وجاء موعد 17 ديسمبر 2022 …جاء يوم الامتحان …وفي كلّ امتحان يُكرم المرء او يُهان …دعوني في البداية اقل ..لا احد من المناصرين او من المناهضين لقيس سعيّد ومشروعه ان جاز الحديث عن مشروع … لا احد كان يتوقّع ما حدث في الانتخابات التشريعية وبتلك النسبة ..
مناصرو العلوّ الشاهق انقطع عنهم يومها الاوكسجين ..وهذا طبيعي لانّ كلّ علوّ يقلّص من حجم الاوكسجين فما بالكم بالعلوّ الشاهق ..والحالمون بالسقوط المدوّي خذلتهم هم ايضا العبارة ..لانّ ما وقع تجاوز السقوط المدوّي ليصبح الانفجار الهيروشيمي … قلتها مرّات واعيدها ..وخاصّة لاولئك المنبّرين على الشعب .. قلت كم مرّة انّ الشعب التونسي هو شعب عظيم وهاهو يثبت مرة اخرى انّه عظيم ..
راجعوا كلّ الاحداث التي مرت بها البلاد على الاقلّ في تاريخها الحديث اي منذ الاستعمار لحدّ يوم 17 ديسمبر 22 لتتاكّدوا انّ من احتقر هذا الشعب وكتب عنه ابشع العبارات واعتبره شعب الذلّ والمسكنة والتخلّف، شعبا خبزيست وجاهلا … لم يعرف يوما شعبه …هؤلاء وانا من اسمّيهم نكبة النخبة هم ما التحموا يوما به وما عرفوا او فهموا المقولة الخالدة لابن تونس الكبير ابن خلدون (التاريخ في ظاهره اخبار وفي باطنه نظر وتحقيق) … هؤلاء قرؤوا التاريخ فقط كمادّة لينالوا عددا محترما في امتحاناتهم الدراسية ….
والمصيبة الكبرى انّ من دأبوا على التوصيفات الحقيرة لشعبهم لهم درجات تعليمية ذات بال ..ولكنّ الديبلومات العالية قد تؤهّل صاحبها ليكون موظّفا صاحب راتب ولكن ابدا ان تؤهّله لدرجة ادنى من الثقافة والوعي ..نحن في جلّنا نتباهى بشاعرنا التونسي ابي القاسم الشابي وهو يوسّم شعبه في احلك ظروفه انذاك ببيت اصبح جزءا من حامضنا النووي وهو (اذا الشعب يوما اراد الحياة .. فلابدّ ان يستجيب القدر ).. لاحظوا عند تأدية النشيد الرسمي التونسي بشكل جماعي وعند الوصول الى البيت الشعري المذكور آنفا …تامّلوا مليّا قسمات وجوه من يؤدّونها..
هنالك من يقوم بترديدها على شاكلة (ياوردتي ما احسنك .. سبحان من قد انبتك) .. وجزء آخر من المردّدين يؤدّونها بكلّ حماسة وتكاد اوداج رقابهم تفور دما ..ايمانا بقدرة الشعب على الفعل ..انا كنت من زمرة الشاهدين على العصر منذ الاستعداد لحرب بنزرت ..وخرجت وانا طفل مع والدي رحمه الله في المظاهرات التي تنادي بصوت واحد (الجلاء …السلاح) كان الايمان وكانت الارادة الوطنية تنطلق من حناجرنا جميعا بكبارنا وصغارنا برجالنا ونسوتنا ..وكان الجلاء ..
وكنت من الذين عاشوا تحركات جانفي 78 ..وكان الماتراك والغاز المسيل للدموع وصوت الرصاص الملعلع ..وكنت من الذين عاشوا ثورة الخبز 84 .. ايدام .. وسقوط شهداء ..وكنت من الذين توهموا قيام ثورة 2011 وبحّ صوتي انذاك بـ (ديڨاج) وداڨاجينا بن علي ثم تفطّنّا اننا حفرنا قبورا لتونس بايدينا جرّاء غبائنا .. وانا عايشت ما وقع في القصبة عام 2013 وكان لقاء الشؤم بباريس الذي ظنناه باب امل فُتح على التوافق فاذا به باب جهنّم فُتح على التنافق ..وعايشت طبعا ما وقع يوم 25 جويلية 21 ..وتصورت مرّة اخرى اننا مقبلون على مرحلة جديدة من تاريخ تونس ..واكتشفنا انّنا كنّا نطارد خيط دخان ..
وجاء يوم 17 ديسمبر 22 …وخرج الشعب في اعظم مظاهرة في تاريخه اذ انّ عدد المتظاهرين تجاوز الثمانية ملايين .. انها مظاهرة العزوف المظاهرة الصاخبة بصمتها …وما اعظم صخب الصمت …فهل بعد كلّ ما ذكرته عن نضال الشعب التونسي مازال البعض يستهين بقدرته على قول لااااااااااااااااا …هي دوريات نعم ..لذلك كنت دائما اردّد لابدّ ان ينجلي الليل مهما طال …وحتى الليل في كينونته ينجلي حسب الفصول، فليل الشتاء اطول بكثير من ليل الصيف ..
يوم 17 ديسمبر 22 سيكون وحتما يوما تاريخيا لاعادة ترتيب الاوراق ..نعم ستُعاد عمليّة ترتيب الاوراق ..فقط كيف سيكون ذلك ؟؟
انا مع (شدّ السّيف هيّا قابلني) … الكلّ يقول انّ الشعب معه ..اذن انطلاقا من هذه القناعة مالمانع في تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لاوانها ؟؟ مادام الكلّ مقتنعا بانّه هو من له ضمانة الشعب ..؟؟.. دعوا هذا الشعب يقرّر مع تحديد شرط هامّ وهو امّا ضمان اشراف الجيش على هذه الانتخابات لانّه المكوّن الوحيد الذي يحظى بالثقة التامة من لدن هذا الشعب .. او تحت اشراف دولي شرط ان يكون محايدا تماما حتى نبتعد عن المحاور بغربيّها وخليجيّها …
في تقديري ذاك هو الحلّ الافضل لتونس ..نعم شدّ السيّف هيّا ڨابلني حتى نتجنّب لا قدّر الله شدّ الكلاشينكوف هيّا ڨابلني .. كم انت كبير يا حشاد ابن الخضراء في مقولتك (احبّك يا شعب) والعزّ والمجد والغد لك يا تونس ولشعبك ..