لمْسُ نار

شعب في مهبّ الريح

نشرت

في

رانية التوكابري شرّفت تونس فهوجمت لأجل رأي

منتخب تتقاذفه الأقدار في مواجهة افريقيّة   بسبب عركة بين وزير الرياضة و “وديع الكورة” .. كلاش بين “أرقى” إعلاميين في البلاد منال عمارة و شمس الدّين باشا … تسريبات صوتيّة  .. صور و فضائح … معارك كلاميّة ..  

<strong>عبير عميش<strong>

صفوف و طوابير أمام المخابز و محطات الوقود … أدوية و موادّ أولية مفقودة .. نفايات تحاصر المدن ( صفاقس / جربة / برج شاكير ) … قتلى و جرحى في حوادث طرقات … غرق بحارة … انتشال جثث حارقين هاربين من جحيم الوطن .. بلاتوات صراخ و لغط سياسي و تجاذب ايديولوجي .. برامج أغرقتنا في التفاهة .. تحريض على الخصوم ..شماتة.. حقد.. تشَفٍّ ..رغبة في الانتقام .. سحل للآخر على كلّ المواقع

هذه هي الأخبار التي ننام و نصحو عليها  يوميّا  و لو كانت أصداء المعارك والخصومات تقاس بسلّم ريشتر لبلغت أقصى الدّرجات  و لزلزلت كلّ أركان  البلاد …

عشر سنوات أو أكثر من الانكسارات و خيبات الأمل كانت كافية ليشيع في نفوسنا اليأس و الألم و لنفقد لذّة الحياة في وطن هو بدوره يراكم الكآبة  و يبحث عن ابتسامة مفقودة و لحظة فرح طال انتظارها …  

وطن يعيش اليوم بيومه دون تخطيط أو استشراف … معارك سياسية طاحنة  تُرِك فيها المواطن لمواجهة واقعه الاقتصادي و الاجتماعي لوحده في الوقت الذي راح فيه الجميع يبارز الجميع بوجوه مكشوفة حينا وبضربات غادرة حينا آخر … صراع من أجل الحكم و السيطرة على مفاصل الدولة ، لعلّ آخر تجلياته في المدّة الأخيرة هاجس السيطرة على المؤسسات القضائيّة و الأمنية و العسكرية (و ليس الأمر جديدا فقد كان  هاجس كل من حكموا البلاد منذ الاستقلال حتّى اليوم) و هو ما يؤجّج معركة الهيمنة على المجلس الأعلى للقضاء، الذي يمثّل العقبة الأخيرة الوحيدة أمام تحقيق مشروع الرئيس الشمولي ..

لا أحد ينكر أنّ القضاء في تونس أصابته كل علل العالم … تلاعُب بالملفات .. مُماطلة .. تأخير قضايا  .. ولاءات .. محسوبيّة .. قطاعيّة مقيتة .. و لكن لا معنى لإخراجه من تحت جبّة أحدهم ليصير تحت عباءة الآخر، لا معنى لانتقال الولاء من جهة إلى أخرى … نريد قضاء لا ولاء له إلا للقانون و الحق والعدل  و لا يتعامل مع المواطنين إلا باعتبارهم  سواسية لا فرق بين أحدهم و الآخر إلاّ بالانضباط و احترام التشريعات …

تنظر في أعين المواطنين صباحا فترى خوفا و انتظارا و ترقُبهم عائدين إلى منازلهم مساء فترى حزنا و حيرة …

يبحث المواطن عن ضالته في خطاب طمأنة في كلمة تحفيزية في بلورة فكرة سياسيّة واضحة المعالم،  فلا يجد سوى خطابات متوتّرة موتورة و كلمات عنقوديّة متشظّية …

سجال فايسبوكي بين رئيس الجمهورية و معارضيه ، يكتبون و يقولون ما لا يرضيه فيردّ عليهم عبر الصفحة الرسمية للرئاسة  مستغلا مجلسا وزاريا أو لقاء بأحد الوزراء أو الضيوف ليكيل لهم التهم و الشتائم  …  تصفية حسابات صغيرة تتضخم فيها ذوات بعضهم لتطغى على الوطن و تغطي على مكانته و قيمته وتسلبه الأولويّة و تسلب المواطن كل إحساس بالقيمة و الأهمّية، فهو دوما حطب المعركة الذي يضحي به الجميع في سبيل تحصين مواقعهم ..

