جور نار

“شماتة في العرب”

عبد القادر المقري

نشرت

في

يمكن مرة، يمكن اثنتان، يمكن عشر مرات … يمكن دائما، أن نتساءل عن سبب هذا التجهّم و التبرّم اللذين يعترضانك كلما قصدت مرفقا عموميا يستقبلك فيه تونسيون … و لطالما كنّا نطأ على الجمرة ظانّين أنها مشكلة داخلية و أن ذلك قد يكون ناتجا عن الهواء المتخلّف الذي نستنشقه في بلد متخلّف … و لكن ثبت أن كوفيد الشماتة عابر للحدود، تماما مثل أخيه الذي احتار فيه عندنا إلى الآن أربعة وزراء صحة منهم زوز بالنيابة …

فمواطنونا بالخارج مثلا … اسألْهم عمّا يعانون و ممّن يعانون أوّلا: من يمين فرنسا المتطرّف؟ لا … من قوانين الهجرة المتشددة يوما بعد يوم؟ لا … من هشاشة وضع الأجانب في اتحاد أوروبي مأزوم؟ لا … من بؤس الضواحي و مخاطرها؟ لا … من فيضان أقسام الإنعاش و عجزها أمام مئات آلاف المصابين؟ لا … من هذيكة و هذيكة؟ لا … معظم جنون مهاجرينا أصله و فصله من عامل قنصليّ أغلق في وجوههم بابا باريسيّا فوقه علم تونسي … أو من وثيقة عاجلة طلبوها و لم تأت منذ نصف عام … أو من رسوم و تنابر يختلط عندها اليورو الثمين بدينارنا الرخيص … أو من ديوانيّ أنت في نظره لصّ مهرّب مليونير حتى تثبت براءتك و لن تثبتها …

نقلب الاتجاه … حتى أعوان البعثات الدبلوماسية و العلمية الأجنبية الذين يستقرّون زمنا ببلادنا … حتى هؤلاء ينتهون بأن تركبهم بلادة مثل بلادتنا، و توجّس عمومي من مثل ارتيابنا بكل من يقصد مكاتبنا و خدماتنا … فتراهم هم أيضا يكثرون في الأوراق و المعاليم و أصبحوا يدقّقون أكثر منك في الفرق بين المائة مليم و المائتين … و صاروا يتلذّذون رؤية الصفوف و هي تتراصّ أمامهم، و وجوه الخلق تنزّ عرقا تحت الشمس أو بللا تحت المطر … و لو كانت راضية النصراوي ـ شفاها الله ـ بعافيتها، لقلنا لها إن مناهضة التعذيب تبدأ من منع تسليم الفيزا لأيّ تيس منّا … و هكذا، نبقى جميعا متكدّسين وسط حدودنا رأسا ينطح رأسا، و نتفرّغ لكوابيسنا الأخرى أحسن و أهنأ و أكرم …

نحن قوم لا معنى عندنا للصالح العام و لا للخدمات و لا للمنطق الحلو و لا للّياقة و لا للتربية … و القصد ليس فقط إداراتنا العمومية المنضوية تحت حكومة المشيشي … بل حتى معاملات قطاعنا الخاص مع الحرفاء، خاصة إذا كانوا في موقع ضعف أو طلب، أو عرض يقلّ عن الطلب … و لماذا تستغرب و عندك توانسة هنا و توانسة هناك؟ … من نفس الكرش نزلنا، و نفس حليب الغبرة شربنا، و على نفس المزود شطحنا … شركات تأميننا هي الوحيدة في العالم التي تقبض كل شيء و لا تدفع شيئا … و يقيني أنه لولا دوريات المرور ما أمّن أحد و ما حفيت ساقاه لسداد تلك الإتاوة القاهرة كل ستة أشهر … نفس الكلام و أكثر يقال عن البنوك التي تسلخ منك يوميّا على أية حركة تتحركها في اتجاهها … و ها هي اليوم تنتقل من حلْب المواطنين إلى الشفط من جيب حكومة دخلت طور الاقتراض …

لا معنى عندنا للخدمات العمومية و لا حتى لشيء اسمه مواطن … معظم قوانيننا زجرية ردعية تضرب الطيب بالخبيث و تقرأ سوء النية قبل حسنها، و الحزم عندها يعني الضرب تحت الحزام و فوقه … و لا قيمة لإمضاء إلا بعد الإمضاء على تعريف بالإمضاء … فاتورة الكهرباء احتفلت بمائويتها (بالدينار) قبل الترجي و الإفريقي بسنوات … و السعيد السعيد من ما زال يدفع عشرين و ثلاثين، و في هذه الحالة ليس من مصلحته أن يعلن ذلك … شركة المياه تقطع سائلها المشبوه وقتما تشاء و إلى أجل غير مسمّى، و لا يهمّها إن مات ميّت أو عاش عائش … “الكنام” مخصصة لجنة كاملة صارمة مهمّتها تكذيب كل الشهادات و الوصفات الطبية مهما صدُقت … و إذا رضيت عنك، فلا يمنعها هذا من أن “تحفتر” نصف مستحقاتك فهل تغضب؟

و يأتي بعد ذلك من يحدثك عن الدولة و مدنية الدولة و رجال الدولة و المتنبي و سيف الدولة … قلْ هذا الكلام أوّلا للأمّ التي توصي ابنها منذ الطفولة و قبل كل خروج لأصحابه: حذار، لا تعط الثقة لـ “عربي” (بتسكين الراء) أي لتونسي آخر … فلا يتردد البطل في ترجمة تلك الحكمة و مثيلاتها عندما يكبر … إلى كل اللغات الممكنة …

2 تعليقان

صن نار

Exit mobile version