ستدرك أنك بالحبّ وبالحبّ وحده…وبالحبّ فقط ستُبْقى اسمك راسخا في أذهان هذا الشعب…وبالحبّ فقط ستكتب اسمك في كتب التاريخ…وبالحبّ فقط سيتحدث عنك الشعب يوم تترك الكرسي…فالإنسانية حبّ…والديمقراطية حبّ….وحكم الشعوب حبّ…فارفع لواء الحبّ لتُجنّب البلاد تبعات الحقد والانقسام….وحّد الشعب بالحبّ…وعلى الحبّ…وكن رئيسا لمن تحبّ…سيحبك من تحب…فمن يصفقون اليوم لغضبك….وتشنجك…وتهديدك…ووعيدك…إنما يصفقون لأنك ستخلصهم ممن يختلفون معهم…فلا تكنْ خصما لأحد…كُن رئيسا وصديقا وأخا…لكل الشعب…
أتريد ان يكتب من سيحكمون بعدك التاريخ على مقاسهم…ويحذفوا كل مآثرك إن تركت…وكل إنجازاتك إن أنجزت؟ وإلى ذلك اليوم…ولأنك إلى يومنا هذا خارج التغطية أمام مشاكل البلاد والعباد وأوجاع الشعب ومعاناته الحقيقية…فأنا لا أحبّك ولن أحبّك…حتى اشعار آخر…أتمناه قريبا…إن أردت…فأعلن حبّك للجميع يحبّك الجميع…