حتّى المشاريع و خطة العمل التي وضعتها الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد الدّولي تُدار حسب عبارة أحدهم في غرف مظلمة لا يعرف عنها الشعب شيئا و لم تصل البعض منّا إلا في شكل تسريبات مهرّبة لا تختلف في ذلك عن تهريب أي بضاعة أو سلعة ممنوعة ، دون انتظار نتائج الاستشارة الموعودة  (“أهمّ حدث في تاريخ الدّولة التونسية” كما قال والي بن عروس الذي يبدو أنّه لم يدرس يوما تاريخ البلاد) و دون التقيد برأي الشعب و إرادته المقدّسة التي طالما دافع عنها رأس السلطة و ماسك زمام كل الأمور منذ بيان 25  جويلية  .. حكومة استثنائيّة في ظرف استثنائي، حكومة لم نسمع لرئيستها و وزرائها صوتا أو رأيا، ستخطّ مستقبل البلاد للسنوات القادمة و ستتفاوض على مصيرها في غفلة من الشعب و دون أن تنتظر استحقاق 17 ديسمبر الانتخابي القائم …

إنّ أيّ إصلاح لا يمكن أن يتجسّد و أيّ تقدّم لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع إلا متى صار مشروعا مجتمعيّا مكتملا  يتناقش فيه الجميع و يتفقون على أهمّ بنوده و يحمله الشعب بوعي و إرادة حقيقيين غير مزيّفين، و متى آمنّا بأنّ تونس تتسع للجميع بعيدا عن خطابات التشويه و التخوين المتبادلة

فمتى ينتهي عبث السياسة و السياسيين و نهتم بما ينفع البلاد حقّا؟

في تونس مواطن جمال عديدة بعضها تم تدميره و تخريبه و البعض الآخر يتم تغييبه و لا نعرف عنه شيئا  لا بدّ من أن نعيد النبش عنه و نبرزه للعلن و نحسن استثماره … و في تونس شباب مبدع و طاقات خلاقة لا تجد لنفسها مكانا وسط الفوضى و الضجيج و تغيب إبداعاتها وسط الرداءة و الإسفاف لابدّ أن تأخذ حظّها و تخرج للنّور…

الشابة رانية التوكابري التي وقعت استضافتها في  أحد البرامج التلفزيّة  واحدة من طاقات تونس ، من الحلم الذي نحمله جميعا ، من الصورة التي نريد أن نرى عليها أبناءنا و بناتنا ،  و المثال الحقيقي لقيمة الاجتهاد والمثابرة و العمل و دورها في رفع راية بلادنا، تقع هرسلتها  فايسبوكيا و إلكترونيا حتى تكفر بالبلاد و تفقد الشعور بالانتماء …

تقع هرسلتها لأنّها عبّرت عن رأيها و بيّنت موقفها من العلم و الدّين أجل يا سادتي فالتفكير و الرأي الحرّ في بلادنا جريمة لا تغتفر .. و قد نسينا أنّ حرّية التفكير أساس كل الحرّيات و ميّزنا عليها حرّية التعبير التي صارت حرّية الشتم و القذف و التشويه …

في بلادنا يحاكم الجاهلُ العالمَ،  و المهوّمُ مع دخان الشيشة المفكّرَ و الباحثَ،  و من لا يفكّ الخطّ الكاتبَ .. و يطغى صوت الغوغاء على صوت العقل و تنتصر عقلية القطيع على فردانية الفرد و تمايزه …

بعد 14 جانفي 2011 تخيّل الكثيرون أنّ الغد سيكون أرقى و أفضل، و لكنّ المعارك السياسية و الصراعات الجانبيّة والتطاحن على السلطة  أفقدتنا البوصلة و جعلتنا شعبا في مهبّ الريح .

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version