ما من شك في أن رحيل الفنانة نعمة يشكل في حد ذاته فرصة للتأمل و التمعن في مسيرتها الفنية و حتى الشخصية للوقوف عند خصال هده المرأة وعطائها الزاخر للفن في تونس لكن هذا لن يكون كافيا لإيفاء الفنانة حقها بالكامل..لذلك ارتأيت أن أنظر إلى مجمل رصيدها من زاوية الإقرار لها بدور المجمّع للتونسيين والتأليف بين قلوبهم …
نعمة كانت من القلائل الذين آمنوا بجدارة التونسيين بأن يكون لهم فن تونسي لحما ودما و نعمة كانت من هذا المنظور مغناطيسا يرسل ذبذباته في وجدان التونسيين حيثما كانوا في هذه البلاد العزيزة. نعمة شانها شان صليحة وراؤول جورنو وعلي الرياحي والهادي الجويني وحبوبة و إسماعيل الحطاب من الذين يطربون التونسيين فقط، لأنهم يشعرونهم بالانتماء إلى “قبيلة” تونس … و نعمة لاتختلف في شيء من هذا المنطلق عن رموز أخرى مثل العروي و الحاج كلوف و أمي تراكي بل هم جميعا مثل الكسكسي و اللبلابي والصحن التونسي و القمودي و المنتخب و الجندي الذي يرابط متسمرا دفاعا عن حرمة الوطن …
اليوم و نحن نودع نعمة لا نودع فنانة بل نودّع جزءا من أصالتنا و نتذكر أننا كنا دائما أسياد أنفسنا نصنع فننا بملكاتنا لا بملكات غيرنا و نغار على بلادنا كما نغار على أولادنا … وهذا الكلام لا يمكن للأسف أن يستوعبه الممسوخون الخارجون من جلدتهم …
فشكرا للراحلة نعمة التي أتاحت لنا فرصة للتذكير بالرجال والنساء الذين كانوا إسمنت وحدة الشعب و استبساله في مقاومة نزعات تفكيكه وتحويله إلى كيان فاقد للذاكرة