كلّ نار

شعب من الهُرّاب

نشرت

في

يفتخر بعضنا بأن في تونس أعرق منظمة نقابية في قارة إفريقيا … و مرجعهم في ذلك تاريخ طويل مبدؤه محمد علي الحامي و مختار العياري منذ مائة عام، و فرحات حشاد و أحمد التليلي و النوري البودالي و حبيب عاشور في منتصف القرن الماضي، وصولا إلى الطبوبي و الطاهري و المرحوم المباركي في عصرنا هذا …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

نحن هكذا نقابيون بالفطرة … صحيح أن ذلك كان و بقي عنوانا للمقاومة الوطنية و الاجتماعية … لا شك في ذلك … و لكنه أيضا و أكثر فأكثر، يعني أننا أناس نطالب بدل أن ننجز، و ننتظر أن يبادر الآخر و لا نبادر، و نمد اليد السفلى الآخذة بدل أن نكون اليد العليا الواهبة، و نستجدي الثروة بدل أن نخلقها، و نريد التشغيل و التعليم و التطبيب و التعلبف (من العلف) بدل أن نريد الحياة … و منذ نولد و نحن نرفع الأكفّ إلى الدولة و تبقى أيدينا هكذا في السماء و لا تنزل، حتى ترمي لها تلك الدولة برغيف أو وسيلة نقل أو تذكرة وقوف في طابور المساعدات …

و قد استفحلت بنا الحال فلم نعد نطالب دولة واحدة، دولتنا، بل صارت لنا حقوق على عديد الدول … الدول المانحة و قد تراكم على أبوابها متسوّلونا مرتدين بزّة رسمية هذه المرة … دول المهجر و قد تكدّست على أسوار قنصلياتها جيوش طالبي تأشيرة هي إلى الذلّ أقرب … أو دول “المَحرق” و قد تزاحمت على مياهها الإقليمية قواربنا الصالحة و غير الصالحة، و راح دون ذلك لحم أبنائنا للسمك طُعما و طعاما …

عند هؤلاء و غيرهم مئات آلاف و حتى ملايين، لا تسمع سوى “نهجّ و نتركها لهم واسعة و عريضة” … و “لهم” تعني حكام تونس و ماسكي دولتها على أنهم أصحاب البلاد أما البقية فضيوف على ما نسمع من كلامهم … يا عجبي … كل أقطار العالم ملْك بحري و برّي لشعوبها عدا هذه الأرض التي يتبرّأ منها شعبها جهارا نهارا … و هذا وجه آخر من وجوه الدولة الأصل و الشعب الفرع، شعب يستأذن في الدخول و الخروج و يطلب كل شيء و لا يفهم أنه هو كل شيء …

لا … لا يريد أناسنا أن يحملوا أوزار بلادهم بل حتى مسؤولية حيهم و الشارع الذي يسكنون فيه … لا في الانتخاب و لا في النقاش العام و لا في الاهتمام بنشرة الأخبار و لا في متابعة ما يحاك في مجلس النواب و الأحزاب … استقالة شاملة يعرفها العوامّ و يرفضها كل الرفض من يحكمون و يفشلون … و أنّى لهم أن يتحرّجوا من “مواطنين” ديارهم مثلا نظيفة من الداخل ـ قدر المستطاع ـ و لكن مترا واحدا أمامها لا يهمّ أحدا أن يكون حفرا و قذارة و مياها راكدة تلفظها المنازل نحو الطريق العمومي … و أضعف الإيمان أن ترى تونسيا يجد أمام بيته قمامة طائشة فيلتفت يمنة و يسرة و حين لا يجد عينا تراه، يقذفها ـ هكذا ـ بساقه إلى أمام بيت مجاور … دار الخلاء تبيع اللفت …

لهذا أزيلت الحاويات من أحياء عديدة بعد أن رفض الجميع أن توضع قريبا من مساكنهم … و أين العجب و الكل يرمي أكياسه مغلقة و مفتوحة فوق الحاوية و تحتها و جنبها و يتفاقم ذلك بغياب عربة البلدية أياما و تلك قصة على حدة … و ليس نادرا أن تجد من يشتري الدهن و يكتب على جداره (الحقيقي لا للافتراضي): ممنوع وضع الزبلة هنا، و يزيد عليها تذكيرا بقيمة الخطية في حالة كهذه … و ليس قليلا من يكتب: “ممنوع التبوّل” خاصة إذا كان الحائط منزويا بعض الشيء … و يزيد من باب الردع دعاء مزلزلا على المخالف المجهول أو والديه …

رزق البيليك كُتبت فيه لدينا شكاوى و مقالات بحجم تلال من الكتب … و لكنه يعني في الأخير أن لا انتماء لدينا و لا هويّة و لا جدارة صراحة بأن نعيش هنا … و لا في أي مكان آخر من الكوكب

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version